الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لأول مرة الفريق فؤاد غالى يتحدث: مذكرات القائد القبطى فى حرب أكتوبر!

السؤال: هل عادت روح الاعتزاز فى 1973 الإجابة: كل ما جرى فى القنطرة يقول ذلك

لأول مرة الفريق فؤاد غالى يتحدث: مذكرات القائد القبطى فى حرب أكتوبر!

طلب منى سعد الشاذلى سحب لواء مدرع من القنطرة فقلت له: لن نكرر ما حدث فى هزيمة يونيو



 بسبب إشارة عاجلة سافرت من مصيفى فى المنتزه إلى القصاصين بالشورت والصندل

 قلت للمشير أحمد إسماعيل: سأحرر القنطرة فى ساعة فقال لى: تكلم كلام عسكريين

رفعت العلم على أول نقطة بعد عشر دقائق وحررت القنطرة فى يومين

الإسرائيليون كانوا يتوقعون الهجوم من الأجناب وجازفت بالهجوم من الأمام

 نعم أنا مسيحى ولكنى حاربت مع الإخوان المسلمين -  قبل أن ينحرفوا - فى فلسطين

 

 

فى إحدى عمارات حى «زيزينيا» المميزة بالإسكندرية قابلت الفريق فؤاد عزيز غالى القائد الذى قام بتحرير مدينة القنطرة فى عام 1973.. حين كان ضابطًا برتبة لواء.. إنه لقاء مع شخصية عسكرية «عنيفة الملامح» رقيقة الطباع.. فى شقة يعيش بها طوال الصيف مع شريكة عمره.. حيث يقدم لها بعضا من التضحيات التى قدمتها له خلال مشوار حياته الطويل كى يتفرغ ويصبح قائدًا وبطلًا عظيمًا من أبطال حرب أكتوبر.. وهى الشقة التى يغادرها فى بداية الشتاء إلى القاهرة.

الفريق فؤاد غالى ضابط صعيدى، من مواليد محافظة المنيا، ففى يوم 10 ديسمبر 1927 جاء لأسرته كى يحتل ترتيبه الثانى بين إخوته السبعة.. خمسة ذكور وسيدتين.. تكبره أخت ويليه أخوه اللواء موريس الذى شارك فى حرب أكتوبر أيضًا ثم إدوارد الذى يعمل ببنك، وبعده مجدى مدير الشئون القانونية بإحدى الشركات، ثم أخوه الأصغر هانى، ويشغل رئيس قطاع فنى بإحدى شركات النقل وأخت ثانية.

والده كان يعمل مديرا لبنك التسليف الزراعى التعاونى بشبين الكوم، «أتذكر بدقة أننى أمضيت فترة تعليمى التمهيدى الأولى فى قويسنا» ثم فى المدرسة الابتدائية للأقباط بشبين الكوم، وبعدها فى مدرسة المساعى المشكورة للمرحلة الإعدادية فى شبين الكوم أيضًا.. وفى المرحلة الثانوية انتقلت إلى القاهرة بمدرسة شبرا الثانوية، ثم التحقت بالكلية الحربية فى عام 1946، وتخرجت عام 1948، وخدمت بالقوات المسلحة حتى 15 مايو 1980».

32 عامًا من الخدمة العسكرية.. سنوات عاصر خلالها الجولات والحروب الأربع فى 48 و56 و67، و73... طوال هذه الفترة كانت خدمته بالوحدات والتشكيلات الميدانية المتعددة.. بدءا من قائد فصيلة، حتى قائد الجيش الثانى الميدانى فى 3 ديسمبر 1973.

تزوج فؤاد غالى فى 2 مايو 1954 من ابنة عمته، إذ كانت تجمعهما قصة حب، باركها الأهل، وتم الارتباط وأنجبا أولادهما الأربعة: نجوى.. المتزوجة من المهندس عادل مكارى.. وناهد المتزوجة من المستشار عمانويل صموئيل جورجى.. ونادية المتزوجة من العميد مهندس متقاعد موريس بباوى.. وأخيرا ابنه شريف الذى ولد بمستشفى مدينة القنيطرة بسوريا فى عام 1961، حيث كان يعمل هناك الأب، وهو الآن - أى الابن - يعمل بإدارة كمبيوتر فى البحرين، ومتزوج من سمر لويس عجايبى التى تعمل فى بنك.

