الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. العـــودة

الحقيقة مبدأ.. العـــودة

الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية فى الدول التى تعتبر لاعبًا مهمًا على ساحتها الإقليمية هى الوجبة الأشهى لكل من يعمل بالصحافة السياسية، حيث إن تحليلها سواء أصاب أو أخطأ يعطى فرصة لتصور سيناريوهات ما بعد النتائج أيًا كانت.



 

على الرغم من أن الشعب التركى عبّر عن رغبة قوية فى التغيير فى الفترة التى سبقت الانتخابات هذا الشهر، فإن كتلة الرئيس رجب طيب أردوغان كانت واثقة جدًا من فوزها. وقدّمت المعارضة أداءً جيدًا فى الجولة الأولى، لكن وضعية شخصية أردوغان فى الذهنية التركية دفعت الكثير من الناخبين إلى اعتباره المرشح الوحيد القادر على بناء تركيا أفضل، على الرغم من اعترافهم بوجود مشاكل فى البلاد.

 

وبطبيعة الحال،ورغم فوز أردوغان فى جولة الإعادة الحاسمة فى 28 مايو، إلا أن النتيجة لاتزال تشكل تحذيرًا لأردوغان وحزبه، «العدالة والتنمية»، الذى حصد أدنى نسبة من التأييد منذ انتخابات عام 2002 التى أوصلته إلى السلطة. فللمرة الأولى منذ عشرين عامًا من حكم أردوغان، قدمت المعارضة بديلاً منظمًا وفرصة للتغيير الإيجابى، ولكن أردوغان بدهاء السياسى استغل بالكامل الاستقطاب الشديد فى المجتمع ونفوذه القوى فى قطاعات القضاء والمالية والإعلام. على سبيل المثال، ردد غالبًا أنصار «حزب العدالة والتنمية» نقاطًا حديثة حرفيًا، مثل «دعم المعارضة سيؤدى إلى وصول جماعات إرهابية مثل «حزب العمال الكردستانى» إلى السلطة».

 

وفى غضون ذلك، قاد مرشح المعارضة كمال قلجدار أوغلو حملة مختلفة تمامًا منذ الجولة الأولى من التصويت. فى حين كان فى السابق إيجابيًا وشموليًا، فهو الآن يردد بعض المشاعر المعادية للاجئين ويحتضن بعض القوميين المتطرفين.

 

ورغم نجاح المعارضة فى توطيد كتلتها، فإنها فشلت فى الحصول على أصوات إضافية من الأحزاب المحافظة وأحزاب يمين الوسط التى تشكل ما بين 60 إلى 65 فى المائة من الناخبين.

 

ولم يحقق فصيل المعارضة الرئيسى، «حزب الشعب الجمهوري»، أى مكاسب عملية من خلال تحالفه مع «حزب السعادة الإسلامي» وسياسيين سابقين فى «حزب العدالة والتنمية»، مثل أحمد داود أوغلو (حاليًا مع «حزب المستقبل» أو «جيلسيك») وعلى باباجان (حاليًا مع «حزب الديمقراطية والتقدم» أو DEVA). وكذلك، شهد الفصيل القومى المتحالف مع «حزب الشعب الجمهوري»، «الحزب الجيد»، خسائر ضئيلة فى صفوف قاعدته. وستزيد سياسات الاستقطاب السائدة من صعوبة الحفاظ على كتلة معارضة مشتركة فى معرض الاستعداد للانتخابات المحلية فى مارس المقبل.

 

إن السؤال الرئيسى الذى يطرح نفسه الآن هو: ما إذا كانت تركيا ستعود إلى نظام الضوابط والموازين الديمقراطية القديم أم ستصبح دولة حزبية قائمة على حكم رجل واحد مثل روسيا أو الصين. والتخوفات هنا من تراجع الحريات الأساسية، وأن الجماعات المحرومة مثل النساء و«مجتمع الميم» ستتعرض للتهديد على نطاق واسع. وعلى المدى الطويل، تشير بعض الاستطلاعات إلى أن ما يصل إلى 75 فى المائة من الشباب الأتراك يريدون مغادرة البلاد، حتى الذين ينتمون إلى أسر مؤيدة لـ«حزب العدالة والتنمية».

 

ويبدو أن هجرة العقول آخذة فى الازدياد أيضًا، بحيث أعرب العديد من الأطباء والمهندسين والعاملين فى الوظائف الإدارية عن رغبتهم فى العيش فى الخارج، ربما بسبب الضغط الاقتصادى الهائل وربما بسبب التخوفات السابق ذكرها. 

