الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ): المرأة المصرية.. سيدة المنزل! "82"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



المرأة المصرية القديمة كانت سيدة فى بيتها، وكان لها لقب «نبت بر»، بمعنى سيدة البيت، وكانت علاقة الزوجة مع زوجها قائمة على الحب، وتم تصوير المرأة فى الرسم والنحت مع زوجها وبنفس حجمه.

 

وقد حكمت المرأة المصرية القديمة البلاد، وشاركت فى الدفاع عن الوطن، وكان للملكة تتى شرى، دور كبير فى تحرير مصر من احتلال الهكسوس على يد حفيدها الملك أحمس الأول، مما يوضح دور ملكات مصر فى الدفاع عن الوطن، كما ساهمت أمه الملكة إياح حتب الأولى فى تجهيز الفرق العسكرية، وكان لها دور كبير فى الدفاع عن العاصمة طيبة.

كانت الدولة المصرية القديمة مستقرة، والبيت ثابت الأركان، المرأة فيه هى سيدة المنزل أو ست البيت، والأم المصرية لها مكانتها فى بيتها وبين أولادها، فالبيت هو مملكتها، وفى القصص القرآنى عن مصر من خلال قصة النبيين يوسف وموسى عليهما السلام، تتضح معالم عن سيدة المنزل المصرية.

 قصة يوسف: 

انتهت قصة النبى يوسف بمجىء النبى يعقوب وأبنائه إلى مصر من البدو، وانتهت قصة النبى موسى بخروجه وبنى إسرائيل من مصر إلى البدو. 

فى البدو لا وجود لدور المرأة فى قصة يوسف، وأن يوسف له أخ شقيق، وله أخوة غير أشقاء: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلالٍ مُّبِينٍ) يوسف 8، أما أم النبى يوسف، فلم تظهر إلا عند مجيئها مع النبى يعقوب إلى لقاء النبى يوسف.

قال تعالى: (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ) يوسف 99-100، لا توجد سيدة منزل فى البدو حيث عاش يعقوب عليه السلام، ولا يوجد دور للمرأة. 

أما فى مصر فإن سيدة المنزل هى المسيطرة: (وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) يوسف 21، عزيز مصر يعهد بالطفل يوسف إلى زوجته ويوصيها به، دلالة على تحكمها فى البيت.

وكبر يوسف وأصبح شابًا وسيمًا، وأحبته امرأة العزيز: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف 23.

وقد نسب تعالى البيت لامرأة العزيز: (الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا)، هى التى تملك البيت وتدير البيت، وهى التى تملك غلق أبواب البيت، هى كل شىء فى البيت لأنها ست البيت. 

والمفاجأة لست البيت أن يرفضها يوسف، وهى التى تعودت فى بيتها أن تأمر فتطاع، وجاء الزوج، واتهمت يوسف ظلمًا، وتم التحقيق وظهرت براءة يوسف: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).

وفى قوله تعالى: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ)، يعنى أن زوجها هو سيدها رسميًا، ولكنه يملك ولا يحكم، أما فعليًا فهى السيدة وست البيت، لأنه مع ظهور إدانتها فلم يعاقبها سيدها، بل مجرد لوم لم يأتها من الزوج، بل من الشاهد الذى حكم فى القضية. ولأنها تملك وتحكم فقد تعاملت مع الشائعات التى انتشرت عنها، بأن أحضرت سيدات المجتمع، وأمرت يوسف أن يخرج عليهن، فانبهرن به، وأعلنت أمامهن عزمها على إقامة علاقة معه، ورفض يوسف، وتمت معاقبته بالسجن لأنه تمسك بعفته.

  امرأة العزيز هى التى أعلنت براءة يوسف أمام الملك: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ) يوسف 51 - 53.  قصة موسى: 

ما حدث للرضيع موسى بعد ولادته لم يأت كلام عن الأب، وبعد ذلك بعشرات السنين قال النبى هارون لأخيه النبى موسى حين غضب: (يَا ابْنَ أُمَّ)، ولم يقل يا ابن أبى: (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) طه 92-94.

المرأة هى صاحبة الرأى فى بدايات قصة موسى، من أم موسى وأخته وامرأة الفرعون والمراضع، ثم ذهب إلى مدين وقابل فتاتين، وتزوج إحداهن ورجع بها إلى مصر: (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) طه 38-40.

قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلا تَخَافِى وَلا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) القصص 7-13. 

أخت موسى قالت لمن فى القصر الفرعونى: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)، أهل البيت هى أم موسى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ)، ثم نموذج المرأة العاملة لأن الأب شيخ كبير: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ).  والسيدة المصرية التى أنقذت موسى، وآمنت بعد ذلك بالله، هى الملكة المصرية زوجة الفرعون المستبد، أنقذت الطفل موسى حين قالت لزوجها: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا).

هذه السيدة المصرية جعلها تعالى مع السيدة مريم نموذجين للمؤمنين والمؤمنات فى كل زمان ومكان: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) التحريم 11-12. 

مع أن الطفلة مريم عاشت فى بيئة تقية: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) آل عمران 37. أما الملكة المصرية زوجة الفرعون فكانت فى قصر الفرعون تتمتع بسلطان هائل والضلال يحيط بها وتتنفسه ويغريها على أن تتسلط وأن تظلم، والإرهاب الفرعونى يطارد المؤمنين، ومع هذا آمنت برغم كل ما يحيط بها.

ولأنها سيدة المنزل، ولأن بيتها فى حياتها الدنيا يزعجها فيه وجود فرعون، فقد دعت الله أن يجعل لها بيتًا فى الجنة بعيدًا عن فرعون: (رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ) التحريم 11. 

عندما جاء المؤرخ اليونانى هيرودوت إلى مصر، فى القرن الخامس قبل الميلاد، وصف المرأة المصرية بأنها «ست أن بر»، بمعنى ست البيت، لاهتمامها بجمالها والعناية ببيتها واهتمامها بالنظافة، وأنها تهتم برعاية أطفالها، وتهتم بملابسها التى تنسجها من الكتان، مع وضع أوانى الزهور والأغطية النظيفة على المناضد.

ووجد البنات يتلقين دروسًا فى آداب السلوك وتدبير المنزل ورعاية الأطفال، هذه هى المرأة المصرية ودورها الفعال فى بناء حضارة مصر، ولذلك تستحق المرأة المصرية وصفها بست البيت، وهو الوصف الذى ما زالت تحتفظ به حتى الآن.