كنت معه فى الإسكندرية نجتر ذكريات حرب أكتوبر، خاصة أنه أحد القلائل الذين لم يتكلموا.. فقال لى: 

«بداية يجب أن تعلمى أن حرب الاستنزاف هى (التطعيم) الذى تلقيناه كى نجتاز حرب أكتوبر ونحقق النصر العظيم.

قبل أن نخوض فى تفاصيل الحرب يجب أن نذكر أن الفريق غالى عين فى عام 1980 محافظا لجنوب سيناء لمدة ثلاث سنوات.. يقول: «إننى أول محافظ قبطى بمصر.. وأيضا أول قائد جيش مسيحى.. وقد قبلت تعيينى محافظا رغم أننى رفضت المنصب فى عام 1979، لأننى كنت أرى نفسى رجلا عسكريًا، وما زال لدى عطاء يمكن أن أقدمه للقوات المسلحة، وكنت قد عينت مساعدا لوزير الدفاع ورئيسا للتنظيم والإدارة.. وكان فى هذا الوقت تنظيم القوات والتسليح من المهام الرئيسية.

وقد كنت سعيدا جدًا بهذا العمل.. ولكن فاجأتنى جلطة بالقلب.. وبالتالى أصبحت غير لائق للخدمة بالقوات المسلحة، وأصبح لا خيار أمامى.. وصرت محافظا من 15 مايو سنة 1980 .. وأنا الآن أتقاضى معاشا من القوات المسلحة بقرار خاص من رئيس الجمهورية علاوة على 1000 جنيه شهريا، وهى المقابل المادى لنجمة الشرف التى حصلت عليها».

رأيت بجوار الفريق فؤاد عزيز غالى درع الجيش الثانى الميدانى، وكان قد أهداه له أبناؤه الذين علمهم، على الدرع حفرت الآية القرآنية الكريمة «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، وتحتها: تقدير وإعزاز من رجال الجيش الثانى الميدانى سنة 1978.

وقال الفريق فؤاد عن هذا الدرع «أنا أعتز به، مثل كل الدروع والنياشين التى حصلت عليها، وعددها 22.. منها واحد يمنى، أنا القائد العربى الوحيد الذى حصلت عليه وهو نيشان «مأرب» فى عام 1975 عندما دعيت أنا ووفد من كبار القادة المصريين لزيارة اليمن - وطبعًا أنا كنت من الذين ساهموا فى حرب اليمن».

إن الفريق «القبطى» فؤاد عزيز غالى مصرى مثل أى مصرى: «لم أشعر بفرق طوال حياتى العملية، وأيضا فى طفولتى بين مسلم ومسيحى، كلنا مصريون، نحب مصر ونعمل من أجلها، ومن يعطى مصر.. تعطيه هى الأخرى حقه ولا تجحفه ما يستحقه».

«أذكر أننى فى عام 48 كنت أعمل مع فصائل الإخوان المسلمين تحت قيادة حسن البنا فى حرب فلسطين، وكانوا من الفصائل المتطوعة.. وكنت أتمركز فى معسكر إمداد بالرجال جاهزًا بالمعونة من أجل تقديم النجدة وتخليص أى فصيلة من أى موقف حرج تقع فيه، ولكن يجب أن أذكر أن هذه الجماعة.. أى الإخوان.. لم تكن قد انحرفت سياسيًا بعد.. وكانوا يعملون كفدائيين من أجل القضية الفلسطينية..

ومعظمهم كانوا طلبة من الكليات وكانوا يهربون من القاهرة ليذهبوا إلى غزة من أجل الحرب، وقد عملوا جميعا تحت قيادة البطل «أحمد عبدالعزيز» الذى كان يشرف على كل جماعات الفدائيين المتطوعين، واستشهد فى حرب 1948.

هذا عن حرب 1948 أما فى أكتوبر، فقد كانت لدى الفريق فؤاد مهمة عظيمة جدا.. وهى تحرير مدينة القنطرة.. «قبل 1973 وبعد أن تولى المشير أحمد إسماعيل وزارة الحربية خلفًا للفريق محمد صادق.. كان قد صدر قرار بنقلى وتعيينى مساعدًا لقائد الجيش الثانى سعد مأمون.. إلا أن المشير أحمد إسماعيل وبعد توليه الوزارة قام بالمرور على القوات، وتقابل مع القادة وأنا بالطبع.. وأخبرنى أنه ألغى قرار تعيينى، ونقلى لقيادة الجيش، وقال لى: أنت مكتوب على «جبهتك» القنطرة.. ولن أتركك حتى تحررها»!

