الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قاوم الأديب بقلمه فدفع حياته ثمن قضيته «أرض البرتقال الحزين» الرواية التى تجسد آلام نزوح الفلسطينيين من أرضهم

لم يكن إبراهيم نصر الله المقاوم الوحيد الذى استخدم قلمه كأداة فى مقاومته ضد الاحتلال، وذلك على الرغم من غزارة مقاومته والتى خلَّفت لنا العديد من الروايات الأدبية والتى سجلها التاريخ كأفضل روايات نقلت لنا واقع فلسطين المرير ومدى الظلم الذى يرضخ تحته هذا الشعب الأبى الذى يرفض الاستسلام عبر سنين عديدة، قاسى فيها المرار والتشتت واللجوء والنزوح فى محاولة لتفريغ الأرض، إلا أنه لا يزال حتى هذه اللحظة يعيش حياة المقاومة بكل الوسائل التى تطالها يده.



والكتَّاب والأدباء الفلسطينيون هم جزء لا يتجزأ من تلك المقاومة؛ بل هناك منهم من سُكبت دماؤهم فى سبيل الدفاع عن قضيتهم ومنهم من ظل يكتب حتى آخر دقيقة فى حياته، ومنهم كاتبنا فى هذه الحلقة من الباب الاستثنائى «مقاومة قلم» وهو الكاتب والأديب «غسان كنفانى» والذى يعد أحد أشهر الكتَّاب والصحفيين العرب فى عصرنا حيث كانت أعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة متجذرة فى عمق الثقافة العربية والفلسطينية، ومصدر وحيٍ لجيلٍ كامل فى حياته وبعد استشهاده بالكلمة والفعل.

ولد «كنفانى» فى عكا، شمال فلسطين، فى التاسع من أبريل 1936، وعاش فى يافا حتى مايو 1948 حين أجبر، بسبب الحرب على مغادرة وطنه الأم واللجوء مع عائلته فى بادئ الأمر إلى لبنان، ثم إلى سوريا.

عاش «كنفانى»  وعمل فى دمشق ثم فى الكويت، وبعد ذلك فى بيروت منذ سنة 1960 وفى الثامن من يوليو 1972 استُشهد فى بيروت مع ابنة أخته لميس فى انفجار سيارة مفخخة على أيدى عملاء إسرائيليين، وكان قد أصدر غسان حتى تاريخ وفاته المبكر ثمانية عشر كتابًا، وكتب مئات المقالات فى الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطينى.

فى أعقاب اغتياله تمّ إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية، فى طبعات عديدة، كذلك جمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت فى مجلدات، وترجم العديد من أعماله الأدبية إلى عشرين لغة.

كما دخلت بعض أعماله فى مناهج المدارس والجامعات، وتمّ إخراج بعضها أعمالًا مسرحية وبرامج إذاعية عربية وأجنبية عدة، واثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين. وما زالت أعماله التى كتبها فى الفترة 1956-1972 تحظى اليوم بأهمية متزايدة.

وكان من أبرز الروايات التى تركها «كنفانى» رواية «أرض البرتقال الحزين» الذى جسد من خلالها معاناته الشخصية فى إسقاط واضح على عائلة على وأخته دلال وأبوعلى وأبوعثمان وناديا معروف الذين أجبرهم الاحتلال على ترك وطنهم والعيش فى الملاجئ حيث جسدت الرواية معاناة الشعب الفلسطينى أثناء تهجيرهم من أراضيهم، وذلك من خلال مجموعة قصصية ترسم الأشكال المتعددة لمأساة الفلسطينيين فى قصصها المختلفة، مثل سرده للمأساة اليومية التى يعيشها اللاجئ فى قصة «أبعد من الحدود»، وتحدثه عن فلسطين التى وصفها بالذاكرة المكسورة فى قصة «الأفق وراء البوابة».

كما قدّم أبعادًا مختلفة للقضية الفلسطينية وبشكل خاص آلام «اللاجئ الفلسطينى» فى الرحيل والمعاناة التى رافقته فى المخيمات.

