الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. الوعى

ع المصطبة.. الوعى

لا ينكر أحد أننا كمصريين أبناء حضارة عظيمة، ولا ينكر أحد أن الكثير من مكونات هذه الحضارة لا تزال لصيقة بجيناتنا وموروثاتنا وسلوكياتنا اليومية، لكن أيضًا ما لا يجب أن ننكره، أن عقودًا من تجريف الشخصية المصرية أثرت على هويتنا، ومن ثم على سلوكياتنا الحياتية.



وإذا كانت الفترة المقبلة متخمة بالتحديات الداخلية والخارجية، وأبرزها التحديات الاقتصادية الناجمة عن تداعيات الأزمات العالمية والإقليمية، إلا أن هناك تحديًا كبيرًا أمام الدولة المصرية يتمثل فى ترسيخ الوعى، واستعادة السلوكيات الحضارية فى حياتنا اليومية، ففى خلال العقود الماضية تراكمت أتربة كثيرة محملة بسلوكيات وعادات دخيلة على المجتمع طمست الكثير من هويته المتسامحة السلسة، فأصبح القبح فى بعض الأحيان مرادفًا للحشمة، فى حين أن الحشمة لا تتعارض مع الشياكة والجمال، وكم من صور قديمة سواء للماضى القريب لآبائنا وأمهاتنا، أو فى الماضى البعيد على جدران المعابد الفرعونية، كنا نرى أجدادنا فى قمة الشياكة والرقى من دون ابتذال، لكن للأسف فإن بعضًا من ثقافة البداوة سيطر على بعض العقول، حتى أصبحنا نتداول صورنا القديمة ونحن نتحسر على هذه الشياكة وهذا الرقى المفقودين.

من مظاهر حاجتنا لعودة الوعى أيضًا، أننا لم يعد كل منا يراقب تصرفاته، بل بات الشخص يراقب تصرفات الآخرين، وبدلًا من أن ينظر إلى الخشبة التى فى عينه، نراه ينتقد القشة فى عين الآخر، ومن هنا استفحلت ظاهرة التنمر اللفظى على مواقع التواصل، وبات كل منا حكمًا وقاضيًا لا هم له سوى انتقاد الآخر والتهكم عليه، سواء على مظهره أو تصرفاته.

الوعى هو اللبنة الأساسية لتقدم الشعوب، وأولى ثوابت هذا الوعى احترام خصوصيات الآخرين، فنحن بحاجة أن «ينظر كل منا فى ورقته وليس فى أوراق الآخرين».

هناك أيضًا ثقافة الفهلوة، التى نشأت وترعرعت فى تربة ما سمى بالانفتاح الاقتصادى الذى صدق الكتاب والمفكر الراحل الكبير أحمد بهاء الدين فى وصفه بانفتاح «السداح مداح»، فهذه الثقافة خلقت نوعًا من «الفهلوة» التى غيرت معايير النجاح بل وسبل النجاح أيضًا، ولعل ما رصدته السينما المصرية فى حقبة السبعينيات غيض من فيض هذه السلوكيات الدخيلة على المجتمع، وعلينا الاعتراف بأن ثقافة الفهلوة لاتزال راسخة، وإن كانت بصور مختلفة، ولن تختفى إلا بتعزيز الوعى وترسيخ قيم العلم والتحضر.

من مظاهر التحضر والوعى أيضًا نظرة المجتمع للتعليم، وهى مشكلة معقدة لخصها عادل إمام فى مسرحية «السكرتير الفنى» بمقولته الشهيرة «بلد شهادات بصحيح»، فالعلم اختزل فى شهادة ليس أكثر ولا أقل، وهو ما لخصه الفنان الراحل سعيد صالح فى «مدرسة المشاغبين» بمقولة «العلم لا يُكيّل بالبدنجان».

استعارتى لبعض إفيهات الأعمال المسرحية والسينمائية لم أقصد بها سوى تبسيط المشكلة وسهولة وصولها للقارئ، وأيضًا قصدت منها إدراك القائمين على مثل هذه الأعمال الفنية لإشكالية ضياع قيم العلم كوسيلة للمعرفة وتحوله إلى محض شهادة تعلق على الجدران أو لقب يسبق اسم صاحبه.

ما ذكرته مجرد بعض الأمثلة التى تؤكد ضرورة مراجعة نظرتنا للحياة، وكذلك ضرورة استعادة الوعى المفقود، فثروة بشرية بحجم الشعب المصرى العظيم بلا وعى ستفقد الكثير، فى حين أن تسلحنا بالوعى سيحقق قفزات حضارية لم نعد نملك رفاهية التخلف عنها.