الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. موسم الهجرة إلى الجنوب

الحقيقة مبدأ.. موسم الهجرة إلى الجنوب

لقرون طويلة قامت أوروبا بذبح واستعباد أبناء قارتنا ونهب ثرواتها دون أن تتوقف حدقات الأعين الأوروبية عن الاتساع المتوحش للمزيد من السلب والنهب والقتل ولن ينسى الأفارقة ما فعله «ليوبولد الثانى» ملك بلچيكا أو غيره من الهولنديين أو البرتغال أو الفرنسيين والإنجليز، وستظل هذه الوصمة حبيسة فى إطار التناسى الأوروبى لفترة لا تبدو قصيرة، إلا أن الذكريات الدامية راسخة فى الوجدان الإفريقى خاصة أن نظم الحكم الأوروبية الحديثة والمعاصرة مازالت ثابتة على إصرارها بضرورة إشعال إفريقيا للحصول على الجوائز الكبرى..



 

كان السباق السابق بين دول الشمال والغرب الأوروبى،  أما الآن فقد دخل لاعب جديد يأتى من أقصى الشرق الأوروبى.. روسيا! التى نقلت أرض صراعها التاريخى مع أوروبا الغربية.. جنوباً إلى القارة الإفريقية وبدأت منذ سنوات فى تقويض النفوذ الفرنسى فى وسط القارة ثم قامت بتوسيع دائرة الصراع شرقا (السودان) وغرباً (النيچر).

 احتراق اليقين

حالة من عدم اليقين ازدادت فى النيچر بعد الحدث الأخير، الذى أثار شكوكًا بشأن التواجد الفرنسى والأمريكى أيضًا فى البلاد.

وتحدثت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فى مقال لها يوم السبت 5 يوليو 2023، للكاتب إليان بلتيير، عن التواجد الفرنسى فى النيجر، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، ووصفت الصحيفة فرنسا بأنها كبش فداء لأى تغيير نظام فى غرب إفريقيا، والفوضى مستمرة فى النيجر، حيث احتجز عسكريون رئيس النيچر، محمد بازوم، الحليف الموثوق لفرنسا كرهينة فى القصر الرئاسي، فيما احتشد المتظاهرون أمام السفارة الفرنسية بعد فترة وجيزة، وأشعلوا حولها النيران وحطموا النوافذ.

وقالت الصحيفة الأمريكية إن الفوضى المستمرة فى النيجر خلال الأيام الماضية هى تكرار للسيناريو الذى حدث فى وقت سابق فى بوركينا فاسو ومالى المجاورتين، وكلها مستعمرات سابقة لفرنسا، واصفة فرنسا بأنها كبش فداء لأى تغيير يحدث فى تلك المناطق بالذات.

 

وهذا ما يؤيده العضو المنتدب لأوروبا فى يورأسيا جروب، وهى شركة استشارية، مجتبى رحمن: «لم تتوقع فرنسا ما حدث، لذا فهى لم تتعلم من مالى أو بوركينا فاسو». وهددت الاضطرابات فى النيجر مصالح كل من فرنسا والولايات المتحدة اللتين أرسلتا قوات ومساعدات عسكرية واقتصادية إلى المنطقة.

 من السيئ إلى الأخطر 

كان ما يقرب من نصف البلدان فى إفريقيا فى وقت سابق مستعمرات أو تحت الحماية الفرنسية، ولعقود من الزمان، حافظت فرنسا على علاقات وثيقة وإن كانت معقدة مع العديد من المستعمرات السابقة لها، ولكن كانت الأوضاع تزداد سوءًا. وتعهد الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، فى وقت سابق عند انتخابه فى عام 2019 كرئيس لفرنسا، وإدراكًا منه للاستياء المتزايد بأنه سيحاول ضبط العلاقات مع القارة الإفريقية، وأمر بزيادة مساعدات التنمية للبلدان الإفريقية، ووعد بتقليص الوجود العسكرى الفرنسي، وهو ما لم يحدث، مؤدياً لزيادة الحدة فى رفض النفوذ الفرنسى بين جنبات القارة وهو ما التقطه «بوتين» بذكائه المعتاد خاصة أن الوسط والغرب الإفريقى مليئان بمخزون ذهبى طالما أنعش الخزينة الفرنسية فضلاً عن اليورانيوم! ولعل الوقت قد حان من - وجهة نظره - لإنعاش الخزينة الروسية!

