الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. أهمله الفلاسفة والمهتمون بها قبل غيرهم..أول مدرس فلسفة مصرى بالجامعة الأهلية.. يوسف كرم.. سقراط العرب!

مصر أولا.. أهمله الفلاسفة والمهتمون بها قبل غيرهم..أول مدرس فلسفة مصرى بالجامعة الأهلية.. يوسف كرم.. سقراط العرب!

كتب عنه الراحل الأستاذ الدكتور إبراهيم بيومى مدكور «رئيس مجمع اللغة العربية» فى مقدمة المجلد التذكارى الذى صدر لتكريمه من المجلس الأعلى للثقافة بأنه: (لم يكن مؤرخًا فحسب، بل كان فيلسوفًا قبل أن يضطلع بالتأريخ للفلسفة، وفى كتبه التاريخية درس عميق وفلسفة دقيقة).



 

إنه الفيلسوف المصرى العظيم يوسف كرم.

هل يعرف أحد منا يوسف كرم؟!

وهل سمع أحد عنه أو قرأ له أحد كتبه؟!

ترى: لماذا لا نذكر دائمًا من أسهموا فى تكوين العقل المصرى وتنويره؟!

ولماذا يذكره غيرنا فى الجامعات الغربية، ويهتمون به.. ونحن لا نرى ولا نسمع ولا نتكلم؟!

 اكتشاف طه حسين..

ولد يوسف كرم فى 8 سبتمبر عام 1886 فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية عن عائلة تعود أصولها إلى الموارنة بلبنان، وبعد حصوله على البكالوريا سنة 1903 اضطرته الظروف المعيشية للعمل بشهادة البكالوريا فى البنك الأهلى لمدة اثنى عشر عامًا.

وهى الفترة التى التهم خلالها كل ما وصل إلى يديه من كتب الفلسفة، وقد ساعده على ذلك أن يحدد اتجاهه كفيلسوف، ولتحقيق هذه الأمنية ذهب إلى فرنسا عام 1915، والتحق هناك بالجامعة الكاثوليكية، حيث نال درجة الليسانس فى الفلسفة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى فى عام 1919، وحصل على دبلوم الدراسات العليا من جامعة السوربون، ثم حصل على درجة الدكتوراه فى أطروحته عن ديكارت. ومـن أجــل أن يتمكن مــن مواصلة الدراسة وتـوفير نفـقات المعيشة فى باريس ســاعده أستاذه «روبان» فى الالتحاق بوظيفة مدرس للفلسفة فى إحدى المدارس الثانوية، غير أن عميد الأدب العربى طه حسين أقنعه بالعودة إلى مصر للعمل فى الجامعة الأهلية المصرية كما كان اسمها حينذاك فى عام 1925، فعين فى الجامعة التى كانت قد أنشئت حديثًا، مدرسًا للفلسفة، وظل يدرس بها، حتى انتقل للتدريس فى جامعة الإسكندرية عام 1942.

أستاذ الفلاسفة..

قام يوسف كرم بإلقاء سلسلة من المحاضرات فى النادى التوماوى بالإسكندرية، وهو أحد أشهر النوادى الثقافية التى اهتم أعضاؤها بالفلسفة وقضاياها، وهناك درس أعضاء النادى الفلسفة الإسلامية، وترجموا معًا كتاب «المدينة الفاضلة» للفارابى، كما أصدروا فى هذا الوقت قاموس فلسفى عربى/ فرنسى. 

انتقل يوسف كرم من التدريس فى جامعة الإسكندرية إلى جامعة القاهرة، وقام أيضًا بإلقاء سلسلة محاضرات فلسفية فى النادى التوماوى بالقاهرة عن كل من: إخوان الصفا والفيلسوف كانط.

ويعد يوسف كرم أول من قام بتدريس الفلسفة الحديثة فى مصر، بل كان أول أستاذ مصرى يُدرس الفلسفة فى الجامعة المصرية، حيث كان تدريس الفلسفة حينئذ يقتصر على مجموعة من الأساتذة الفرنسيين أمثال الفيلسوف الفرنسى «أندريه لالاند» صاحب المعجم الفلسفى الشهير والفيلسوف «إميل برييه» وغيرهم، وقد تتلمذ على يديه العديد من كبار أساتذة الفلسفة فى الدول العربية، وعلى سبيل المثال: د.يوسف مراد، ود.عبدالهادى أبوريدة، ود.عثمان أمين، ود.مراد وهبة، ود.عبدالرحمن بدوى، ود.جورج قنواتى. 

 إسهامات فكرية..

