الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قرارات طارئة فى حرب غزة «لن أستسلم».. «جوتيريش» يقف بوجه إسرائيل

يكاد يكون الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الوحيد بين الأمناء العامين فى تاريخ المنظمة الدولية، الذى تجرأ على تحدى إسرائيل وفضح انتهاكاتها، بلا مواربة ولا مجاملة.



وقد شكلت تصريحاته، منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، صدمة للغرور الإسرائيلى، فحين قال إن «هجوم حماس لم يأتِ من فراغ»، وإن «الشعب الفلسطينى يتعرض لاحتلال خانق منذ أكثر من 56 عامًا»، بدا وكأنه يبرر هجوم السابع من أكتوبر، ويعتبره نتيجة وليس فعلًا، أما حين رفض أن يكون «هناك طرف فى صراع مسلح فوق القانون الإنسانى»، فبدا وكأنه ينتقد العنف الدموى الذى تمارسه إسرائيل ضد سكان غزة، دفاعًا عن النفس؛ الحق الذى وهبه الغرب لإسرائيل حصرًا، مما دفع بالدبلوماسية الإسرائيلية إلى المطالبة بإقالته واعتباره غير مؤهل لقيادة الأمم المتحدة.

ومن موقعه كأمين عام للأمم المتحدة أدان جوتيريش عملية 7 أكتوبر، لكن هذه الإدانة لم توقف الحملة الإسرائيلية عليه، ذاك أن المطلوب من مسئول دولى بحسب تل أبيب تغطية الإبادة، وكل شيء أقل من ذلك يعتبر تواطؤًا عليها.

ونظرًا لحجم الخسائر فى الأرواح البشرية فى غزة وإسرائيل- فى غضون فترة وجيزة، أرسل الأمين العام للأمم المتحدة خطابًا إلى رئيس مجلس الأمن يفعل فيه- للمرة الأولى- المادة التاسعة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة. وقال الأمين العام أنطونيو جوتيريش على موقع X (تويتر سابقاً): «فى مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنسانى فى غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة فى تجنب وقوع كارثة إنسانية وأناشد إعلان وقف إنسانى لإطلاق النار».

تعهد «الأمين العام للأمم المتحدة بمواصلة السعى لوقف إطلاق النار فى غزة رغم الفيتو الأمريكى»، وجاء تعهد جوتيريش فى خطابه فى منتدى الدوحة فى قطر، الذى لم ينتقد فيه الولايات المتحدة بشكل مباشر، لكنه قال إن مجلس الأمن «مشلول بسبب الانقسامات الجيواستراتيجية»، مضيفًا أن المؤسسات العالمية «ضعيفة وعفا عليها الزمن، ولاتزال عالقة فى فترة زمنية مضى عليها 80 عامًا».

وأوضح جوتيريش سبب استخدامه للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، فقال «حثثت مجلس الأمن على الضغط من أجل تجنب وقوع كارثة إنسانية. للأسف، فشل مجلس الأمن فى القيام بذلك، لكن، لن أستسلم».

فى قرارة نفسه، يدرك جوتيريش أن خطوته لن تكتمل، لأن المادة 99 تملك سلطة تحذيرية وليست إلزامية، لكن، يبدو أنه أراد أن ينبه إسرائيل وصديقاتها الغربيات، إلى أن الحروب المقبلة سوف تبدأ من حيث انتهت حرب غزة، ما يبشر بزمن غير مسبوق من الوحشية، وربما أراد أن يُنهى رئاسته للمنظمة الأممية بموقف لا ينساه التاريخ، فقلة قليلة من أسلافه، وربما لا أحد منهم، جاهر باعتراضه على سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، أو الوقوف بوجه الدول المتحكمة بقرارات المنظمة.

 هجوم مستمر

لم يترك جوتيريش على مدى أكثر من شهرين جهدًا إنسانيًا إلا وبذله، من أجل وقف المجزرة المستمرة فى غزة، ويحاول وحده من بين كل قادة مؤسسات المجتمع الدولى، أن ينتزع قرارًا بحماية المدنيين، علاوة على مطلبه المتكرر بوقف إطلاق النار، الأمر الذى تعده إسرائيل عملًا عدائيًا ضدها، لذلك تشن عليه حربًا شعواء، تبدأ من اعتباره «خطرًا على السلم العالمي»، ولا تنتهى بنعته بـ«الانحراف». 

وتكرر هجوم المسئولين الإسرائيليين على جوتيريش، ومساعيهم فى كيفية إسكات صوته؛ لأنه أصبح يمثل إزعاجًا، بل دون مبالغة عقبة أمام مواصلة ارتكاب جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى داخل وخارج غزة. فهو بمنصبه أمينًا عامًا للمنظمة الدولية بمثابة صوت الضمير العالمى. 

مواقفه لا تزعج إسرائيل فحسب بل بعض الدول الغربية التى كانت تدعم مواقف الأمين العام للأمم المتحدة فى أزمة حرب روسيا وأوكرانيا بإدانته للغزو الروسى، استنادًا إلى قواعد القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، والآن فى مواقفه الناقدة، مجرد الناقدة لإسرائيل فى ممارساتها ضد الشعب الفلسطينى، وانتهاكها للقانون الدولى الإنسانى والعقوبات الجماعية التى تفرضها على المدنيين، خلافًا لاتفاقيات جنيف الأربعة، أصبح شخصًا غير مرغوب فيه فى المنظمة الدولية، وهذا على الأقل هو الموقف الصريح للقادة الإسرائيليين ضد جوتيريش.

هذه الحملة الإسرائيلية زادته صلابة وشجاعة ليخطو خطوة مفاجئة ونادرة فى 6 ديسمبر حين وجه رسالة رسمية غير مسبوقة إلى مجلس الأمن بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، محذرًا من مخاطرها على مستوى العالم، كما حذر من أن النظام العام يوشك أن ينهار بالكامل.

وقال جوتيريش فى رسالته، إن الحرب فى غزة «قد تؤدى إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين»، واعتمد الأمين العام فى رسالته على المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة التى هى واحدة من خمس مواد من الفصل الخامس الذى خصصته للأمانة العامة للمنظمة، وحددت فيه مهام الأمين العام، حيث تنص على أنه «يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أى مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين».

وتأكيدًا لدواعى تفادى هذه المخاطر أشار الأمين العام فى رسالته إلى المعاناة الإنسانية المروعة والدمار المادى، والصدمة الجماعية فى شتى أرجاء إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة؛ بسبب القتال المتواصل لأكثر من ثمانية أسابيع، ونبه الأمين العام إلى الخطر الجسيم الذى يتمثل فى انهيار المنظومة الإنسانية.. بما تنطوى عليه من تبعات لا سبيل إلى إزالتها وتغيير مسارها بعيدًا عن الفلسطينيين والسلام والأمن فى المنطقة. ويجب تفادى هذه النتيجة بأى ثمن.

وقال إن «على عاتق المجتمع الدولى مسئولية استخدام كل ما فى وسعه من نفوذ.. لوضع حد لهذه الأزمة»، وحث أعضاء مجلس الأمن على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية، مجددًا مناشدته «للإعلان عن وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية».