الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولاً.. لا للتصفية  والتهجير والحصار..  هدنة غزة.. طريق الأشواك للسلام!

مصر أولاً.. لا للتصفية والتهجير والحصار.. هدنة غزة.. طريق الأشواك للسلام!

بعد انتصار 6 أكتوبر 73، لم يكن هناك أى اتصال دبلوماسى أو مفاوضات سياسية مباشرة بين مصر وإسرائيل. وهو ما تطلب وجود طرف ثالث ليقوم بدور وسيط السلام. وهو الدور الذى قامت به الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الرئيس جيمى كارتر، وما طرأ حينذاك من تغيير فى السياسة الخارجية الأمريكية باتباع منهج الحوار متعدد الأطراف للخروج من مأزق العلاقات الدبلوماسية الثنائية المقطوعة للوصول للحوار والتفاوض حول السلام فى الشرق الأوسط. والآن بعد مرور 50 سنة على بداية خطوات السلام، تقوم مصر بجهود مكثفة لتحقيق السلام الذى اختارته باقتدار فى وقت كان المناخ العام يدعو لدق طبول الحرب دون حساب نتائجها، ودون تدقيق لتداعيات سيناريوهاتها. ولذا، اعتمدت السياسة المصرية السلام خيارًا  لا بديل عنه أو مساومة عليه أو مقايضة به فى دفع الوصول لهدنة إنسانية فى غزة الآن.



 

جهود ثلاثية 

أولًا: نجاح الجهود المصرية المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية وقطر فى التوصل إلى هدنة إنسانية بقطاع غزة ليس مجرد نجاح من أجل محاولة مساعدة الشعب الفلسطينى ومساندته، ولكنه إنجاز فى الملف الفلسطينى الذى تتعامل معه مصر ليس فقط استنادًا  على خبراتها الواسعة لكل تفاصيله ورموزه ومحركيه ومنظريه لأكثر من 75 سنة، ولكن أيضًا  لخبراتها العملية الواسعة فى المفاوضات المصرية - الإسرائيلية من جهة، وفى المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من جهة أخرى، فضلًا  عن دورها فى المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية نفسها. والتى كانت دائمًا  تنحاز فيها للشعب الفلسطينى بعيدًا  عن خلافات الفصائل الفلسطينية وصراعاتها، وهو ما جعل مصر دائمًا  مصدر الثقة لكل أطراف الأزمة الفلسطينية. ثانيًا: نجاح الجهود المصرية لم يأت من فراغ؛ بل هو نتاج جهود ثلاثية مشتركة مصرية، وبمشاركة قطرية، وبالتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الضامن الذى يمتلك العديد من أدوات الضغط الدبلوماسية على إسرائيل للوصول لاتفاق الهدنة، ونجاح صفقة تبادل الأسرى. وهى جميعها نتيجة الجهود الدبلوماسية لجولات من المباحثات والمناقشات والاجتماعات التى استضافتها القاهرة لمسئولين من حركة حماس وإسرائيل بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 

موقف تاريخى ثابت

 

ثالثًا: نجاح الجهود المصرية هو نتيجة حقيقية لدور مصر الواضح والمعلن والمباشر، والذى يؤكد  موقف مصر التاريخى الذى يتلخص فى أنها ضد تصفية القضية الفلسطينية وضياعها، وضد التهجير القسرى لشعبها ورفض الفكرة تمامًا ، وضد الحصار عليهم.. للمزيد من الضغط للتخلى عن أراضيهم. ولا ينفصل ما سبق، عن الثوابت البديهية من أن مصر دولة ذات سيادة وقدرة على حماية حدودها وصونها ضد ما يمس الأمن القومى المصرى. وفى ظل الحفاظ على معاهدة كامب ديفيد المصرية - الإسرائيلية للسلام فى ظل علاقات ثنائية تحكمها القوانين الدولية ومحددات العلاقات الدولية.

 

رابعًا: نجاح الجهود المصرية فى الوصول إلى الهدنة الإنسانية.. سيسمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى فى جميع مناطق قطاع غزة بما فيها شمال القطاع بعد رفض إسرائيل طيلة الفترة الماضية لدخولها. وهو ما سيسمح بعودة الحياة التى قاربت على التوقف تماما خلال الفترة الماضية بتشغيل المخابز ومحطات الكهرباء ومحطات  مياه الشرب والمستشفيات بعد تدفق دخول الغاز والسولار.

حل الأسرى

 

خامسًا: نجاح الجهود المصرية.. سيُسهم فى نجاح صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل. وهى خطوات من شأنها تقلل من حدة التصعيد اليومى منذ 7 أكتوبر الماضى وإلى الآن. وربما يسمح ذلك باتفاقات وصفقات أخرى فى صالح الاستقرار ووقف معاناة الشعب الفلسطينى. ومع ملاحظة، أن تلك الهدنة هى أول مبادرة حقيقية لفك الاشتباك فى هذا الصراع الدامى لالتقاط الأنفاس، وفتح المجال لجميع الأطراف الدولية فى دعم طريق المفاوضات والاتفاقات. 

 

سادسًا: نجاح الجهود المصرية سيفتح النقاش والتفاوض حول أحد أهم ملفات الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، وهو ملف الأسرى الفلسطينيين الذين تشير التقديرات إلى أنهم تجاوزوا أكثر من 8000 أسير منهم النساء والأطفال.

