الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. تحديات.. تيسير الأعمال الذى لا ينتهى..  الكنيسة المصرية فى طريق التحول المؤسسى!

مصر أولا.. تحديات.. تيسير الأعمال الذى لا ينتهى.. الكنيسة المصرية فى طريق التحول المؤسسى!

هذه الكلمات هى نوع من اقتحام مساحات الاشتباك للقضايا الشائكة بهدوء.. تلك الحالة التى يستغلها البعض للمزايدة على أى نقد وانتقاد بتصورات افتراضية أكثر مما تحتمل، أو بوأد تقديم أى أفكار ومقترحات جديدة. 



هذه الكلمات والأفكار مرتبطة بالحديث عن «إصلاح الكنيسة». وهو حديث يرتبط بالتطوير والتجديد والتحديث للأفضل فى مواجهة التحديات والمتغيرات. وفى كل الأحوال هو حديث لا علاقة له بالفساد أو الانحراف أو التقصير سوى فى العقليات التى تتعامل مع الإصلاح ليس فقط باعتباره من المحظورات، ولكن المحرمات أيضاً. 

 

فى 13 أغسطس 2023 أصدر البابا  تواضروس الثانى قراراً إدارياً بصفته بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ورئيس المجلس الملى العام وهيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس والممثل القانونى لبطريركية الأقباط الأرثوذكس بخصوص إلغاء جميع التوكيلات بكافة أنواعها والتفويضات القانونية والبنكية الصادرة من الأنبا بيسنتى «أسقف حلوان والمعصرة».

ونظراً لأهمية هذا القرار، أود أن أسجل هنا بعض الملاحظات ذات الدلالة على هذا الأمر الجلل فى تقديرى.

أولاً: صدر بيان البابا تواضروس يحمل صفات كنسية وإدارية منها «رئيس المجلس الملى العام». مع العلم أن المجلس الملى انتهت ولايته فى شهر أبريل سنة 2011. ورغم مرور أكثر من 12 عاماً على انتهاء صلاحية عمله، فلا تزال البيانات تصدر باسمه. وعلى سبيل المثال لا الحصر: 

- المجلس الملى يرفض مسلسل حسن يوسف عن البابا شنودة فى 29 فبراير 2016.

- بيان رسمى من المجلس الملى بشأن حملات تستهدف الكنيسة فى 7 أكتوبر 2018.

- البابا تواضروس يستقبل أعضاء المجلس الملى فى 25 أكتوبر 2018.

- المجلس الملى للكنيسة الأرثوذكسية يشيد بإجراءات الحكومة فى مواجهة كورونا فى 23 مارس 2020.

- فى عيد التجليس التاسع.. البابا تواضروس يستقبل أعضاء المجلس الملى العام فى 14 نوفمبر 2021.

وهى الإشكالية التى تناولتها قبل ذلك على صفحات مجلة «روزاليوسف». وذكرت أن تلك الحالة من بقاء هذا المجلس على قيد الحياة رغم انتهاء ولايته القانونية تستند حسبما قال المستشار إدوارد غالب «سكرتير المجلس الملى المنتهية ولايته» فى تصريح له لجريدة الأهرام فى 7 أكتوبر 2018: لم يتم انتخاب المجلس الملى لظروف معينة مرت بها البلاد.. وأن هناك مادة فى القانون تنص على أن يظل المجلس الملى مستمراً فى تسيير أعماله من خلال لجانه مثل: لجنة الأطيان والعقارات ولجنة الأسرة والمصالحات ولجنة التعليم ولجنة الاستشارات القانونية.

 

محل جدل واختلاف..

1 - كيف يستمر الحديث عن المجلس الملى العام المنتهى مدته القانونية، وما يترتب على ذلك من عدم شرعية إصدار أى بيانات أو تصريحات له خاصة فى قضايا لها أبعاد قانونية ومالية مثل القرار الأخير الخاص بالأنبا بيسنتى؟

2 - كيف يمكن لمجلس انتهت ولايته منذ أكثر من 12 سنة تقريباً أن يظل لتسيير الأعمال كل هذه السنوات؟ وهل ضمن صلاحيات تسيير الأعمال التى دائماً ما تكون فى أضيق الحدود أن يصدر بيانات رسمية لكيان منتخب منتهى الولاية والصلاحية؟

3 – كيف نستمر فى قبول وتداول اسم «المجلس الملى».. هذا الاسم الطائفى الذى يعد ميراثاً سلبياً من السلطنة العثمانية.. فضلاً عن كونه يرسخ مفهوم الرعايا الذى يعد فى كل الأحوال ضد منظومة المواطنة التى نص عليها الدستور المصرى؟

4 – إذا كانت هناك إرادة كنسية حقيقية لتفعيل دور المجلس الملى.. فلماذا لا يتم تقديم مقترح للبرلمان بتغيير اسمه وتطوير صلاحياته بما يتناسب مع الهدف المرجو منه ليقوم بدور حقيقى حتى لا يقتصر دوره على اصدار البيانات؟   

تحديات تقدم العمر..

