الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هتاف الصامتين..  ماذا تغير بعد نصف قرن؟

هتاف الصامتين.. ماذا تغير بعد نصف قرن؟

فى أغسطس القادم يمر نصف قرن على صدور كتاب «هتاف الصامتين.. ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات فى المجتمع المصرى».. وهى الدراسة التى أعدها الدكتور سيد عويس أحد أبرز رواد علم الاجتماع المصريين وبالمصادفة فإنه منذ شهر حلت الذكرى الخامسة والثلاثون لرحيله كما مرت منذ شهور ذكرى ميلاده الـ110 (ولد فى فبراير 1913 وتوفى فى يونيو 1988)، هذه المناسبات تذكرنا بإنجازاته العلمية الكبيرة وأننا فى حاجة لسيد عويس جديد يفسر لنا الظواهر الاجتماعية التى نمر بها الآن حتى نستفيد من معرفة دلالاتها وسلبياتها وإيجابيتها.



 فى عام 1970 قرر الدكتور سيد عويس إعداد دراسة عن كتابات المصريين على مركباتهم واستمر لمدة ثلاث سنوات يتتبع هذه الظاهرة فى إحدى عشرة محافظة من الصعيد إلى الوجه البحرى مرورًا بالقاهرة ووصولا إلى الإسكندرية، لم تكن أهمية هذه الدراسة فقط فى الكشف عن أفكار فئة اجتماعية عبر ما يكتبوه على سياراتهم، ولكن فى «أن ما يعبرون عنه هو حصاد للصمت ولتجاهل أوجاعهم»، فماذا ستكون النتيجة لو أعيدت نفس الدراسة الآن مع ضم التوك توك إليها؟ وهل ستكون النتائج والدلالات مختلفة؟ وماذا يعنى استمرار هذه الكتابات رغم ظهور أدوات جديدة للتعبير واتساعها وتنوعها حتى نستطيع أن نقول إنه أصبح للصامتين ملاذ وملجأ بخلاف الكتابة على الحوائط والجدران والمركبات.

لقد اهتمت الدراسة وقتها بالكشف عن أسلوب وعقلية الشعب المصرى من خلال التعبير عن أفكاره بكلمات بسيطة وهو ما أسماه الدكتور عويس هتاف الصامتين، وما نحتاج الآن معرفته هو كيف يعبر المصريون عما يجول فى خاطرهم، ليس من خلال الكتابة على المركبات فقط ولكن أيضًا فى وسائل التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك وتويتر وغيرهما، وكذلك اللغة الجديدة التى يكتب بها الجيل الجديد والتى تخلط بين الحروف الأجنبية والعربية، بالإضافة إلى التعبيرات الجديدة التى انتشرت بين الشباب حتى تكاد تكون لغة خاصة بهم لا يفهمها كبار السن ويستغربونها إذا سمعوها، بجانب أغانى المهرجانات التى فرضت نفسها على الجميع من خلال بثها على يوتيوب ولا يكاد يخلو منها احتفال أو تجمع شبابى، حيث تحول الصمت بفعل الوسائل الجديدة إلى صخب وضجيج اختلط فيها الحابل بالنابل والغث بالسمين.. جمع الدكتور سيد عويس فى دراسته التى نشرها فى أغسطس 1973 ألف كلمة وعبارة من خمسمائة مركبة تجوب البلاد جنوبا وشمالا وهى بمثابة تعبير عن المناخ الاجتماعى والثقافى السائد فى ذلك الوقت، ولاحظ أستاذ علم الاجتماع أن الأمان والسلامة هما أبرز ما يتمناه أصحاب السيارات وذلك من خلال رصده لتعبيرات وكلمات ترجو الوقاية والنجاة من المجهول، ويؤكد على ذلك ما يعلقونه فى سياراتهم من أشياء مثل المصحف وخمسة وخميسة والمسابح والأحجبة وبعض الدمى على شكل سمكة أو قرن شطة أو حدوة حصان أو حذاء قديم أو سنبلة قمح، وجميعها تحمل معانى التيمن والتفاؤل بها وردّ عين الحسد، فضلًا عن طلب الرزق أو الوقاية من الشر بصفة عامة.

وتضمنت الكلمات والعبارات (لفظ الجلالة ودعوات وابتهالات وآيات قرآنية وأحاديث نبوية وآيات من الكتاب المقدس، وكلمات أغانى، وتحذيرات وأمثال شعبية ونصائح وتحيات وأقوال مأثورة) أما أكثر الكلمات انتشارًا فكانت أسماء الله الحسنى، والعين، والحب ومشتقاته، والسلامة والستر، وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل البيت، والصبر ومشتقاته، وأسماء أولياء الله والقديسين: مثل أم هاشم، والحسين، والسيد البدوى، والمتولى، ومار جرجس، مارمينا وأبو العباس، والعدوى.. ويوضح الدكتور عويس أن الكتابات تنوعت بين الشعبية والدينية، والملاحظ فى العبارات التى جمعها أنها تتشابه فى المعنى والغرض وإن اختلفت فى الأسلوب، وأشار إلى أن الملصقات الدينية كانت الأكثر تكرارًا مثل «يارب سترك» و«يا رب رضاك» و«ما شاء الله»، وكذلك «الصبر جميل» و«توكلت على الله» و«إن ينصركم الله فلا غالب لكم» و«ما توفيقى إلا بالله».

ودون فى دراسته عددًا من العبارات التى تشير إلى الخوف من الحسد مثل «عين الحسود فيها عود» و«يا حاسدين الناس مالكم ومال الناس» و«كفاية يا عين» و«تندب فى عينك رصاصة ياللى تبص»، بالإضافة إلى بعض الجمل من الأغانى المشهورة.. واعتبر الدكتور عويس أن تلك العبارات محاولة من أصحاب المركبات أن تكون أصواتهم مسموعة من دون أن يراهم أحد، لافتًا إلى أن الأمر يعكس عددًا من العناصر الثقافية غير المادية.

المساحة لا تتسع لعرض واف للدراسة والكتاب المهم ولكن أظن أننا فى حاجة ماسة لدراسة مماثلة حتى نعرف ماذا تغير فى المجتمع؟ وماذا استمر فى هتاف الصامتين؟ وهل تغير نمط تفكيرهم وأسلوب تعبيرهم؟ ولماذا تحول إلى الصخب والصراخ فى مواقع التواصل الاجتماعى؟.