الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

البنتاجون زاد سرًا مساعداته العسكرية لإسرائيل هل يطيح طوفان الأقصى بصفقات أسلحة إسرائيل؟

كشفت وكالة بلومبرج الأمريكية استنادًا لقائمة داخلية فى وزارة الدفاع الأمريكية أن البنتاجون زاد سرًا من مساعداته العسكرية لإسرائيل لتشمل مزيدًا من الصواريخ الموجهة بالليزر لأسطول طائرات أباتشى الحربية، وقذائف عيار 155 ملم، وأجهزة رؤية ليلية وذخائر خارقة للتحصينات، ومركبات عسكرية جديدة. 



 

ويأتى تزويد إسرائيل بتلك الأسلحة يتجاوز صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية المعلن عنها والقنابل الذكية التى تنتجها شركة بوينج وهو مستمر حتى مع تحذير مسئولى إدارة بايدن لإسرائيل من إيقاع إصابات بين المدنيين فى قطاع غزة. وهذه الأسلحة التى تطلبها إسرائيل خلال حربها على غزة مدرجة فى وثيقة تحمل عنوان طلبات الزعيم الإسرائيلى الكبير (Israel Senior Leader) ويعود تاريخها إلى أواخر أكتوبر الماضى ويجرى تداولها فى البنتاجون ويجرى بالفعل شحن الأسلحة وتعمل وزارة الدفاع على توفيرها من مخزوناتها فى الولايات المتحدة وأوروبا وفقا للوثيقة التى راجعتها بلومبرج نيوز. 

 

وعلى سبيل المثال، اعتبارًا من أواخر أكتوبر الماضى تم تسليم الـ 36 ألف قذيفة مدفع عيار 30 ملم و1800 من الذخائر الخارقة للتحصينات M141 المطلوبة وما لا يقل عن 3500 جهاز رؤية ليلية، وفقًا للقائمة. ورفض متحدث باسم البنتاجون مناقشة التفاصيل، لكن وزارة الدفاع قالت فى بيان إنها تستفيد من عدة سبل من المخزونات الداخلية إلى قنوات الإنتاج الأمريكية لضمان حصول إسرائيل على وسائل للدفاع عن نفسها. كما جاء فى البيان أن هذه المساعدة الأمنية لا تزال تصل بشكل شبه يومى، وقال إن الولايات المتحدة تعمل على توفير ذخائر دقيقة التوجيه وقنابل صغيرة القطر وقذائف مدفعية عيار 155 ملم وذخائر أخرى بسرعة، هذا إلى جانب صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية ومعدات الدعم الطبى. كما تشمل ذخيرة المروحيات الحربية من طراز AH-64 أباتشى حوالى 2000 صاروخ هيلفاير موجه بالليزر من إنتاج شركة لوكهيد مارتن، ونقلت إسرائيل بعضها إلى قواتها بينما تعمل فرق الجيش الأمريكى على توفير إمدادات من المخزونات فى ألمانيا وكوريا الجنوبية، وفقا للوثيقة. كما تتضمن أيضا أكثر من 36 ألف طلقة من عيار 30 ملم لمدافع الأباتشى وهى من صنع شركة بوينج وتستخدمها إسرائيل منذ سنوات. ويستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلى مروحيات الأباتشى لدعم القوات الإسرائيلية فى اشتباكها بمقاتلى حماس، وذلك باستخدام مدافعها الآلية من عيار 30 ملم ضد المقاتلين المحاصرين فى العراء وصواريخ هيلفاير ضد المركبات ومواقع القتال أو الأنفاق التى تستخدمها حماس، وفقا لما قاله مايكل آيزنشتات مدير البرامج العسكرية والأمنية فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فى رسالة بالبريد الإلكترونى. وأضاف: ربما يستخدمون أيضا صواريخ هيلفاير فى استهداف كبار القادة حين تتاح الفرصة.

