السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
دور الحكومة وتساؤلات عمرو موسى

دور الحكومة وتساؤلات عمرو موسى

تسسكنا مجموعة من الأصدقاء فى نهاية يوم رياضى، لعبنا فيه تنس الطاولة، وجلسنا نضحك ونسخر من أنفسنا لخسارة مباريات سهلة، ونحيى صبيا صغيرا نتوقع أن يصبح بطلا لو واظب على التدريب بجدية، ثم لفت نظرنا عبوس صديق، جلس صامتا ولم تفلح نكات ساخنة فى انتشاله من عبوسه، نهرناه: معقول كل هذا العبوس على خسارة بطولة مستحيل أن نكسبها.. نحن نلعب لنستمتع أولًا؟



رد بعبوسه: لا بطولة ولا يحزنون، تعليقات من الفيسبوك وتويتر تصيبك باليأس وتجيب الغم، ناس تهلل لكل مصيبة وتخسف الأرض بكل عمل وتشكك فى كل قول.

قال صديقى سيف وهو مهندس ميكانيكا عاشق للفن: تصدير الطاقة السلبية للمصريين صار عملا منظما تمارسه جماعات وأجهزة، وليس مجرد كلمات محبطة بالمصادفة أو عفو الخاطر أو تعبير عن اختلاف فى الرؤى والمنهج والسياسيات.

رد: هذه مبالغة منك، الواقع صعب والأزمات تحيط بنا، ويقولون أشياء صحيحة.

قلت: الأدق أن نقول إنها تبدو صحيحة، كل مشروع جديد هو فلوس على الفاضى واشتغالة من الحكومة، كل حركة هى خداع وغش وضحك على الذقون، باختصار هم ينتقون الجزء المعتم من الصورة دون بقية المشهد ويضخمون فيه بحرفية، يستغلون «مشكلات» الواقع، ويحولونها إلى سلاسل ثقيلة جدا، يعملون على تعليقها فى رقاب الناس، حتى يحرموهم من التفكير الصحيح فى حلها، يسعون إلى «زنقة» الناس فى نفق الإحباط، ليضمنوا أن يظلوا فيه أكبر وقت ممكن، فلا يرون أى ضوء خارجه، أى يصنعون البيئة التى يمكن أن يصطادوا منها المتعاطفين والمؤيدين.

ثم سألته: ما هى آخر حاجة قرأتها من «شلة البؤس واليأس» إياها.

قال: كلام عن الحوار الوطنى، وأنه مضيعة للوقت وكلام وخلاص، وأنا من المصريين الذين عندهم أمل أن يثمر شيئا جديدا مختلفا وينتهى إلى برنامج عمل وطاقة رفع ومنظومة تكاتف، نعبر بها هذه الأزمات ونعيد بناء مصر الحديثة.

قلت: إذن أنت وضعت يدك على سبب تصدير حالة الإحباط إلينا، هم يريدوننا أن ندور فى «ساقية المشكلات» حتى نسقط من التعب..

نظر إلىَّ بحدة: أنت مصدق فى الحوار الوطني؟، هل تثق فى جديته وقدرته على لم شمل المصريين حكومة ومعارضة وتيارات سياسية مختلفة وناس فاهمة وناس على باب الله على «خريطة طريق» نتفق عليها ونلتزم بها التزاما صحيحا دون نكوص. قلت: كلامك فيه شك ما فى هدف المؤتمر..وهذا شك ضد المنطق.

سأل: كيف؟

قلت: لو أرادوا حوارا من «باب التسلية والإلهاء»، لمضوا على طريق مختلف، طريق نصف علنى تحيطه  أضواء خافتة وتغطية خفيفة، لكن أن يكون بهذا الاتساع والعلانية ونقل كلمات الحضور على الهواء، فهو أشبه بتعهد مكتوب للشعب، والشعب نفسه شاهد عليه وليس مجرد متابع له من بعيد لبعيد..

ثم سألتهم: هل فيكم من استمع إلى كلمة الأستاذ فريد زهران رئيس الحزب المصرى الديمقراطي؟

قال أحدنا: أعجبتنى جدا كلمة عمرو موسى.

رد العبوس ممتعضا: من فضلك لا داع للكلام عن الأحزاب.. هو إحنا عندنا أحزاب؟!

أجبت: سيبك من نغمة ما فيش فايدة، أزمة الأحزاب المصرية قديمة ضاربة فى التاريخ منذ ملابسات وظروف تأسيس أول حزب فى مصر، وهذه قضية تحتاج إلى مجلدات، ودعونا نتكلم عن الحوار الوطنى، وكلام فريد زهران نموذج لمواجهة رسائل الإحباط.. قال زهران إن ثمة ضمانات سبق الاتفاق عليها مع الجهات الراعية والداعمة لم تستكمل، وبالرغم من هذا حضر، لأنه لا يريد أن يكون أمام نفسه أو ضميره قد غاب عن فرصة تتيح مخرجا يجب استغلاله، وحتى لا يُسأل أمام الأجيال القادمة أنه لم يستغل نافذة للحوار..والمسئولية الوطنية فى الأوضاع الحالية التى تشهدها الدولة المصرية أهم من الضمانات..هذا هو الكلام الصح، أننا جميعا نعمل من أجل مصر دون أن يتشبث أى طرف بموقفه أو طلباته حتى نصل إلى التوافق المطلوب.

قال: هل تقصد أن الحوار مفيد جدا؟

قلت: بكل تأكيد، فالآراء كلها مطروحة على الرأى العام بما فيها انتقادات الحكومة وسياساتها، ففريد زهران قال بالفم المليان إن أزمتنا ليست قدرية، فيها بعض من تداعيات وباء الكورونا وتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، لكن فيها أيضا قرارات وتصرفات من الحكومة.