دون الدخول فى تفاصيل الحالة الصحية للأنبا بيسنتى «أسقف حلوان والمعصرة»، ولكن مع تناوله فى هذا السياق باعتباره نموذجاً يمثل خلفية عامة للأفكار والأسئلة التى تمثل اشتباكاً حقيقياً مع أكبر تحديات الكنيسة المصرية خلال السنوات القادمة. ملف «أموال الكنيسة» يعتبر من أكثر الملفات الجدلية فى تناول قضايا الكنيسة، وذلك لكونه يأتى ضمن أولويات ملف التطوير المؤسسى للكنيسة المصرية كما أظن. 

أعلم جيداً أن حديث «اموال الكنيسة» هو حديث شائك جدًا لأنه يثير التحفظات من جانب، ويجعل البعض يستنتج الشبهات والاتهامات من جانب آخر. رغم أن الحديث عن متابعة «أموال الكنيسة» وضبط صرفها هو ضمن أهم قواعد التطوير والعمل المؤسسى لتحقيق قدر كبير من الشفافية وتعظيم الاستفادة من أسلوب صرف تلك الأموال. وهو حديث بعيد كل البعد عن توجيه الاتهامات أو الإدانة لأن طرح هذا الملف للنقاش يندرج تحت دعاوى الإصلاح والتفكير، وليس بغرض المراقبة والتحقيق..  

اشتباكات وتعليقات..

أولاً: متى يكون لدينا نظام إدارى واضح وقانونى محدد للتعامل مع مثل تلك الحالات الطارئة سواء الصحية أو الوفاة، أو ما يترتب على مشاكل تقدم العمر حتى يستمر عمل الكنيسة أو الإيبارشية (أى النطاق الجغرافى الذى يقع تحت إشراف الأسقف المسئول).. دون التعرض لهزات أو تجاوزات إدارية أو مالية أو غيرها؟ ألم يحن الوقت لإعادة النظر فى مسألة كتابة ممتلكات الكنيسة باسم أحد كهنتها أو ممتلكات الأسقفية باسم أسقفها، وإعداد شكل قانونى لتسجيل تلك الممتلكات باسم الكنيسة؟ وهو ما من شأنه تحويلها من الشخصى إلى المؤسسى، وهو ما سيسهم فى تحقيق الشفافية وضبط الأداء الرقابى عليها. وهو ما يعنى أيضاً أن تطوير هيكل عمل الكنيسة لتتحول بشكل كامل للعمل المؤسسى الجماعى لجميع الكنائس والأديرة والأوقاف والممتلكات التى تقع تحت إداراتها أو الإشراف عليها.

ثانياً: أعتقد أنه قد آن الأوان للإعداد لنظام محاسبى مدقق وموحد لأموال الكنيسة بإشرافها ومتابعتها، ليس لوجود تجاوزات أو انحرافات. ولكن لتأكيد مؤسسية الكنيسة من أجل الحفاظ على الاستمرارية للمستقبل. ومع مراعاة أن الكنيسة لا تتلقى أى دعم مادى من الدولة بشكل مباشر أو دورى سواء فى صرف مرتبات رجال الدين المسيحى، أو الصرف على أنشطة الكنيسة الخدمية، أو المصروفات الإدارية والنثرية الدورية. كما أن تلك المصروفات لا تندرج تحت الموازنة السنوية للدولة ولا تتكفل بها الدولة لأن الكنيسة لا تتبع الجهاز الإدارى للدولة المصرية. كما أن جميع مصادر أموال الكنائس المصرية بالدرجة الأولى هى تمويلات ذاتية من تبرعات المواطنين المسيحيين المصريين من داخل مصر أو من خلال أتباعها من المهاجرين المسيحيين المصريين. وهى جميعها فى نهاية المطاف، لا تندرج تحت المال العام ولا علاقة لها به.

ثالثاً: فى حالة إذا كانت هناك إرادة كنسية حقيقية لعدم تكرار ملابسات ما حدث مع الأنبا بيسنتى «أسقف حلوان والمعصرة».. فيمكن البدء بتفعيل المجلس الملى مع تغيير اسمه وتعديل صلاحياته. وذلك باعتباره كياناً كنسياً منتخباً تحت إشراف لجنة الانتخابات بوزارة الداخلية.. وهو ما من شأنه عدم ترك الأمور المالية والإدارية تحت تصرف كل كنيسة أو دير على حدة، وحتى يكون هناك نظام معمم للمرتبات والتأمينات الاجتماعية والصحية للعاملين داخل الكنيسة سواء من الكهنة أو غيرهم.. انتهاء بعمال النظافة والحراسة. كما أن وجود نظام مؤسسى من شأنه متابعة جدوى الصرف وتعظيم الفائدة لكونه نظاماً مالياً لمؤسسة دينية، وليست مؤسسة ربحية على الإطلاق. أن الإصلاح والتطوير.. لا علاقة له بوجود تقصير أو وجود فساد.  

نقطة ومن أول السطر..

آن الأوان.. لوقف استمرار تلك الحالة الملتبسة لواقع المجلس الملى بين شرعيته القانونية وبين صلاحيته المنتهية قبل أن يؤثر ذلك سلبياً على قوة عمل المؤسسة الكنسية المصرية، أو يتسبب فى تراجعها وظهور المزيد من الأزمات.