الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا): النساء.. والجهاد فى سبيل الله! "77"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

فى الجهاد تستطيع المرأة أن تتولى أمورًا كثيرة، لأن الجهاد ليس كله تواجدًا فى الخندق وإطلاق الرصاص، ومن الأمور رسم الخرائط وتحديد طرق النقل، والمساعدات التموينية والمعلومات الحربية وغيرها.

الأمور العسكرية الشاقة والصعبة قد لا تتصدى لها المرأة، لكنها لا تكون محرومة من المشاركة فى الجهاد، أو المشاركة فى الدفاع إذا كان البلد فى حالة حرب ومهددًا من قبل الأعداء. 

الدفاع لا يختص به الرجل وحده، أينما وجد دفاع فالمرأة مثل الرجل، تتواجد فى جميع الميادين الحربية وغير الحربية، ويجب أن تتعلم الفنون العسكرية حتى تكون مدافعة عند الشعور بالخطر، وتدفع خطر العدو إلى جانب الرجال.

وفى الروايات أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى، ومنهن محاربات: «قالت أم عمارة، رأيتنى، وانكشف الناس عن رسول الله، فما بقى إلا فى نفير ما يتمون عشرة، وأنا وابناى وزوجى بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآنى ولا ترس معى فرأى رجلاً مولياً ومعه ترس، فقال: ألق ترسك إلى من يقاتل، فألقاه، فأخذته، فجعلت أترس به عن رسول الله، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم، إن شاء الله، فيقبل رجل على فرس، فيضربنى، وترست له، فلم يصنع شيئاً، وولى، فأضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره».

فالجهاد يصح من المرأة فى حدود ما يلائم طبيعتها، ولا يجب عليها فى الحالات العادية، ويجب على المرأة الجهاد إذا هاجم العدو المسلمين فى دارهم، ولم تحصل الكفاية بالرجال.

مفهوم الجهاد

ووضع البعض للجهاد معنى اصطلاحيًا هو قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله، وأن الجهاد هو القتال فى سبيل الله، وبهذا المعنى تحول الجهاد إلى غزو، والقتال إلى قتل، وفهمه البعض أن يبدأ المسلمون بالقتال، وهذا ما فعله تنظيم القاعدة فى ما يسمونه بغزوة نيويورك 2001م، ومثلهم تنظيم داعش، وأصبح الجهاد عندهم غزوًا.

وعلى العكس كانت حروب النبى عليه الصلاة والسلام كلها دفاعية، أما الغزو فهو حرب هجومية، وسميت حروب القبائل فى الجاهلية بالغزوات لأنها كانت تهاجم بعضها بعضًا، فارتبطت الحرب عندهم بالغزو.

وفهم البعض قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) التوبة 73، بأن الجهاد يعنى القتال، وقوله تعالى: (قَاتِلُوا الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) التوبة 29، بأن القتال يعنى القتل.

أما ما يسمى خطأ بآية السيف، فهو قوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ) التوبة 5، وظن البعض أن السيف هو الذى يبلغ الرسالة، مما جعل البعض لا يصدق بوسطية وتسامح رسالة الإسلام.

فى سبيل الله

وفى قوله تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا) النساء 94، الضرب هو السير السريع فى السفر، بقصد التجارة أو طلب العلم، ولا تعنى غزوتم وجاهدتم.

وعبارة (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا)، تناسب التجارة وطلب العلم، وتحقيق أهداف دنيوية يطلبها الضارب فى سبيل الله، لكنها لا تناسب الدعوة للإيمان لعدم وجود أهداف دنيوية فيها.

فى عبارة (إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ)، يشير تعالى إلى أن الضرب فى سبيل الله واقع بدلالة (إذا)، وهذا الواقع هو الحياة والتى الأصل فيها هو السلام، والحرب هى الاستثناء. وكلمة السبيل تعنى الطريق: (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا) الكهف 63، وتعنى المنهج: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) النحل 125.

وقوله تعالى: (فِى سَبِيلِ اللّهِ) ارتبط بالقتال، وبالإنفاق، وبالجهاد والهجرة، وبالضرب فى الأرض، وكلها ضمن طريق الله ومنهجه.

مفهوم القتال

أما القتال فيتميز بالعنف بين طرفين، بين فرد وفرد أو بين مجموعة ومجموعة، وعن القتال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) البقرة 216، الكُره بضم الكاف هو النفور والكراهية الفطرية، وينطبق على كل الناس، أما قوله تعالى: (اقتلوهم حيث ثقفتموهم) التوبة 5، الكلام عن موقف محدد وحدث تاريخى، فالقتال عام والقتل خاص.