«بعد 25 عامًا يجب أن أقول أن التخطيط للقنطرة لم يكن وليد عام 73، لكنه كان يتم من أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. كان هناك تفكير فى عمليات محدودة لتحريك القضية سياسيا.. وكانت الدول الغربية تقول علينا أننا «جثث هامدة».. تحركوا وقدموا شيئا لكى نساعدكم فى حل القضية سياسيا».

كان التفكير لهذا التحرك وفق ما يقوله غالى يدور فى أذهان العسكريين والسياسيين على السواء.. «بالنسبة للقنطرة كانت هناك خطتان من أجل تحريرها. الأولى: خطة الاستيلاء على رأس كوبرى محدود شرق القنطرة.. والثانية: القيام بعملية تحرير القنطرة كاملة».

ولكن.. السؤال هو: لماذا تحظى القنطرة بكل هذه الحساسية؟

يقول فؤاد غالى: «الموضوع تدرج تبعا لقدرات القوات المسلحة.. حين كبرت إمكانياتنا فارتفعنا بفكرنا.. وكنا نقيم الحسابات على «فرقة» بالكامل، ثم انتهت بأننا عملنا بخمس فرق، وإنشاء كوبرى للجيش الثانى».

فى حرب 1973 كان فؤاد غالى قائد الفرقة 18 مشاة، وكان معه قادة ألوية مثل اللواء أحمد عبده الذى توفى منذ سنتين، وأيضا المرحوم حسام الهلالى، وقائد لواء المنتصف اللواء «الزهير» - أطال الله عمره - ثم قائد اللواء المدرع اللواء تحسين شنن، الذى كان محافظا للسويس، والآن هو رئيس مجلس إدارة نادى المعادى الرياضى - بجانب قادة الكتائب اللواء «ناجى الجندي»، الآن متقاعد. وهو الذى استولى على معظم النقاط الحصينة فى مدينة القنطرة، وكان عددها ثلاثا كما شارك فى المعركة والاستيلاء على رأس كوبرى والتمسك به. سألناه: سيادة الفريق هناك طلب طلبه منك الفريق سعد الشاذلى رئيس أركان الجيش المصرى فى عام 1973، وأنت رفضته.. ما هو هذا الطلب؟

ولماذا كان الرفض؟

أجاب: طلبت الفريق سعد الشاذلى فى يوم 16 أكتوبر، وكان قائد الجيش الثانى فى هذا الوقت هو اللواء عبدالمنعم خليل، بعد أن مرض اللواء سعد مأمون، ونقل إلى المستشفى بالقاهرة.. وطلب منى الشاذلى سحب اللواء المدرع من القنطرة، كان هذا فى الساعة 11 مساء.. سمعته يقول لى: جمع هذا اللواء فى منطقة ما، «شمال الإسماعيلية» قبل أول ضوء بساعة.. أى حوالى الثالثة أو الرابعة صباحًا.. وكان هذا مستحيلا لعامل الوقت والمسافة، ثم إن «اللواء» كانت له مهمة معينة، إذ كان فى النسق الثانى على مشارف القنطرة.. عدلت الموقف فلكى أسحبه يجب أن أعيد ترتيب قواتى، وهذا لا يتم بالضغط على أزرار.. ولكن هناك إجراءات فى حاجة لاستطلاعات وترتيبات، وبحيث لا يحدث خلل فى الاتجاهين (رأس الكوبرى وأيضا عماله).. وبالتالى يصبح الوضع غير مطمئن.. لا سيما أنه كان هناك إصرار من العدو على أن يخترق قواتى.. لقد حاول ذلك من ناحية جانبى الأيمن ولم ينجح.. ولكن الشاذلى قال لى: «ما هو اللواء المدرع ده لم يحقق نجاحًا فى التطوير».

قلت له: أنا أدرى بقواتى، ولن أسحب أى لواء.. وبصراحة كانت خطتى هى التقدم بالهجوم بالمواجهة.. لأن العدو يعلم تماما أن أى هجوم بالضرورة يكون من الأجناب.. لكنى خيبت ظنه وأربكته.. وبالتالى حتى الاحتياطى الخاص به لن يقدر على إنقاذه.