 

 أثر قمة القاهرة للسلام

 

أعتقد أنه من المهم هنا إعادة التأكيد على الثوابت، والتى فى مقدمتها أنه لا يستطيع أحد أن يزايد على وضوح الموقف المصرى وثباته سواء على مستوى القيادة السياسية أو على المستوى الشعبى فى التفاعل مع القضية الفلسطينية ودعمها ومساندتها. ومثلما تبنت مصر قبل ذلك العديد من الحوارات والمفاوضات سواء بين الفصائل الفلسطينية وبعضها البعض، أو بين فلسطين وإسرائيل.. جاءت دعوة مصر لعقد قمة دولية موسعة «قمة القاهرة للسلام» فى 21 أكتوبر 2023 من منطلق مسئوليتها الإنسانية التى تقع على عاتقها تجاه أمن الشعب الفلسطينى ووحدته قبل أى شيء آخر. وهو ما جعل هناك استجابات دولية لحضور القمة ودعمها من رؤساء العديد من دول العالم.. بعد أن وصلت إلى نقطة الصفر بسبب التطورات السريعة. وأخيرًا ، وصلنا لنجاح الجهود المصرية لعقد الهدنة الإنسانية وتبادل الأسرى.. كإحدى نتائج قمة القاهرة للسلام.    

 

إن الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية - كما كتبت قبل ذلك - لم يتغير ولم يتراجع، ولا يزال يتم دعمه سياسيًا .. على المستوى الرئاسى والشعبى. ولذا كان الموقف من المطالبة المستمرة بتمرير المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.. باعتباره موقفًا  يسهم فى تحقيق السلام والاستقرار. ولا زلت أعتقد أنه يجب على طرفى النزاع.. التوقف عند مسارات الصراع العربى - الإسرائيلى التى امتدت سنوات طويلة. ومن المهم أيضًا  استدعاء تجربة معاهدة كامب ديفيد للسلام 1978. وما نتج عنها من تحقيق الاستقرار والأمن اللذين مهدا لفتح طريق التعايش والاندماج والبحث عن المصالح والاتفاقيات المشتركة بين مصر وإسرائيل. وهى التجربة التى طبقتها العديد من دول المنطقة العربية الآن.. رغم مقاطعتهم لمصر حينما تبنت السلام كخيار استراتيچى واختيار وطنى للحفاظ على الأمن القومى المصرى واستعادة كرامة الأرض وعزتها.

 سقف التوقعات

ما نمر به الآن هو أكثر تعقيدًا  مما يتصور البعض، فسقف المطالبات والتوقعات الفلسطينية قد انخفض تدريجيًا  مع كل دعوات مقاطعة السلام ومع كل فشل للمفاوضات. وما كان يمكن الارتكاز عليه قديمًا ، أصبح الآن تحت نطاق التمنيات صعبة المنال، وعلى سبيل المثال توصيات المبادرة العربية للسلام المنعقدة ببيروت فى 27 و28 مارس 2002، والتى أقرت قاعدة مرجعية تشترط منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة من خلال: إنشاء دولة فلسطين وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان لتحقيق اندماج حقيقى مع إسرائيل فى المنطقة العربية. وهى التوصيات التى أصبح غالبيتها الآن خارج نطاق التفاوض، بل وأصبحت خارج نطاق النقاش والتناول من الأصل. وقبل ذلك ضياع جميع المكتسبات التى رتب لها وخطط الرئيس أنور السادات ضمن اتفاقيتى ومعاهدة كامب ديفيد.

ما لا يدرك كله بعد كل ما سبق.. لا يترك كله. ولذا نرفض توطين الفلسطينيين فى سيناء. وهو حق وطنى لا جدال فيه أو نزاع أو اختلاف، ولأنه فى الوقت نفسه، تجاهل مقصود لفكرة أن تهجير الفلسطينيين.. سينهى تمامًا  حل الدولتين، وحينها لن تكون هناك دولة فلسطينية من الأصل. ولا  تزال مصر على موقفها من رفض مخططات تهجير الشعب الفلسطينى وتوطينه فى سيناء.. منذ تم طرحها مبكرًا  من سنوات طويلة وإلى الآن تحت مسميات متعددة سواء الشرق الأوسط الكبير أو الفوضى الخلاقة أو الأديان الإبراهيمية. وحذرت مصر من الفكرة الفاسدة السابقة لكونها تمثل تصفية للقضية الفلسطينية، وما صاحب ذلك من تنفيذ مخطط تهويد القدس بشكل ممنهج ومدروس، واستقطاع أرض جديدة وضمها للسيطرة الإسرائيلية، وبناء مستوطنات جديدة عليها. وهو ما يعنى نتيجة واحدة هى تصفية القضية الفلسطينية.  

 نقطة ومن أول السطر..

الصعب على أى نظام سياسى هو اتخاذ قرار الحرب، ولكن يظل الأصعب هو اختيار قرار السلام.. والاستمرار فيه والدفاع عنه والدعوة إليه والتمسك به فى ظل كل التحديات والعقبات. 

فى الحرب، الجميع يخسر.. المنتصر قبل المهزوم..