سألنى المتشائم: ماذا تقصد تحديدا؟

قلت: المصارحة والشفافية، أن فريد زهران صارح الحكومة بوجهة نظره فى أعمالها أمام الناس جميعا سواء وافقت الحكومة على رأيه أو رفضته، وهو ما يعنى أن الحكومة تتعامل مع الحوار دون موقف مسبق منه، ولا تريد أن تصل به إلى تصفيق حاد لسياساتها وقراراتها، وهذه قيمة أى حوار وطنى.

قال المتشائم: هذه خطوة متأخرة، ألم يكن ممكنا أن تفعل ذلك من قبل ونتجنب مشكلات بالاتفاق العام؟

قلت: أتصور أن مشكلة الإرهاب لعبت دورا رئيسيا، فالحرب مع الإرهابيين والجماعة التى دامت 4 سنوات، حماية للدولة من التفتت والانشقاق، ضيقت من المساحة التى تتحرك فيها الدولة فى اتجاه النمو السياسى، فالهاجس الأمنى عند السلطة المصرية يسبق أى هواجس أخرى حين تكون الدولة فى خطر، ومؤكد أن المحافظة على الدولة حدودها وسلامة أراضيها وأمنها العام لها الأولوية المطلقة، وأتصور أنها ربطت معظم مشروعاتها القومية بهذا الهدف، خاصة أن البيئة الإقليمية المحيطة بالدولة المصرية بيئة مضطربة وهشة ومؤثرة، وسهل أن تتسلل عناصرها إلى الداخل بمساعدة قوى عالمية.

قال: مازالت هذه البيئة مضطربة وهشة.. فهل نظل على نفس السياسات والهدف؟

قلت: قطعًا لا.. وهذا أهم أسباب الحوار، ثمة متغير داخلى حاسم، وهو صلادة وصلابة الداخل المصرى، بدرحة تجعل تأثير البيئة المحيطة الهشة إلينا ضعيفا، وتسلل هشاشتها عملية فى غاية الصعوبة، وأتصور أن هذا المفهوم هو الذى حكم رؤية سياسى مخضرم مثل عمرو موسى فى كلمته فى الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى، وإن طرح هذا المفهوم على هيئة تساؤلات على ألسنة أهل مصر، وقال إن الناس فى مصر تسأل عن السياسات المصرية، عن توجه مصر، عن الحريات وضماناتها، عن البرلمان وأدائه، عن الأحزاب وأهليتها، عن الاستثمار وتراجعه، عن التضخم والأسعار، عن مجانية التعليم وجودة التعليم، عن الزيادة السكانية دون سياسات جريئة تضبطها، عن مصير المحبوسين احتياطيا، عن مبادئ الشفافية، عن الديون المتراكمة وسدادها، باختصار باختصار عن الأزمات التى نواجهها، ماذا جرى وكيف جرى؟

وبالطبع لم يلق عمرو موسى تساؤلاته حتى نغرق فى بحث الأسباب وتحديد مسؤوليات فى الماضى وكفى، وإنما هو يسأل عن حلول وإجابات للمستقبل، فالأهم من البكاء على الأطلال هو بناء جديد ينتصب، ومصنع جديد يفتح، وأرض جديدة تستصلح، ومزرعة جديدة تنتج، وفكرة جديدة تلمع.

وتساؤلات عمرو موسى ليست موجهة للحكومة فقط، وإنما لنا جميعا، أن نفكر معا ونبحث جميعا، وأعضاء الحوار الوطنى ليس هم الوطن، هم مجرد ممثلين عنا، عينة منا، لا يجب أن نتركهم وحدهم، علينا أن نفكر معهم، ونكتب إليهم ونكتب إلى الدولة وإلى مجلس أمناء الحوار، نحن طرف أصيل، ولسنا مشاهدين ولا متفرجين، نستمع إلى الكلمات والاقتراحات والأفكار، ونهز أيدينا أو نحتسى الشاى ونحكم على مدى جديتهم أو ماذا سيصنعون لنا، وإنما لنشارك ونضيف ونسأل ونرفع الأيدى بالاعتراض أو التصفيق، المستقبل صعب، وقد يكون صعبًا جدا، سيارتنا مغروزة فى الرمل، هل نقف خلفها وندفعها لتدور عجلاتها بقوة وتخرج من «الغرز»، أم نتفرج على من يحاولون، ونلوم البعض ونسخر من البعض ونهتف للبعض ونسب البعض، هذا وطننا جميعا أيا كانت مشكلاته وأزماته وأيا كانت الأسباب التى أدت إليها، نعم نتحاسب ونحن نعمل، نتحاسب ونحن نتكاتف.

نظر لى المتشائم كأنه لا يفهم ما قلت، وسألني: طيب والحكومة والدولة؟

قلت: طبعا فى مقدمة السفينة، فى كابينة القيادة، ونلفت نظرها إلى رأى الأستاذ فريد زهران، إن أى أزمة فى أى مجتمع لها حلان، الحل الأمنى المانع لحدوث اضطرابات، وأتصور أنه يصلح فقط فى أوقات الخطر الداهم خارجيا وداخليا وقد عبرناه، والحل الثانى بأن يشارك المواطنون فى الوصول إلى صيغة الحل المجتمعى، وخريطته وتفاصيله، وأساليبه، عبر فتح الباب أمام حرية الرأى والتعبير، وحرية الرأى، هى كلمة السر أمام أفكار خارج الصندوق وبدائل جديدة وقوة مجتمعية منظمة قادرة على الدفع الإيجابى. إليس الحوار الوطنى دليلا على هذا الحل؟

الأمل ثم الأمل وهذا لا يعنى أن نغرق فى الوهم، ولو دققنا النظر سنجد بشائر جيدة.