الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الخطاب الثقافى المصرى المفقود.. الدولة المدنية التى نريدها بعد ثورة 30 يونيو!

مصر أولا.. الخطاب الثقافى المصرى المفقود.. الدولة المدنية التى نريدها بعد ثورة 30 يونيو!

 لا نقبل أىَّ رأى يخالف رأيَنا أو أهدافَنا وتوجهاتنا، وهو ما يعود بشكل مباشر إلى المناخ المحيط بنا، والذى يرسّخ لفكرة أن يكون هناك أسلوب واحد فقط للتفكير، وهو ما يظهر فى الثنائيات المتناقضة، وعلى سبيل المثال: أنا أو أنت، مؤيد أو معارض، مسيحى أو مسلم، مؤمن أو كافر، وطنى أو عميل..



أفرزت لنا تلك الحالة اتجاهًا فكريًا.. يمكن أن نطلق عليه ظاهرة «نخبة الانطباعيين الجُدد».. فى إشارة إلى هؤلاء الذى يكونون آراءهم بناءً على «ثقافة العنعنة»، أى ما سمعوه عن فلان أو فلان دون تدقيق أو تأكيد لمصدر تلك المعلومات التى اتخذوا بناء عليها رأيًا محددًا.

يتبع «نخبة الانطباعيين الجُدد» الوكلاء الذين يقع على كاهلهم مواجهة الفكر المختلف عنهم باستخدام جميع الأساليب والأسلحة.. بما فيها المحرم فكريًا، وذلك على غرار الهجوم من دون موضوعية، واختزال النقاش فى أشخاص. وهو نوع من تحويل النقاش من مربع الموضوعية إلى مربع التحيز.

تشخيص

يعانى الخطاب الثقافى المصرى من العديد من الأزمات المرتبطة بقيم المواطنة والحرية والتعددية. ولذا فإن مستقبل أى خطاب ثقافى مصرى جديد مرتبط بترسيخ بعض القيم على غرار: المواطنة والتعددية والتسامح وقبول الاختلاف والعدل والمساواة وتجديد الفكر الدينى، وفى المقابل مواجهة التعصب والتطرف والتشدد والتمييز ونبذ خطاب الكراهية. 

 المواطنة..

منظومة المواطنة تعنى أن جميع الأطراف التى يتكوّن منها المجتمع تحترم بعضها، وتتحلى بالتسامح تجاه التنوع والاختلاف الذى يذخر به المجتمع. ومن أجل تجسيد المواطنة فى الواقع؛ على القانون أن يعامل ويُعزز معاملة كل الذين يعتبرون بحُكم الواقع مواطنين فى المجتمع، على قدم المساواة والعدل.. بصرف النظر عن انتمائهم القومى أو طبقاتهم أو جنسيتهم أو عِرقهم أو ثقافتهم أو أى وجه من أوجُه التنوع بين الأفراد والجماعات. 

العلاقة الأساسية التى تحكم الدولة المدنية الحديثة بالشعوب هى علاقة المواطنة، ولا دخل إطلاقًا للدين فى العلاقة بين المواطنين ودولتهم.. فالمواطنة كمفهوم وكنظرية تحتاج إلى تأمل نقدى مستمر.. حتى تتكيف فى شكلها وفى مضمونها مع متغيرات العصر، وأبرزها التعددية الثقافية والحقوق الثقافية، وممارسة الديمقراطية باعتبارها- كما هو الإجماع اليوم- النموذج شبه الأمثل لإدارة الصراعات فى المجتمعات الإنسانية المعاصرة. والحق فى الهوية هنا لا ينفى وجود إطار عام لقيم مشتركة تكون أساسًا للحق فى المواطنة.

فيروس التفكك..

هناك حالة من «الجهل المعرفى» الواضح والمعلوم لدى بعض مقدمى البرامج الإعلامية؛ خصوصًا «التوك شو»، وهو ما يظهر من خلال استخدامهم لمفردات التشكيك فى كل ما يحدث فى المجتمع، وما يترتب على ذلك من الترويج للغة الغضب والاحتجاج فى التعامل من جهة، وتراجع الحوار الحقيقى الفعال والبنّاء للمجتمع من جهة أخرى. والطريف أن بعضهم يعتقد فى هذا الصدد أنه يواجه التشكيك ويرفضه. 

تم بشكل تراكمى.. تكريس مفهوم الحوار من منطلق «العنعنات» فى النقاش، وليس استنادًا إلى المعلومات والبيانات.. أى تناول الشائعات على أنها حقائق، وتهميش حوار المعرفة. وهو ما يعنى إعادة توجيه الرأى العام حسب توجه مقدمى تلك البرامج وأچندة أصحابها. وتحول الحوار فى مجتمعنا إلى دوائر مغلقة.. نتج عنها حالة من الفوضى الإعلامية بسبب لغة التراشق بالكلمات التى يعتبرها البعض احترافًا إعلاميًا رغم أنها مجرد مهاترات إعلامية.. تضر أكثر مما تنفع.. بعد أن تحول «الديالوج» إلى «مونولوج».. يكرس الفوضوية فى التفكير والعشوائية فى السلوك والغوغائية فى التصرف.

التوجه الإعلامى فى الكثير من الأحيان لا يسير وفقًا لمسطرة «معايير» المواطنة بقدر ما يسير حسب الأهواء والمصلحة الشخصية للقائمين على وسائل الإعلام. وفى النهاية يتآكل رصيد التعددية لصالح الرؤية الواحدة الموجهة.. التى يفتقد غالبيتهم للتمييز فى مفردات خطابهم الإعلامى بين ما هو تكريس لقيم المواطنة أَمْ فعليا ضدها.