ومع وصول أردوغان للولاية الثالثة، سيشكل الاقتصاد أكبر عقبة سيواجهها فى المستقبل، من بينها أعلى معدل تضخم منذ سنوات ومعدلات بطالة مرتفعة بشدة، ولكنه قد يشعر بأن انتصاره أمّن له غطاءً كافيًا بحيث سيبقى فى البداية ملتزمًا بسياساته الاقتصادية.

 

ويمكن أن يعكس هذا القرار أيضًا هدفه طويل الأمد المتمثل فى جعل تركيا أكثر استقلالاً عن الأسواق المالية الغربية، جزئيًا من خلال بناء علاقات اقتصادية أقوى مع روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولحسن حظ أردوغان، من المفترض أن تكون معدلات السياحة المرتفعة المتوقعة قادرة على الحفاظ على الاقتصاد التركى عائمًا هذا الصيف، ولكن مع برودة الطقس وزيادة واردات الغاز الطبيعى وإعادة فتح المدارس، من الضرورى إحداث تحول اقتصادى لدعم احتياجات الناس وإدارة المدفوعات الخارجية.

أما بالنسبة إلى علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبى، فمن غير المرجح أن تتغير إذا فاز أردوغان مجددًا. ويعنى ذلك عدم تحديث «الاتحاد الجمركى» لعام 1995 وعدم تحرير تأشيرة السفر للأتراك إلى الاتحاد الأوروبى. وعلى نطاق أوسع، سيستمر الغرب فى رؤية أردوغان كشريك صعب، بل مهم للمصالح الاستراتيجية.

بالعودة للعلاقة بين أنقرة وموسكو فإن واشنطن وبطبيعة الحال تراقب علاقة أردوغان بفلاديمير بوتين. فقد قوبل ميل أردوغان إلى التعامل ونسج الروابط مع كلا الجانبين بريبة فى الغرب، مما دفع بكبار المسئولين الأمريكيين إلى زيارة تركيا بانتظام وتحذير الحكومة والشركات الخاصة من انتهاك العقوبات الروسية. وتلفت إدارة بايدن نظر أنقرة بانتظام إلى انتهاكات حقوق الإنسان والديمقراطية أيضًا. وفى الواقع، كانت العلاقات الثنائية قائمة على الصفقات وغير مستقرة لبعض الوقت، الأمر الذى لن يتغير حتى بعد فوز أردوغان. ومع ذلك، ما زالت تركيا قادرة على الاضطلاع بدور قيّم فى تعزيز مصالح السياسة الأمريكية، كما يتضح من صفقة الحبوب الأوكرانية الروسية.

فوز أردوغان سيؤدى إلى عودة الأمور إلى مجراها، بحيث لن يشعر أردوغان بالحاجة إلى تعديل سياساته الخارجية التى قام بإجراء تعديلات جذرية وواضحة عليها فى فترة ما قبل الانتخابات، وكذلك توجهاته الاقتصادية أو المحلية، وستظل علاقته بواشنطن قائمة بجرأة على الصفقات المتبادلة.

لقد أولى الرئيس بايدن أهمية كبيرة لتوسيع «حلف شمال الأطلسى»، وكانت الموافقة على بيع تحديث برنامج «إف - 16» لتركيا الخطوة الأولى لتشجيع أردوغان على التصديق على عضوية السويد فى حلف «الناتو» بعد الانتخابات، ولكن على الرغم من هذه الفرصة، من المرجح أن يرغب أردوغان فى الحصول على المزيد من التنازلات قبل الانتهاء من التصديق - أى الحصول على دعوة لزيارة بايدن فى واشنطن، والتزام البيت الأبيض بتمرير عملية بيع مقاتلات «إف - 16» بأكملها عبر الكونجرس.

تقدم أردوغان خطوات فى اتجاه المنطقة العربية بشكل لافت من خلال أحاديث متلفزة أو لقاءات ثنائية جمعت بينه وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى، بل مكالمات هاتفية أخيرة أُعلن فيها فتح السفارات بين البلدين ووصول التمثيل الدبلوماسى إلى أرفع مستوياته، هنا نتحدث عن أقوى دولة فى قارتها ومحيطها العربى والإسلامى (مصر) والتالية لها (تركيا)، بل إن العاصمتين تضعان أغلب السياسات الأكثر تأثيرًا على المنطقة، يعلم أردوغان جيدًا أن علاقته الجيدة أو رفيعة المستوى مع القاهرة هى البوابة الكبرى لعلاقة أفضل مع موسكو وبكين.

الكل يراقب العودة.