الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. ساحر الدراما.. ذكرى عصية على النسيان:  وصية محمود عبدالعزيز

حقك.. ساحر الدراما.. ذكرى عصية على النسيان: وصية محمود عبدالعزيز

تحتفظ العلاقة بين الأب والابن الأكبر بخصوصية شديدة، فهو الامتداد الطبيعى لمسيرة وكاتم الأسرار وحافظ شفرات العائلة، وريث إنجاز الأب والأمين على ما تحقق،  تابعتُ ما قاله الفنان محمد محمود عبدالعزيز نجل ساحر الدراما الغائب الحاضر محمود عبدالعزيز وكشفه لوصية والده له ولأخيه الفنان كريم عبدالعزيز لمصر خلال تكريم الفنان الراحل فى مهرجان القاهرة للدراما الذى نظمته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فى مدينة العلمين الجديدة،  وصية عظيمة تختصر ببساطة مسيرة فنان قاده حب الفن إلى عشق الوطن.



 

كانت آخر كلمات الفنان الراحل لنجله «مصر جميلة قوى حبوها قوى قوى قوى»، كان حب الوطن والمحافظة عليه هى الوصية، كلمات تتطابق مع ما قاله محسن ممتاز لرأفت الهجان فى المشهد الشهير قبل الذهاب إلى إسرائيل، حينما أوصاه بمصر وقال «مصر جميلة وتستحق أن نحافظ عليها ونضحى من أجلها».

ارتبط جيل الثمانينيات بمحمود عبدالعزيز بداية من دوره الخالد فى مسلسل «رأفت الهجان»، وتجسيده لشخصية البطل رفعت الجمّال الذى زرعته المخابرات المصرية داخل المجتمع الإسرائيلى ويتناول تأسيس الجهاز وكيف تعامل مع التهديدات والمخاطر وكيف تطور أداؤه رغم التضييق على الخبرات والمعلومات ونجح معتمدًا على ذاته وذكاء ووطنية رجاله.

رسم الكاتب الكبير صالح مرسى شخصية رأفت الهجان ببراعة وقدّم فيها ملحمة تروى قصة تحول مواطن مصرى تعرض لظلم أسرى شديد جعله  ناقمًا ورافضًا للمجتمع إلى بطل مطلوب منه تحقيق مهمة مستحيلة، وهو بناء درامى صعب بكل المقاييس.

فى أحد اللقاءات تحدّث عبدالعزيز عن خلافه المكتوم مع الفنان عادل إمام بسبب «رأفت الهجان»، وكان «إمام» هو المرشح الأول للدور معتمدًا على نجاحه الساحق فى دور جمعة الشوان بمسلسل «دموع فى عيون وقحة»، وهو مسلسل جسّد بطولة من بطولات المخابرات العامة.

ما توقفت أمامه هو قدرته على نسيان اللغط والتوتر الذى سبق تصوير المسلسل والقلق من نتيجة المقارنة بينه وبين عادل إمام وأن يقف أمام الكاميرا ليضع بصمة من روحه فى الشخصية ليقدم لنا رأفت وتحولاته المعقدة ببساطة السهل الممتنع وينجح المسلسل فى جذب المتابعين من المحيط إلى الخليج ويتحول إلى أيقونة من أيقونات الدراما المصرية ومشاهدة حاضر حتى اللحظة على مواقع التواصل الاجتماعى رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا على عرضه.

شخصية رأفت الهجان التى رسمت بقلم الكاتب صالح مرسى كانت قريبة الشبه بجيل الشباب، تقبل ثورتهم ورفضهم للأوضاع وبحثهم عن الذات،  وكان النص ذكيًا بأنه لم يقع فى فخ المورال التقليدى للأبطال وتقديمهم كشخصيات خارقة لا تخطئ وصنع من شخصية عابثة لاهية إلى بطل يقدم على تضحية مميتة من أجل وطنه.