 التعصب..

لا شك أن حالة التطرف الفكرى التى يعانى منها مجتمعنا الآن هى نتاج طبيعى للتعصب الذى يعتبر بمثابة كراهية ورفض للطرف المقابل «الثانى»، والتعصب فى أساسه هو عدم المرونة فى الفكر فى ظل أساليب متناقضة فى طرُق التفكير وتحليل القضايا ومعالجتها.

 

وللتعصب أشكال متعددة، بداية من التعصب بالكلام (العنف اللفظى) والتجنب (الإقصاء والاستبعاد والتهميش)، ومرورًا بالاضطهاد وتدمير الممتلكات، وصولًا إلى استخدام العنف الجسدى (الإيذاء والقتل والإرهاب). ومن أخطر تداعيات التعصب فكرة تصنيف الطرف الذى نختلف معه لما يحمله هذا التصنيف من أبعاد تحمل فى طياتها أمورًا تتنوع ما بين التفكير المنظم والتفكير العشوائى. وللتعصب هنا أشكال عديدة، منها: السياسى والثقافى والاقتصادى والاجتماعى والرياضى.. وإن كان التعصب الدينى هو الأكثر تأثيرًا ووضوحًا.

ومن أكثر الظواهر ارتباطًا بما سبق، هى ظاهرة «التطرف» بمعنى الجمود العقائدى والانغلاق الفكرى، وهذا فى الواقع هو جوهر الفكر الذى تتمحور حوله كل الجماعات المعروفة باسم «جماعات الإسلام السياسى المتطرفة والإرهابية»؛ خصوصًا التى تستخدم العنف. والتطرف بهذا المعنى هو أسلوب مغلق للتفكير.. يتسم بعدم القدرة على تقبل أىّ معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص أو الجماعة المنتمى إليها، أو على التسامح معها. 

التعددية..

البداية الحقيقية للوصول لنشر وتعميم مفهوم التعددية، كما كتبتُ قبل ذلك هو نظام «التربية المدنية» على حقوق الإنسان بأساليب متعددة وغير تقليدية بقيم ومعانى حقوق الطفل والإنسان، وبيان مدى أهميتهما من خلال الإسهام فى حل المشكلات الواقعية داخل المدرسة بالدرجة الأولى بدعم من إدارتها وبمساندة مدرسيها. ويتبع ذلك من دعم لقيم الحوار والتعلم بالمشاركة، ونشر قيم المساواة والاحترام المتبادل من أجل بناء شخصية فعالة وإيجابية للتلميذ داخل مدرسته وخارجها.          

 التخوين..

حالة التشهير فى حياتنا اليومية ليس لها حدود أو قواعد. وهى حملات تستهدف التشهير ببعض الشخصيات (لتشويه سمعتها ومكانتها والقضاء عليها) أمام الرأى العام.. 

لقد ترتب على مجمل هذا المشهد من التشهير.. أن تحول الأمر بشكل طبيعى إلى حالة من التخوين الموجودة الآن بين الأطراف الثقافية والسياسية المختلفة. فمن ليس معنا.. فهو ضدنا فى كل الأحوال. وهى أحكام منقوصة.. تهمل وجود مساحة مشتركة للاتفاق مع أى مختلف عنا حتى ولو بنسبة ضئيلة. ولذا نرى؛ أن التشهير والتخوين.. هو أهم سلاح ضد التعددية.

 قبول الاختلاف..

عند طرح أى قضية خلافية، تجد هناك فريقين لا ثالث لهما. الأول هو الفريق المؤيد الذى لا يتهاون أن يدافع عن رأيه بجميع الأساليب والأدوات الشرعية والأخلاقية منها أو غير ذلك، وهو فريق دائمًا ما يحاول استقطاب متضامنين جُدد له. بينما يقوم الفريق الثانى بتبنّى الرأى المضاد للفريق الأول من دون أى تبرير ملحوظ بقدر ما يندرج من مقومات هذا الفريق (الثانى) تحت مظلة تصفية حسابات أو تحقيق مطامع شخصية أو مصالح مادية. وفى الغالب ما يحاول الفريق الثانى أن يقوم باستقطاب متضامنين معه على اعتبار صدق ما يروج به عن نفسه باعتباره من المظلومين.

ينظر كل فريق للفريق المقابل على أنه المسئول عن جميع السلبيات والتجاوزات التى تحدث فى المجتمع.. من دون محاولة الوصول لمساحات مشتركة تحفظ لكل فريق مساحة اختلافه وتميزه عن الفريق الثانى. 

    نقطة ومن أول السطر..

نردد مقولة وهمية دون التفكير جيدًا فى مضمونها ودلالتها ونتائجها. وهى «أن الاختلاف فى الرأى.. لا يفسد للود قضية».. غير أن واقع الأمر يؤكد على عكس ذلك. فقد أصبحنا فى حالة من عدم تقبل أى رأى يخالف رأينا أو توجهاتنا. ونحاول دائمًا التشدق بالشعارات التى تعمل على نفى ما سبق. إنها التنشئة فى مناخ أحادى التفكير يرفض التعدد والتنوع فى الرأى أو فى الاختلاف.

لا سبيل سوى دولة نفاذ القانون لتحقيق المساواة والعدالة الناجزة. وهو الطريق لتحقيق الدولة المدنية الوطنية المصرية.