 

وعلى جانب آخر، طلبت إسرائيل أيضا أكثر من 57 ألف قذيفة مدفعية شديدة الانفجار عيار 155 ملم و20 ألف بندقية M4A1 وحوالى 5 آلاف جهاز رؤية ليلية من طراز PVS-14 و3 آلاف ذخيرة محمولة باليد من طراز M141 خارقة للتحصينات توفرها القيادة المركزية الأمريكية و400 مدفع هاون عيار 120 ملم و75 من المركبات التكتيكية الخفيفة المشتركة الجديدة JLTV التى تحل محل مركبات الهامر،و تبرعت الولايات المتحدة أيضا بمخزونها من 312 صاروخا إعتراضيا من طراز تامير بينما ينقل صاروخ القبة الحديدية إلى إسرائيل عن طريق البحر. وتشمل شحنات الأسلحة رحلة عكسية لقذائف عيار 155 ملم، إذ أرسلت الـ 57 ألف قذيفة من المخزونات الأمريكية فى إسرائيل إلى مواقع القيادة الأمريكية الأوروبية لتجديد مخزون الذخائر التى أرسلت إلى أوكرانيا فى معركتها مع الغزو الروسى. والآن تعاد هذه الذخائر إلى إسرائيل لاستخدامها فى الحرب على غزة، وفقاَ لما ذكره أحد مساعدى الكونجرس ومسئولون أمريكيون.

 

وطلبت إسرائيل أيضا 200 طائرة مسيرة خارقة للدروع من طراز Switchblade 600 من إنتاج شركة AeroVironment Inc. وتشترى أوكرانيا هذه المسيرات من الشركة مباشرة. ولا يملك الجيش الأمريكى أى طائرات سويتشبليد فى مخزونه، ولا يعرف إن كانت شركة AeroVironment تملك هذه المسيرات فى مخزونها أم أنها ستحتاج إلى إنتاجها، بينما رفض متحدث باسم AeroVironment التعليق وفقا لبلومبرج. وبإمكان الولايات المتحدة توجيه مِنَح التمويل العسكرى الأجنبى للشراء من خلال المبيعات العسكرية الأجنبية، وفقا لمسئول مطلع، وكان موقع DefenseScoop، المتخصص فى تكنولوچيا الدفاع ومقره واشنطن كشف عن طلب مسيرات سويتشبليد 600 فى وقت سابق. 

 

وعلى جانب آخر هناك سؤال يطرح نفسه وهو هل يطيح طوفان الأقصى بصفقات أسلحة إسرائيل؟ فقد أصدر معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام «سيبيرى» فى ديسمبر الجارى قائمته الجديدة لأفضل 100 شركة لإنتاج الأسلحة وتقديم الخدمات العسكرية فى العالم وورد فى القائمة 3 شركات إسرائيلية، واحتلت شركة «إلبيت سيستمز» المركز 24، وشركة الصناعات الجوية المركز 35، بينما حازت شركة رفائيل المركز 42، أى أن الشركات الثلاثة جاءت ضمن أبرز 50 شركة عالميا.

 

كذلك كشف تقرير آخر للمعهد أن إسرائيل احتلت المركز العاشر ضمن قائمة أكبر مصدرى الأسلحة خلال الفترة الممتدة من عام 2018 إلى 2022، بنسبة 2.3 % من إجمالى مبيعات الأسلحة عالميا، وجاءت الهند فى مقدمة مستوردى الأسلحة الإسرائيلية بنسبة 37 %، وتلتها أذربيجان بنسبة 9.1 % وهو ما يوضح وجود إسرائيل ضمن مركز متقدم فى شبكة تجارة الأسلحة العالمية بعد الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

 