كنت متمسكًا بخطتى، ولى دراية بقواتى التى دربتها على ذلك، وأعرف قدراتها.. وكانت لدى عقدة من حرب 1976 ، هذه العقدة هى اعتزاز بعض القيادات، والتراجع عن قراراتها وإرباك قواتها، وإعطاء أوامر من بعض القادة الذين ليس لديهم علم كاف - كما لدى القائد المباشر - عن كفاءة القوات فى المهمة.. قلت بشكل عنيف.. لن أكرر ما حدث فى 1967، ولن أسمح لك - يقصد الشاذلي - بذلك، وكفاية انهزمنا فى عام 1967، ولن أترك هذا يحدث مرة أخرى»!

كان من الضرورى أن أسأله: ما الفكرة التى بنيت عليها قرار اقتحامك للقنطرة وتحريرها؟

أجاب: المدينة كانت محتلة منذ يونيو 1967، وكنت أقوم بداية من عام 1970 بدراسة الموقف بشكل دقيق.. أخذت ثلاث سنوات فى هذا.. كنت واثقا من قرارى تماما، ومن أننى أستطيع أن أحقق المهمة وأنجح فيها بدقة.

وتصدق على القرار الخاص بالفرقة 18 مشاة لتنفيذ مهمتها فى أكتوبر 1973 قبل التنفيذ، ويذكر الفريق غالى أن هناك ثلاثة مواقف «إجبارية» تعرض لها لتغيير قراره.

إنه يتذكر قائلا: «القرار الأول فى شهر أغسطس 1973، وبعد التصديق على القرار.. كنت جاهزا تماما لتنفيذ الخطة فى أى وقت، واستدعانى قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون.. فى ذلك الوقت كنت أقضى وقتا فى المصيف الخاص بالجيش الثانى فى المنتزه بالإسكندرية.. جاءنى عسكرى من المنطقة الشمالية يحمل إشارة بأن أحضر فورًا لقيادة الجيش الثانى، «بالقصاصين» ذهبت إلى هناك بالشورت والصندل من عجلة الأمر.

وركبت مع العسكرى فى السيارة. وقلت لأولادى أنا مطلوب فورا فى القنطرة، وسوف أرجع بسرعة.. ولكنى طلعت على القصاصين.. هناك قابلت مساعد قائد الجيش الثانى اللواء الموجى.. وهو لواء مدفعية.. قلت له: خير يا فندم.. فتح دولاب مكتبه.. وأعطانى خريطة صماء غير محدد عليها أى شيء، ومصدق عليها على بياض.. قلت له:

خير ما هذا؟ قال مطلوب منك أن تضع خطتك على أن تغير قرارك القديم. وهو الاقتحام بالمواجهة.. والناس من غير ما يعرفوا أنت حتعمل إيه سيوافقون على الذى ستحدده.. ذهلت.. قلت له:

«إيه السبب.. فقال: إنه حين درس الموقف مع المختصين، ورئيس أركانك - رئيس أركانى كان قائد لواء مظلات اسمه «عبدالقوى المحجوب» - اتضح أنه متشكك فى حسن استخدامك لقواتك، وهناك قلق عليك فى تنفيذ العملية بقرارك الحالى.

اعتذرت له، وقلت: لا يمكن أن أغير قرارى وقواتى دربتها جيدا، وواثق فى قدراتها طبقا للقرار الذى اتخذته.. وفعلا لم أغير قرارى.

بعد هذه الإجازة، وفى شهر سبتمبر - 1973  طلبنى قائد الجيش الثانى الميدانى سعد مأمون، وخرجت أنا وهو على الطبيعة إلى القناة جنوب جزيرة «البلاح».. والقنطرة شمال هذه الجزيرة أخذنى إلى الجنوب، وقال: أنا أخذت قرارًا.. أن تهاجم أنت من جنوب الجزيرة.. كان يقصد لن أندفع من داخل رأس كوبرى بالفرقة الثانية وأهاجم مدينة القنطرة بقوتى الرئيسية من اتجاه الجنوب الشرقى.. هذه المسافة كانت عبارة عن 17 كيلو مترا.. لكى أتمكن من مهاجمة العدو.. وجزء من القوات يهاجم ويسيطر على الأجناب.