ويبدأ «كنفانى» أحداث روايته التى تدور بين عكا وحيفا ولبنان بخروج الفلسطينيين من مدينة يافا إلى مدينة عكا، حيث دار هجوم كبير فى مدينة عكا بين اليهود والفلسطينيين وبدأت الحرب بينهما عندما كانت هناك سيارة تقف أمام بيت فلسطينى حزمت العائلة أمتعتها وابتعدت عن عكا التى بدأت معالمها بالاختفاء بعد نشوب الحرب.

جسدت الرواية معاناة الشعب الفلسطينى أثناء تهجيرهم من أراضيهم، وفى أثناء خروج العائلة من بيتهم مروا ببيارات البرتقال المتواجدة على الطريق مرورًا بمنطقة الناقورة، حيث جلس رجل على حافة طريق يبيع البرتقال، وبدأوا بشراء البرتقال منه والبكاء على الحال الفلسطيني، فقد كان البرتقال عزيزًا على قلوب الفلسطينيين، بالإضافة إلى أشجار الزيتون.

يتحدث «كنفانى» عن صمود الشعب الفلسطينى وعن القهر والظلم الذى تعرضوا له، واصفًا نزوح الفلسطينيين إلى المخيمات فى البلدان المختلفة والحال الذى عاشه الفلسطينى والظلم الذى تعرض له، وكيف أنَّ السنوات تمر ببطء وألم، وعن الشهداء الذين ضحوا بدمائهم فى سبيل الحفاظ على وطنهم.

كما يروى عن الدماء التى سالت دفاعًا عن فلسطين وروت أراضى البرتقال المزروعة فى فلسطين، والتى جعلت طعمه مختلفًا عن أى برتقال مزروع فى أى بلد آخر، حيث يكون فيه طعم المرار والدم مصورًا هذه الأشجار حزينة مبتلة بدماء الشهداء، ويقول غسان كنفانى «صبرًا فإنَّ الصبر درس يعلمنا إياه البرتقال الذى امتص جميع هذا الحزن والدماء».

وتتحدث الرواية عن الدماء الفلسطينية التى ظلت تنزف لتروى بدمائها شجيرات البرتقال لينمو البرتقال ويتحدث عن تضحيات الشعب الفلسطينى وعن التهجير والخذلان الذى عاشه، لتصف أشجار البرتقال الغربة والفقر والجوع والصمود لنيل واسترجاع ما هو حق لجميع الفلسطينيين. تنمو أشجار البرتقال بين الأراضى الفلسطينية المنتشرة فى جميع أرجاء فلسطين، ولا يستطيع الاحتلال الإسرائيلى أن يتذوق طعم هذا البرتقال، لأن طعمه مميز عن باقى ثمار البرتقال فى العالم فطعمه مر كمرارة الأيام التى ذاقها الفلسطينى وهو بعيد عن وطنه ومر لأنه سقى بدماء الشهداء النقية الطاهرة التى لا يستطيع الاحتلال الإسرائيلى تذوقها ولا قدرة لديه على امتلاك أشجار البرتقال.

لقد حاول غسان كنفانى فى روايته «أرض البرتقال الحزين» أن ينقل للقارئ صورة المواطن داخل وطنه وهو يواجه المحتل فى سبيل حماية أرضه، فلا يرضخ ولا يستسلم للقتل أو الاعتقال.

كانت رواية «أرض البرتقال الحزين» رواية استثنائية لأديب استثنائى وهو ما نتعرف عليه من نشأته، حيث وُلد الطفل غسان كنفانى فى التاسع من شهر أبريل لعام 1936م فى قرية عكا، خارج قريته الأم، حيث اعتادت العائلة قضاء العطلات والإجازات والأعياد فى مدينة عكا. ويُحكى أن والدته قد جاءها المخاض وولدته قبل أن تتمكن من الذهاب إلى بيتها أو إعداد الأمر للولادة.

وكان والد الطفل -والذى كان الابن الأكبر لعدد كبير من إخوته وأشقائه- كثير الدعم لابنائه وخاصةً غسان، وكان له عظيم الأثر فى تكوين شخصية غسان الذى أصبح فيما بعد أحد أعلام النضال الفلسطينى حتى وقتنا هذا.

التحق غسان فى بداية حياته بمدرسة الفرير التى كانت تقع فى مدينة يافا، وكان يدرس فيها اللغة الفرنسية علاوةً على بعض المواد الأساسية التى يدرسها غيره. وقد بقى الفتى فى هذه المدرسة لبضع سنوات حتى اضطرته الظروف إلى مغادرتها.

فقد كانت أسرته تسكن فى حى يُدعى حى المنشية، وقد كان هذا الحى ملاصقًا لتل أبيب. وقد شهد هذا الحى أوائل الاشتباكات والصراعات التى حدثت بين العرب والصهاينة على إثر قرار تقسيم فلسطين مما اضطر الأب إلى مغادرته هو وعائلته إلى مدينة عكا.

وقد ظلت العائلة فى هذه المدينة سنة واحدة ما بين 1947م وحتى 1948م إلى أن حدثت واقعة الهجوم الأول على مدينة عكا من قبل الصهاينة، مما اضطر الأهالى والأسر للمغادرة إلى خارج المدينة وظلوا على تل نابليون فى حين ذهب الرجال والمناضلون للدفاع عن أرضهم ومجابهة الصهاينة.

بعدما استقرت أوضاع الأسرة فى دمشق، وافتتح والده مكتبًا للمحاماة، بدأ غسان فى العمل إلى جانب دراسته. فقد قام بتصحيح بعض البروفات الخاصة ببعض الصحف، كما قام بالتحرير أحيانًا فى هذه الصحف.

وقد اهتم كنفانى فى ذلك الوقت أيضًا بكتابة الشعر والمسرحيات وبعض الخواطر الوجدانية التى كانت تجول فى خاطره، وكان ذلك بعد التحاقه ببرنامج فلسطين التابع للإذاعة السورية وبرنامج الطلبة التابع لنفس الإذاعة.

وعندما انتهى من دراسته الثانوية، عمل كنفانى فى التدريس فى مدارس اللاجئين وبخاصة مدرسة إليانس التى كانت تقع فى مدينة دمشق السورية.

وبعد انتهائه من المدرسة الثانوية، ونبوغه فى مادتى الأدب العربى والرسم، قرر غسان أن يبدأ مسيرته الأكاديمية بدراسة الأدب العربى فى جامعة دمشق. وقد كان جهده الطلابى والمجتمعى أثناء دراسته الجامعية كبيرًا وواضحًا.

وفى عام 1955م وعندما أتم الثامنة عشرة من عمره، رحل غسان إلى الكويت بعد رحيل شقيقة وشقيقته. وهناك، بدأ فى التدريس فى دائرة المعارف الكويتية. وقد اهتم فى ذلك الوقت بالقراءة بشكل كبير، حيث ذُكر عنه أنه كان لا ينام قبل أن يتم قراءة كتاب كامل.

وأثناء وجوده فى دولة الكويت، بدأ غسان كنفانى الكتابة فى صحف الكويت، وكان يختم كتاباته باسمه المستعار «أبو العز». وقد لفتت كتاباته الأنظار إليه لما كانت تتميز به من حدة فى الحق وقدرة على توصيف الواقع وانتقاده.

وفى أثناء وجوده فى الكويت أيضًا، صدرت عن كنفانى أول مجموعة قصصية تحمل اسم «كتاب القميص المسروق» والتى حصلت على جائزة أدبية فى إحدى المسابقات الأدبية التى كانت تُقام فى الكويت فى ذلك الوقت.

وقد كانت مدينة بيروت هى صاحبة النصيب الأكبر من نشاطات الكاتب الشاب غسان كنفانى فقد بدأ عمله هناك فى جريدة الحرية، حيث كان يعمل بها محررًا، كما كان يكتب أيضًا فى جريدة المحرر البيروتية مقالًا أسبوعيًا.