ألف يوسف كرم العديد من المؤلفات الفلسفية ووضع الكثير منها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر موسوعته الثلاثية الضخمة عن تاريخ تطور الفكر الفلسفى فى مراحله المتعددة، والتى صدرت فى طبعتها الأولى على النحو التالى: 

- «تاريخ الفلسفة اليونانية» الذى صدر عن دار المعارف المصرية سنة 1936. 

- «تاريخ الفلسفة الأوروبية فى العصر الوسيط» الذى صدر عن دار المعارف المصرية سنة 1949.

- «تاريخ الفلسفة الحديثة» الذى صدر عن دار المعارف المصرية سنة 1949.

وقد تناول فى هذه الثلاثية آراء الفلاسفة من القرن السادس قبل الميلاد، وإلى وقت صدور هذه المؤلفات بدقة وأمانة، وأيضًا بالنقد والتحليل. وقد وصف الشيخ مصطفى عبدالرازق كتاب «تاريخ الفلسفة اليونانية» بقوله: دقة فى التعبير.. وأمانة فى العرض، وعمق فى النقد. 

كما أوضح يوسف كرم موقفه من التيارات والاتجاهات الفلسفية فى كتاب «العقل والوجود» الذى صدر سنة 1956. وكتاب «الطبيعة وما بعد الطبيعة» الذى صدر سنة 1959. وقد صدر الكتاب الأخير يوم وفاته، ولم يسعفه الوقت لاستكمال كتابه «الأخلاق الإنسانية» حيث رحل قبل أن ينتهى من إنجازه. هذا بجانب العديد من الدراسات الفلسفية باللغة الفرنسية التى كان ينشرها فى كراسات الحلقة التوماوية التى تصدر عن معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان فى مصر، وهو المعهد المهتم بالدراسات العربية.. خاصة الإسلامية، والتى يعد واحدا من أهم رموزها على الإطلاق هو الأب الدكتور جورج قنواتى صاحب الإسهامات الفلسفية البارزة فى التقارب بين الأديان.

الفيلسوف..

كان يوسف كرم تلميذًا مخلصًا للمذهب الأرسطى (نسبة إلى أرسطو) الذى كيَّفه وهذَّبه توما الإكوينى فى كتاباته الفلسفية، ويمكن القول أن يوسف كرم كان خير منسق بين «أرسطو» و«توما الإكوينى» و«ابن رشد» فى أسلوب عربى راق يبعد عن الطنطنة الخطابية، وهذا ما يظهر فى محاضراته القيمة. وقد شبهه البعض بأنه «سقراط العربى» لأنه كان يتكلم بهدوء، ويحلل الأشياء بكل دقة. 

ظل يوسف كرم يدرس الفلسفة فى الجامعة حتى التاسعة والستين من عمره، وحينما لم يعد يقوى بدنه على الجهد والعمل، عاد إلى مدينة طنطا موطنه الأصلى ليقضى بقية عمره فى بيته القديم الذى انهار تمامًا بعد فترة قصيرة مـن إقامته فيه، وفيه فقد يوسف كرم العديــد من المخطوطــات لعدد من الكتب التى لم يكن قد نشرها بعد، والتى استغرق تأليفها منه أكثر من عشرين عامًا، فانتقل للإقامة فى حجرة متواضعة حتى رحل فى الثامن والعشرين من مايو عام 1959، لكنه مازال موجودًا بعلمه وفكره وما قدمه لعلم الفلسفة فى مصر والعالم.. كواحد من أبرز مؤسسى الفكر الفلسفى. 

كان يوسف كرم يرى أن «مؤرخ الفلسفة» هو بالطبيعة فيلسوف.. لكونه يدافع عن العقل، والذى هو فى حد ذاته موقفًا فلسفيًا لا جدال عليه. وأسهم بكتبه ودراساته بكتابة تاريخ الفلسفة، ورغم ذلك لا تعرفه الأجيال الجديدة من دارسى الفلسفة ومن المحسوبين على المثقفين. ولم يكرم فى حياته أو بعد وفاته، ولم تتذكره وزارة الثقافة سوى مرة واحدة من خلال ندوة لتكريمه، والتى صدرت أعمالها بعد ذلك فى كتاب تذكارى ضخم بعنوان «يوسف كرم.. مفكرًا عربيًا ومؤرخًا للفلسفة».. بحوث عنه ودراسات مهداة إليه.

 نقطة ومن أول السطر..

يوسف كرم.. قصة فيلسوف مصرى.. لم نعد نسمع عنه هذه الأيام، رغم مكانته المتميزة فى عالم الفلسفة ومركزه المتميز بين المثقفين المصريين.

يوسف كرم.. فيلسوف مصرى.. يستحق التقدير والتكريم.