لم يترك لى اللواء سعد مأمون المجال للنقاش فى حينه، ونظرا لأن مواقع الهجوم.. أو ما نسميه بالمنطقة الابتدائية للهجوم كانت فى غرب القناة كانت قد جهزت هذه المنطقة بالمعدات والأدوات اللازمة، وقمت بحفر الخنادق، وأعطيت أوامر للفرقة المدرعة الموجودة فى العمق غربا بمنطقة اسمها «الملاك» بأن نجهز أطقم العمل وحفر قاعدة للهجوم جديدة. فى ثانى يوم ذهبت لقائد الجيش وتمكنت من إقناعه بأننى لن أعدل قرارى وسأهجم على القنطرة كما حددت.. وكما أرى.. وهو أن أقتحم قناة السويس من قطاع يمتد من شمال جزيرة «البلاح» إلى «لسان الحرش».. واقتحم النقاط الحصينة المنيعة فى القنطرة بالمواجهة.. وأندفع بقواتى الرئيسية من جنوب وشمال المدينة.. وبذلك أتمكن من تدمير العدو وقواته التى تقوم بالهجوم المضاد عليّ، ثم استولى على رأس كوبرى محدود وأتمسك به.. وهذا فعلا ما حدث.

الموقف الثالث الذى تعرضت له كان فى المراجعة النهائية لحرب أكتوبر..

كان ذلك مع وزير الحربية شخصيًا يوم 2 أكتوبر 1973 فى يوم المراجعة النهائية لقرار الحرب، كان يستمع لتقارير القادة وقراراتهم عن الهجوم لتحقيق المهام المحددة.. كنت منهم وجاء الدور عليّ، وقبل عرض القرار فوجئت أنه يقول لى: قل لى يا فؤاد «الله معك» ماذا ستفعل فى حصون اليهود التى وضعوها على مدخل مدينة القنطرة من الغرب والأجناب فى «البلاح والكاب» ويقفلون بها المدينة.. أنا من واقع ثقتى بنفسى وبقواتى وبالتخطيط العالى الذى عملت له أنا وقواتى.. قلت له حرفيا.. اطمئن سيادتك بمجرد أن أدوس على ريشة اللاسلكى، هذا الذى أحمله وأعطى أمرًا بالهجوم سوف نستولى على النقاط الحصينة فى أقل من ساعة!

رد عليّ وقال: يا فؤاد.. أنا رجل عسكرى.. وكلمنى كرجل عسكرى.. أنا «قلقان» عليك.. اشرح لى طبقا لتعليماتنا كيف ستستولى على النقاط الحصينة، وتنفذ المهمة، فشرحت له، فقال: أنت الوحيد على طول الجبهة الذى ستقتحم العدو بالمواجهة.. حاول أن تكون من الأجناب والخلف، فشرحت له لماذا  أنا أهاجم بالمواجهة.. وما هى المميزات التى اكتسبتها لنجاح العملية للاستيلاء على رءوس الكبارى والتمسك بها بجانب النقاط الحصينة.

استمرت معركة القنطرة رغم هذا يومين، وكما يقول الفريق فؤاد غالى: فإن النقاط الحصينة كانت موزعة كالتالى: واحدة فى شمال البلاح، وأربع نقاط على مدخل القنطرة من الغرب.. والسادسة فى الكاب، والسابعة فى التيتة.. وقد استولت قواتنا على ست منها فى أقل من ساعة، عدا النقطة القوية رقم «1» فى القنطرة.. لقد استولينا عليها بعد عشر دقائق فقط، وهى أول نقطة حصينة أرتفع عليها العلم المصرى.. كان مكانها هو يمين «المعدية» الآن.. والثانية كانت شمال نقطة الجمرك القديمة.. والثالثة كانت فى «الليدو» وهو بلاج للمصيف.. والرابعة كانت شمالها.. هذه النقاط كانت هيه قافلة المواجهة تمامًا.. ثم النقطة السادسة فى الكاب.. وقد استولينا على جميع النقاط ما عدا الثالثة.

استوقفته: لماذا لم نبق على هذه النقاط الحصينة كأثر من آثار الحرب.. ودليل خالد على النصر؟

فقال: كان يجب أن تزال من أجل توسيع قناة السويس..