والفرق بين الجهاد والقتال، أن الجهاد يشمل مجالات معنوية ومادية، كالسعى فى طلب الرزق وتحصيل العلم والوقوف فى وجه المغريات، وفى هذه المجالات يخلو الجهاد من العنف المسلح، أما القتال فلا يكون إلا بين طرفين متقاتلين.

هل ثمة هدف لهذا القتال يبرر القيام به رغم كُرهه: (إِلّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الّذِينَ كَفَرُوا السّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 40.

إن (كَلِمَةُ اللّهِ) التى جعل تعالى إعلاءها هدفًا للقتال هى مجموعة ميزات أعطاها الله للإنسان وعلى رأسها حرية الاختيار للعقيدة والدين وحرية الكلمة وحرية العمل والحرية نحو السعى إلى حياة أفضل، فلا توجد عدالة ومساواة بدون حرية وأحرار.

ولذلك تم تحديد القتال فى سبيل الله بمحاربة الطغيان: (الّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء 76، فالقتال فى سبيل الله هو ضد الطغيان.

من أسباب القتال، الظلم: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الحج 39، والإخراج من الديار: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ) الحج 40، الاعتداء على الأنفس أو الأموال أو الأعراض: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) البقرة 194.

الدفع والفساد

وفى قوله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة 251، وفى قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيرًا) الحج 40. ومن أهداف القتال، أن تكون كلمة الله هى العليا، حماية الأرض من الفساد، وحفظ بيوت الله من أن تهدم.

فى قوله تعالى: (ولَِوْلَا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ) البقرة 251، تربط وجود الدفع بمنع وجود الفساد، بمعنى لولا تدافع الناس فى مجالات الحياة، لفسدت المصالح المادية للناس، واختلت بذلك مجالات التعايش والتنافس بين الناس.

التدافع بين الناس تدافع فطرى أوجده تعالى فى طبيعة الإنسان كمخلوق اجتماعى، ولقد لاحظ البعض أن محل التدافع وموضوعه غير مذكورين فى الآية، فاعتبروا التدافع الفطرى دفعاً، والدفع قتالاً، وهذا خطأ فى فهم الآية، لأن القتال موقف تصادمى يحكمه العنف ويحتكم فيه للسلاح، ولا يكون إلا فى ساحات المعارك.

أما التدافع نجده فى الأسواق بين البائع والمشترى متمثلاً بالمساومة على الأسعار، وفى الملاعب الرياضية بين المتبارين المتنافسين، وفى قاعات المحاكم بين المتخاصمين، وفى معاهد البحث العلمى والجامعات بالتنافس.

قد يتحول التدافع إلى قتال بين متحاربين فى حالات وظروف خاصة، ومعظم الحروب بين الدول وقعت من أجل هذا التدافع وهو تناقض المصالح الذى لم يمكن حله سلميًا، وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) الحج 38، لا يعنى أن الله يقف فى وجه أعداء الذين آمنوا ويحمل السيف فى المعارك دفاعًا عن المؤمنين به، بل يعنى أنه معهم دعمًا وتأييدًا ونصرة.

الهدف الثالث من القتال هو حفظ بيوت ذكر الله من أن تهدم، وأهمية هذا الدور ذاته فى الحفاظ على بيوت ذكر الله بمختلف أشكالها من الهدم، وبالتالى فى الحفاظ على المصالح الأخروية الروحية من أن تتعرض للأذى.

المدافع عن وطنه وأرضه وماله وأهله وعقيدته فى وجه العدوان، هو دفاع مشروع سواء قتل أم لم يقتل، وأن الخارج للدعوة إلى دين الله، رجلاً كان أم امرأة، له الجنة سواء قتل أم لم يقتل، شرط أن تكون دعوته هذه فى سبيل الله.

وأن الساعى فى طلب العلم أو فى رزقه ورزق عياله مأجور سواء قتل أم لم يقتل، شرط أن يكون سعيه هذا فى سبيل الله، وأن المرأة فى حيضها ونفاسها لها أجر سواء ماتت أثناء الحيض والنفاس أم لم تمت، وأن الرافض للظلم سواء وقع عليه أم على غيره، والمدافع عن حرية الاختيار فى وجه القمع والإكراه، له الجنة قتل أم لم يقتل، شرط أن يكون رفضه ودفاعه فى سبيل الله.

ربط تعالى موضوع النصر بـالمؤمنين: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم 47، والمؤمنون الأعلى شأناً بين الأمم والشعوب: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران 139.

والمؤمنون لم يجعل الله للآخرين عليهم أى سيطرةً: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) النساء141، المؤمنون هم: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) التوبة 112.