وقد حدث هذا التحول بعدما اعتمدت إسرائيل خلال أول عقدين من تأسيسها على التسليح من فرنسا التى كانت ترغب آنذاك فى بناء توازن إقليمى مع مصر ردا على دعمها للنضال الجزائرى ضد الاحتلال الفرنسى ومع تراجع هذا التقارب المصلحى فرض الرئيس الفرنسى شارل ديجول حظرا على مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل فى عام 1967. وعقب ذلك وجهت تل أبيب %46 من إجمالى استثماراتها المخصصة للبحث والتطوير إلى قطاع صناعة الأسلحة المحلى بهدف تلبية احتياجات جيشها والتقليل من الاعتماد على مصادر التسليح الأجنبية التى ترتبط بقيود سياسية، فضلا عن السعى لتحقيق أهداف جانبية مثل تحفيز النمو الاقتصادى وتطوير الابتكار التكنولوچى لاستخدامه فى القطاع المدنى وإيجاد فرص عمل للعلماء والمهندسين الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول الصناعية الغربية.

 

ومع بدء تقديم الولايات المتحدة لمساعدات عسكرية لإسرائيل منذ عام 1973 حدثت طفرة فى قطاع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، حيث سمحت واشنطن لإسرائيل بتحويل جزء من المساعدات إلى الشيكل بهدف شراء الأسلحة من الشركات الإسرائيلية، مما زاد من حجم الطلب المحلى. ونظرا لأن جدوى الإنتاج تعتمد على توفير الحجم، ولأن شركات الأسلحة الإسرائيلية تخدم سوقا محليا صغيرا مقارنة بنظيرتها فى الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتى والدول الغربية، فقد بحثت إسرائيل عن أسواق خارجية تتيح التوسع فى التصدير مما يسمح بإنتاج الأسلحة بسعر اقتصادى. وقد عمل ضباط متقاعدون من الجيش والاستخبارات على تأسيس شركات خاصة والترويج لصادرات الأسلحة الإسرائيلية فى الخارج وخاصة لدول أمريكا اللاتينية التى استحوذت بحلول عام 1980 على 60 % من صادرات الأسلحة الإسرائيلية.

 

ثم دخلت الهند على الخط مع تنامى العلاقات بين البلدين وصولا لتدشين علاقات رسمية بينهما فى عام 1992، وكذلك أذربيجان التى استقلت بعد تفكك الاتحاد السوڤيتى واحتاجت لأسلحة نوعية بشكل سريع فى ظل حروبها المتكررة مع أرمينيا،وبالتالى انتقل توجه صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى قارة آسيا.

 

ثم حدثت قفزة أخرى مع بدء تحديد واشنطن منذ عام 1999 حجم مساعداتها السنوية لإسرائيل مسبقًا ضمن مذكرة تفاهم مدة كل منها 10 سنوات وتتجدد دوريا مما أتاح للجيش الإسرائيلى وضع خطط طويلة المدى للتسلح، ليكفل للشركات الإسرائيلية تمويلا مستقرا لبرامج تصنيع الأسلحة.

 

وبحلول عام 2014 أصبحت إسرائيل أكبر مصدر للطائرات المسيرة فى العالم بحصة من السوق العالمى بلغت آنذاك 60 %، كما أصبحت من الدول الرائدة فى مجال الأسلحة الدقيقة، والحرب الإلكترونية، وأنظمة القيادة والسيطرة، وأنظمة المراقبة والاستطلاع، بالإضافة إلى تصنيعها دبابات ميركاڤا، والمركبات القتالية المدرعة من طراز نمر، وأنظمة الدفاع الجوى والصاروخى مثل القبة الحديدية ومقلاع داود والسهم.أما عن حجم شركات الأسلحة الإسرائيلية، توجد فى إسرائيل حاليا وفق كتاب صناعة الدفاع الإسرائيلية والمساعدات الأمنية الأمريكية الصادر عن معهد الدراسات القومى الإسرائيلى فى عام 2020 حوالى 600 شركة تعمل فى منظومة إنتاج الأسلحة، ويعمل بها أكثر من 45 ألف شخص، بمتوسط مبيعات يبلغ سنويا 10 مليار دولار، وتصدر 70 % من إنتاجها للخارج، وهو رقم ضخم عند مقارنته بنظيرتها الأمريكية التى تصدر حوالى 24 % من إنتاجها، ونظيرتها الروسية التى تصدر 55 % من إجمالى مبيعاتها. ونظرا لأن شركات الأسلحة الإسرائيلية الكبيرة مملوكة بالكامل أو جزئيا للحكومة مثل شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية وشركة رافائيل لأنظمة الأسلحة المتقدمة، فقد ساعدت تلك الشركات تل أبيب فى بناء علاقات دولية أكثر اتساعا، فبيع الأسلحة لا يقتصر على تسليم العتاد، إنما يفتح الباب لعلاقات وطيدة بين البائع والمشترى فيما يتعلق بعمليات التدريب على التشغيل والصيانة والإمداد بقطع الغيار.

