الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية 80 (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى): الأسيرات.. والأسرى فى الإسلام!

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



بدأ تبادل الأسرى والرهائن بين حركة حماس وإسرائيل مع بدء سريان الهدنة 24 نوفمبر 2023، كما تضمن الاتفاق قرار وقف شامل لإطلاق النار فى شمال وجنوب غزة لمدة 4 أيام.

وتضمن الاتفاق المتوصل إليه إفراج الحركة عن 50 رهينة من الذين احتجزتهم، خلال هجومها على إسرائيل فى 7 أكتوبر 2023، مقابل إطلاق سراح 150 معتقلاً فلسطينياً فى السجون الإسرائيلية.

وكان الاحتلال الإسرائيلى قد قام باعتقال الأسيرات الفلسطينيات فى سجن «الدامون»، وسط حالة من تصعيد الاحتلال من انتهاكاته بحق النساء الفلسطينيات، مع استخدام العقاب الجماعى بحق أمهات الشهداء والأسرى وزوجاتهم.

كما يستخدم الاحتلال الإسرائيلى جميع أساليب التنكيل والتعذيب بحق الأسيرات، مما يشكل سياسة من السياسات الثابتة والممنهجة التى يستخدمها بحق الأسرى عموماً، وذلك بدءاً من عمليات الاعتقال من المنازل، وحتى النقل إلى مراكز الاعتقال، والتحقيق، واحتجازهن لاحقاً فى السجون بما فيها من أدوات تعذيب مستحدثة.

ومن بين الأسيرات الطفلة نفوذ حماد 15 عاماً من القدس، ومن بينهن 11 أماً، وأقدمهن الأسيرة ميسون موسى من بيت لحم، معتقلة منذ يونيو 2015، كما توجد 17 أسيرة صدر بحقهن أحكام لفترات متفاوتة، أعلاها 16 عاما.

ظروف الأسيرات:

الأسيرات يواجهن ظروفًا صعبة فى سجن «الدامون» الإسرائيلى، منها وجود كاميرات فى ساحة الفورة، وارتفاع نسبة الرطوبة فى الغرف خلال فترة الشتاء، وتتعمد إدارة السجن قطع التيار الكهربائى المتكرر عليهنّ، والمماطلة فى تقديم العلاج اللازم لهن.

وتوجد 193 حالة اعتقال لنساء وفتيات منذ عام 2022، و1300 حالة اعتقال للنساء والفتيات منذ عام 2015، فيما اعتقل الاحتلال أكثر من 17 ألف امرأة فلسطينية منذ عام 1967.

 تشريع للأسرى:

نزلت سورة الأنفال وتعنى الغنائم لتضع تشريعاً عن الغنائم والأسرى، وقبلها وبعدها نزلت آيات رعاية ابن السبيل والأسير.

وجاء اللوم فى قوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) الأنفال 67 - 68، لا يجوز للنبى عندما يكون لديه أسرى فى حرب أن يطلق سراحهم بالمال أى بعرض دنيوى لكن المطلوب هو تأليف قلوبهم بالإحسان ابتغاء عرض الآخرة.

والكافر فى الجيش المعتدى الذى يستجير فيتعين تأمينه وتوصيله سالما إلى مأمنه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ) التوبة 6، بعد سماعه للقرآن حتى تكون الرسالة قد وصلته.

أما قوله تعالى لبنى إسرائيل: (ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة 85، هنا تحريم الاعتداء فيما بينهم، من قتل وطرد وأسر، وإفتداء للأسرى بالمال.

الأسير المعتدى قبل وقوعه فى الأسر كان يقاتل فى المعركة ضد الجيش الذى يقاتل ضده، وينتهى الأمر بالنسبة له بوقوعه فى الأسر، ويكون المنّ عليه أو الفداء بتبادل للأسرى، إن لم يكن هناك أسرى لمبادلته يجب المنّ عليه بإطلاق سراحه بلا مقابل.

لو ارتكب الأسير جريمة فى بلد مسلم قبل الحرب، وهرب إلى بلده ثم عاد يشارك فى الحرب ضد الدولة المسلمة ووقع أسيراً فسوف يعاقب بجريمته السابقة.

 سورة الأنفال:

بعد موقعة بدر ظهرت مشكلتان، التعامل مع الأسرى، وكيفية توزيع الغنائم، وجاءت سورة الأنفال وفيها النهى للمسلمين عن أن تكون الغنائم هى هدف القتال، لأن القتال هدفه الدفاع عن النفس ونشر الرسالة.

تبدأ السورة بقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) الأنفال 1.

ولذلك جاء الحديث عن الأسرى الذين اضطرهم المسلمون إلى دفع الفدية أموالاً، فنزل قوله تعالى يعاتب النبى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) الأنفال 67.

فالنبى لن يكون له الأسرى إلا بالحرب، ولكن دون أن يعتبرهم وسيلة للكسب، لكن المسلمين أرادوا المال بأخذ فدية من الأسرى مقابل إطلاق سراحهم، ويحذرهم تعالى أنه لولا عفو الله لعاقبهم أشد العقاب، ويأمر الله تعالى رسوله أن يقول للأسرى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِى أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم) الأنفال 70.

وذلك بأن الله تعالى سيعوضهم خيرًا عن المال الذى أرادوه، بل ويغفر تعالى لهم إن علم فى قلوبهم خيراً، فإذا أطلق النبى سراحهم فقابلوا المعروف بالعدوان، هنا يتكفل تعالى بالدفاع عن النبى والمؤمنين: (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الأنفال 71.

فالأسير يطلق سراحه مجانًا أو بالفدية بتبادل الأسرى أو تبادل المنافع: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فى بعض التفاسير أن الله تعالى عاتب النبى لأنه لم يقتل الأسرى ورضى أخذ الفدية منهم.

وهذا غير صحيح لوجود تشريعات فى فداء الأسرى، وعتاب الله للنبى والمؤمنين لأنهم أطلقوا سراح الأسرى مقابل المال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِى أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم).

 ابن السبيل:

إطلاق سراح الأسرى والتعامل معهم فى المعركة: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) محمد 4، فالأسير إما أن يتم إطلاق سراحه مجاناً، وإما بالفداء بتبادل للأسرى.

وبعد إطلاق سراحه يصبح ابن سبيل حتى يرحل إلى بلده، وله كل حقوق ابن السبيل المالية والإحسان: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) النساء 36.

ويجعل له تعالى حقاً فى الزكاة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة60.

وله حق فى الصدقة التطوعية: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة 2، وفى غنائم الحرب: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) الأنفال 41، وفى إيرادات بيت المال: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الحشر 7.

الأسير المفرج عنه هو ابن سبيل، وعلى المسلمين إكرامه وإطعامه من أفضل الطعام وبدون انتظار كلمة شكر منه: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا) الإنسان 8-9.

التشريعات الخاصة بالأسير توضح مبادئ الشريعة الإسلامية، من العدل والسلام والرحمة والإحسان وحفظ حقوق الإنسان فى الحياة والمال والعرض، بعيداً عن دينه وجنسه.

يكفى لإطلاق سراح الأسير المقاتل فى جيش العدو إذا استجار بالمسلمين وقت القتال، فيجب على المسلمين حمايته وحقن دمه وإسماعه آيات من القرآن، ثم توصيله إلى مأمنه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) التوبة 6.

الحرب فى التشريع الإسلامى هى للدفاع: (وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة 190، وأن الرد على الاعتداء يكون بمثله: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) البقرة 194.

يبقى أن السلام من أسماء الله تعالى، والإسلام هو دين السلام، وتحية الاسلام هى السلام عليكم، والمسلم فى التعامل مع البشر هو المسالم، والمؤمن هو المأمون الجانب.