هنا وجب الالتفات بجدية لتصريحات المستشارة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية التى عملت فى النيجر، أنيليسى برنارد: «يُنظر إلى المجلس العسكرى فى النيجر على أنه لا يمكن الاعتماد عليه فى وضع الثقة فيه، بسبب اقترابه هو وقادة الدول المجاورة له مثل بوركينا فاسو ومالى من روسيا فى السنوات الأخيرة».

 فرنسا بين الصدمة والخوف 

يظهر الخوف الفرنسى المتزايد حين قامت منذ حوالى أسبوعين بإجلاء أكثر من 550 من مواطنيها من النيجر، متذرعة بانعدام الأمن المتزايد فى أعقاب الهجوم على سفارتها، فى صدمة لم تتوقعها الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية، وبهذا تفيق على صدمة أخرى، أنها على وشك الخسارة الكاملة لنحو 10 بالمائة من إمدادات اليورانيوم الفرنسية لمفاعلاتها النووية من خلال النيچر (جدير بالذكر أن شركة أورانو الفرنسية، المعروفة سابقًا باسم أريفا، متهمة بالتلويث البيئى فى المنطقة المحيطة بالمنجم، ما أثار غضب الشعب فى النيجر.)، إلا أنه حتى الآن لم تزعزع الاضطرابات السياسية الأخيرة فى غرب إفريقيا استقرار التجارة الفرنسية فى القارة، فأكبر شركائها التجاريين الأفارقة لايزالون موجودين وأبرزهم نيجيريا وجنوب إفريقيا، ولا تزال شركات مثل توتال إنرجيز، تمتلك آلاف محطات الوقود فى جميع أنحاء إفريقيا.

ويعتمد ملايين سكان غرب إفريقيا على القناة الفضائية الفرنسية كنال + لمشاهدة كرة القدم، ومع ذلك، فإن هذا فى طريقه للتلاشى مع تحديات من الأجيال الجديدة للهيمنة والنفوذ الفرنسى حتى إن منافسة شرسة وحقيقية قد ظهرت فى مواجهة شركات الاتصالات الفرنسية فى قطاع الأموال عبر الهاتف المحمول، وتحل البنوك الإفريقية محل البنوك الفرنسية، وتفوز شركات الإنشاءات التركية أو الصينية بالعقود، وفى قطاعى البنوك والسيارات، فقدت الشركات الفرنسية احتكاراتها فى غرب إفريقيا.

إن الأحداث الأخيرة والغضب المتزايد ضد سياسات فرنسا فى المنطقة لم يشجع الاستثمار، وهنا كانت الفرصة السانحة لروسيا التى زادت من تفعيل ميليشيات ڤاجنر فى النيچر كما أشارت صراحة كثير من التقارير الصحفية للاستحواذ على حصة ليست باليسيرة من الذهب هناك فتكتمل السلسلة وصولا إلى مناجم دارفور فى السودان، وهو الأمر الذى لا ينكره الجانب الروسى الذى يرى فى ڤاجنر أداة فاعلة لإدارة صراعاته مع الغرب، بل إن مشهد تواجد رئيس الميليشيات «يفغينى بريغوجين» أثناء اجتماعات القمة الروسية الإفريقية، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين وعلى رأسهم الزعماء الأفارقة الذين لم يحضر منهم سوى 17 فقط لا غير وهو ما ينذر أو يشير لبدء فتور قد يصل إلى رفض لعلاقات إفريقية روسية متكافئة.. لن يستطيع أن يضع لها اتزانًا سوى الرئيس السيسى نظرًا لما يتمتع به من قبول شخصى علىالمستويين الروسى والإفريقى، وكذلك لما تتمتع به مصر من نزاهة وموضوعية فى إدارة الملفات الدولية.