 

وبما أن قدرة الدول على تصدير الأسلحة ترتبط بإثبات تلك الأسلحة لفاعليتها الميدانية فى حال تجربتها فى عمليات قتالية حقيقية،وبالتالى فإن صادرات الأسلحة الإسرائيلية تعتمد على سمعة وأداء الجيش الإسرائيلى وهو ما دفع ألمانيا بعد اندلاع حرب أوكرانيا إلى طلب شراء منظومة أرو-3 للدفاع الصاروخى من تل أبيب فى ظل نجاح أنظمة الدفاع الصاروخى الإسرائيلية فى التصدى لنسبة كبيرة من الصواريخ المنطلقة تجاه إسرائيل. ووقع وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت على الصفقة بقيمة 3.5 مليارات دولار خلال زيارته للعاصمة برلين فى سبتمبر الماضى أى قبل إندلاع طوفان الأقصى.

 

وفى ظل انهيار خط الدفاع الإسرائيلى مع قطاع غزة يوم نفذت كتائب القسام عملية طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر وفشل أنظمة المراقبة والحماية فى منع اقتحام الجدار العازل وتعرض دبابة الميركاڤا فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية للتدمير والإعطاب بقواذف محلية الصنع خلال العملية البرية، وتلقى العربة المدرعة نمر التى يبلغ ثمنها نحو 3 ملايين دولار ضربة موجعة بعد تدمير إحداها بصاروخ كورنيت ليقتل جميع ركابها. ورغم سمعتها بأنها توفر الحماية لركابها ضد الصواريخ المضادة للدبابات بواسطة نظام حماية نشط، بالإضافة إلى تدريعها القوى، فقد أضر بصورة تلك النوعية من الأسلحة ويشكك فى مدى فاعليتها.

 

وبدأت تداعيات هذا مبكرا، ووفقا لموقع أنتليچنس أونلاين، فقد شرعت كوريا الجنوبية فى مراجعة مدى فاعلية نظام المراقبة والحماية الذى اشترته من شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية لرصد المنطقة العازلة مع كوريا الشمالية، وذلك بعد فشله فى حماية الجدار العازل مع غزة، وذلك فى ظل التخوف من شن كوريا الشمالية لهجوم شبيه يعطل فعالية النظام. كما لجأت تل أبيب إلى وقف جميع مبيعات المعدات العسكرية والأمنية والخدمات المرتبطة بها إلى كولومبيا بعد تصريح الرئيس الكولومبى جوستاڤو بيترو بأن الإرهاب يقتل أطفالاً أبرياء فى فلسطين، حيث تشترى كولومبيا طائرات مسيرة وتقنيات مراقبة وتجسس إلكترونى من إسرائيل، ونظرًا لأن مبيعات الأسلحة تنفذ وفق عقود يستغرق الاتفاق عليها وتنفيذها عدة سنوات، فإن انعكاسات أداء الأسلحة الإسرائيلية فى غزة على المبيعات يرجح أن تظهر تباعا خلال الأعوام القادمة، وبالتحديد مبيعات الأسلحة التى يثبت إخفاقها وفشلها فى تحقيق الميزات المروجة عنها مثل مدرعة نمر ودبابة الميركاڤا فضلا عن أنظمة المراقبة الإسرائيلية.