إنه يعود إلى ذكرياته.. وفى هذا الجزء يحاول أن يفسر لماذا حصل على القنطرة فى يومين، وليس فى ساعة: «كنت قد خططت لإجبار العدو على أن يستخدم احتياطيه داخل المدينة ومشارفها الشرقية فى اتجاه النقاط الحصينة التى سأقوم بمهاجمته فيها، فيحضر لنجدتها.. ثم بالتالى أقابله أنا على مخارج المدينة من الغرب وأمنعه من الوصول لنجدة الحصون فى القنطرة.. كانت تلك مهمة كتيبة الصاعقة التى ضمن قواتى، وهى وحدة فرعية من اللواء المهاجم وبهذا أكون قد أدخلت العدو المصيدة، لأننى سأحاصره فى دائرة داخلية حين يدخل للنجدة فظروف القوة الرئيسية التى تهاجم فى الشمال والجنوب تؤدى لأن تندفع شرقا بسرعة لتستولى على رأس كوبرى، وبجزء من قوتها تحكم الحصار على العدو فى القنطرة والاستيلاء على رأس الكوبرى.. وتحكم أيضا حلقة حصار داخلية كى أجذب الاحتياطى المعادى لتسهيل مهمة الأجناب حتى لا أدخل فى مناطق قتل!

كنت قد درست الأرض والعدو، وقدرت الموقف.. وعرفت أن العدو كان يريد إحراجى، ولذا أقام سدا عليً للمواجهة.. وقبل حرب أكتوبر كان يمكن أن تقولوا أنه من المستحيل دخول القنطرة من الأمام.. وأنه لابد أن يحدث ذلك من الأجناب.. بينما الجيش الإسرائيلى لديه تحصينات من الأجناب على أساس أنه يتصور ضرورة حدوث الدخول منها!

من الناحية العسكرية هذا التوقع كان سوف يصبح «منطقة قتل» لأن القنطرة عبارة عن كثبان رملية، وأرض سباخية.. ولذا فإنهم كعدو كانوا يريدون أن «يزنقوني» ثم يدمرونى.. ولكننى قلبت مخططهم وقلبت كيانهم!

ولقد قابلتنى صعوبات وتأخرت حتى يوم 7 أكتوبر حتى أعلن فى الإذاعة الاستيلاء على مدينة القنطرة وتحريرها.. وهذا التأخير كان لآخر ضوء فى يوم 6 أكتوبر.. لأن العدو هجم عليّ من اليمين هجومًا مضادًا قويًا، ونجح فى اختراق جانبى الأيمن.. كان بيننا ساتر ترابى.. حوالى 35 مترًا.. ولكى أواجه هذا الموقف أخذت الكتيبة التى استولت على النقطتين رقمى 1 و2 ثم قفلت بهما الجانب الأيمن الذى اخترق، ومعها جزء من لواء دبابات اليمين، ولواء دبابات آخر كى يكونوا تكوينا تراكميًا.. وفى أول ضوء يوم 7 أكتوبر استعدنا الموقف على ما كان عليه. على ضوء هذا الموقف فإن السواتر الترابية التى كانت بطول المدينة كانت قد دخلتها من الشمال كتيبة دبابات الفرقة، وضمت القوة المحاصرة وسبقنى وهاجم بقوة ليصل إلى المدينة، فاندفع بقوة لأن قواتى كانت مرتبة.. واستمر القتال من حوالى الساعة 6٫15 صباحًا حتى 1٫30 ظهرًا.

فى هذا الوقت قمنا بتدمير الجزء الأكبر من القوة المضادة.. واستعدنا الوضع.. واستولينا فى هذه المعركة على حوالى 37 دبابة إسرائيلية، كانت أكثرها غارزة فى الأرض «السباخية» على الجانب الأيمن، وبعد ذلك تحركت من مكانى لمدينة القنطرة.. وعدلت من الوضع ورتبنا أنفسنا واستولينا على النقطة الثالثة التى لم تكن قد أخذناها فى اليوم الأول.. ودمرنا العدو داخل المدينة، وحررنا القنطرة يوم7 أكتوبر قبل آخر ضوء.

ولم يكن هناك أى مدنى مصرى بالمدينة منذ احتلالها فى عام 1967.