وعبّر «عبدالعزيز» خلال تجسيده للشخصية عن الجيل الذى شهد النكسة، وكان صادقًا فى الرقص رغم القهر، وكانت ثورته فى القاهرة تعبيرًا عن شعور بضياع تضحيته ورغم ذلك لم يتوقف حتى الانتصار وكيف أخفى فرحته تحت جلده.

أمّا عن مشهد تنحّى الرئيس جمال عبدالناصر؛ فكشف محمد محمود عبدالعزيز أنه حضر تصوير المسلسل بأجزائه الثلاثة، لكن تنحّى الرئيس كان رعبًا بالنسبة له. وقال: «فى حالة التنحى حصلت حالة غير مفهومة، أبويا فضل يعيط بعد ما المخرج قالCut، وطلع غرفته وكمّل عياط وماحدش عارف يفصله».

وهى كلها مشاهد خالدة بتوقيع مخرج عظيم هو يحيى العلمى.

لم تكن الأدوار الوطنية هى من وضعت محمود عبدالعزيز على عرش الدراما العربية، لقد أحب الفن وكان الصدق فى تجسيده لعشرات الشخصيات هو المفتاح لقلوب وعقول جمهوره الواسع، والتنوع من الكوميديا إلى التراچيديا والأدوار المُرَكبة فهو لم يتوقف عن التجريب حتى آخر حياته.

وصيته تقول إننا أمام فنان لديه رسالة ورسالته كانت وطنه، وقد لعب دورًا شديد الأهمية فى مسلسل «البشاير» وجسّد دور أبو المعاطى شمروخ الفلاح العائد بعد سنوات من الكفاح فى الغربة ليرفض مظاهر زحف المدينة على قريته البسيطة وضياع هويتها تدريجيًا ليقرر الذهاب إلى الصحراء واستزراعها ثم تدفعه الظروف إلى مقاومة هجمات عصابات الصحراء وتجار المخدرات، وهى فكرة أبدعها قلم وحيد حامد شديد الوطنية لخص فيها قصة مصر عبر التاريخ وهى البناء والمقاومة والتمسك بالهوية.

 كل هذه الشخصيات عبّرت عن فكرة الوطن فى عقل وقلب محمود عبدالعزيز، فهو عاصر حقبة الستينيات وارتباط ذلك الجيل بأحلام عبدالناصر وعاش مع السادات انتصار أكتوبر وتحدى التغييرات العميقة فى بنية المجتمع مع التوجه نحو الانفتاح ثم كان له مواقف قوية من الإرهاب والتطرف وكان فى الصفوف الأولى من الفنانين المقاتلين ضد التنظيمات الإرهابية وأعماله الأخيرة عبرت عنها بفاعلية وربما نتذكر صيحته الشهيرة من مسلسل «راس الغول» وهو ينادى (فوقوا) لرفض زراعة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين وسيناريو التقسيم وما يحمله من خطر شديد الخطورة على مصر.

أن تحمل هموم الوطن خلال نجاحك وتنحاز لقضاياه هو تحدٍّ لأى فنان، ولا يقدم عليها إلا من غرس جذوره فى الأرض ولم ينعزل عن الناس، وقرأ تاريخ مصر واستوعب دروسه،  وفهم مقصد الفن ورسالته السامية فى نهضة أى مجتمع ومقاومة محاولات تدميره من الداخل وعوامل الانحلال والانهيار والاختراق.

محمود عبدالعزيز كان هو ذلك الفنان؛ بل إنه أسّس مدرسة فنية منحازة لهموم الوطن وله منهج فى الإصلاح عبر أدوات الفن، وتوظيف الإبداع من أجل رقى الوطن.

هذه المدرسة كتبت لمحمود عبدالعزيز الخلود وكتبت وصيته رسالة عابر للزمن تدعو المصريين إلى حب مصر والتمسك بها والدفاع عنها لأنها تستحق.