سألته: متى نذيع كل أسرار الحرب؟

قال: المهم هو إذاعة الجزء التعبوى الاستراتيجى، وهو الجزء الخاص باستخدام الأسلحة من الناحية الفنية، ولكن الجزء التكتيكى.. أى الأعمال الصغيرة التى هى على مستوى الكتائب فلا داعى لذكرها فى أى وقت، لأنها من فنون الحرب الخاصة بكل دولة.

لم ينته دور الفريق فؤاد عزيز غالى عند ما قام به فى الحرب.. بل إنه شارك فيما بعد فى مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979،«كنت وقتها لا أزال بالخدمة العسكرية.. ولكننى شاركت فى المفاوضات كمدنى، ولكن هذا لم يمنع الإسرائيليين من أن ينادونى بالجنرال فؤاد.. وكانت مشاركتى خاصة بإعادة «دير السلطان».. كنت عضوا ضمن وفد برفقة المرحوم كمال حسن على.. وهو بالمناسبة كان جارى فى نفس هذه العمارة.. ولكنه فى طابق سابق لى، والآن هذه العمارة هى ملك لأسرته».

يقول فؤاد غالى: «الحقيقة كنت مكلفا بالجزئية الخاصة بدير السلطان التابع للدير المصرى المسيحى.. دخلت لليهود فى هذه المفاوضات من مدخل مادى صرف. لأنه مدخل مؤثر فيهم جدا، ذكرتهم بأننا نحن المسيحييين المصريين والبطريرك رجل الدين الكبير للأرثوذكس أصدر تعليمات بأن لا أحد من المسيحيين سوف يذهب للقداس فى القدس إلا لو أعاد اليهود دير السلطان للكنيسة المسيحية لمصر.. وكان اليهود قد أعطوه للحبشة مقابل السماح لهم باستخدام جزيرة يمكنهم منها غلق البحر الأحمر من ناحية باب المندب لتصبح قاعدة بحرية لهم حتى لا يتكرر أن تغلق مصر باب المندب مرة ثانية كما حدث عام 1973.. وعليه أصدر البطريرك أمرا بعدم زيارة القدس إلا بعد إعادة الدير!

قلت لهم: «إذا فتح باب زيارة القدس بعد أن ترجعوا دير السلطان للكنيسة المصرية سيدر لكم موردا كبيرا.. فكم مسيحى سيذهب للقداس.. وكان عيزرا وايزمان وزير الدفاع الإسرائيلى وقتها.. وترك القرار بعد عرضه على الكنيست الإسرائيلى ليقره من عدمه.. لكن الكنيست رفض، وزاد الموضوع صعوبة أن عاد مرة أخرى البطريرك وأصدر قرارا بألا يذهب مسيحى للقدس إلا ويده فى يد أخيه المسلم الذى سيقوم بزيارة المسجد الأقصى وقبة الصخرة.. وكان هذا هو موقف الكنيسة وقرار البطريرك لا عودة فيه، والدير لم يرجع حتى الآن».

إنه نوع من القادة العظام.. وواحد من أبناء مصر.. الوطن الذى لم يعرف إلا أن مصر نسيج واحد من البشر مسلم ومسيحى.. وأن أرض مصر هى وطن للجميع.. حيث الدين لله وحده.. ولقد اختتم حديثه معى بطرفة هى فى مجملها تعبير صادق عن أن قادة مصر وضباطها وجنودها لم يكن فى حياتهم أية متطلبات إلا العبور والنصر العظيم.. يقول: «لقد دعيت أنا واللواء أحمد بدوى لحضور حفل زفاف الابنة الكبرى للرئيس السادات فى عام 1974، كان وقتنا كله ملكا للجبهة..

 

ولذا لم تكن لدينا من قطع الملابس المدنية سوى الضروريات فقط.. وكنا أمام مأزق، وهو أن الدعوة وصلتنا قبل الحفل بـ 48 ساعة، ولم يكن لدى أى منا «بدلة» للذهاب للحفل.. ولم تكن فى مصر فى هذا الوقت كل هذه الملابس الجاهزة المنتشرة الآن.. فنصحنا صديق لنا من مكتب الرئيس بالذهاب إلى «خياط» أعطى لنا اسمه يمكنه أن يصنع لنا «بدلتين» على وجه السرعة.. وكان أن حضرنا عرس ابنة الرئيس السادات».