الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. مؤيد ومعارض على مائدة واحدة لأن مصر تتسع للجميع: الحوار الوطنى.. فرصة حقيقية لتعميق الديمقراطية

حقك.. مؤيد ومعارض على مائدة واحدة لأن مصر تتسع للجميع: الحوار الوطنى.. فرصة حقيقية لتعميق الديمقراطية

لم يتخلف أحدٌ عن المشاركة فى افتتاح جلسات الحوار الوطنى بعد إعلان كل التيارات السياسية عن مشاركتها فى الحوار، واتخذت الجلسات مسارًا جديًا فى النقاش بين المؤيدين والمعارضين دون حَجْر أو خطوط حمراء ووضعت كل قضايا الوطن على الطاولة واتضحت رغبة الجميع فى الوحدة والتعاون من أجل العبور بالوطن فى لحظة صعبة تشتعل فيها كل حدوده بالحديد والنار..



تتعقد فيها ملفات الإقليم بشكل ضاغط على مصر، فضلاً عن الإشكال الاقتصادى والأزمة الأوكرانية وتأثيرها الخطيرعلى الاقتصاد العالمى وارتفاع نسب التضخم فى كل دول العالم بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تعرُّض الولايات المتحدة وهى دولة عُظمَى تملك أعظم اقتصاد فى العالم وأقوى عُملة إلى ظاهرة إفلاس البنوك وانهيار المصارف رُغم كل محاولات الإنقاذ ورفع الفائدة لكبح جماح التضخم الآن الحل لا يزال غائبًا والأزمة مستمرة.

قبل ربع قرن أو أكثر كتب الكاتب الكبير صلاح الدين حافظ عن أزمة الديمقراطية فى مصر، وكان المدخل ضياع الفرص المتتالية لصنع انتقال ديمقراطى حقيقى والإشارة لأهمية أن يكون الإصلاح قادمًا من الداخل والتحذير مما سمّاهم بسماسرة الديمقراطية فى الخارج، ولذلك ووفق كثير من الشواهد وفى مقدمتها انفتاح الحوار الوطنى على الأصوات المعارضة والاستجابة لمطالبهم بالإفراج عن عدد من المحبوسين ممن لم يمارسوا العنف واستجابة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتوصية الإشراف القضائى على الانتخابات ونتيجة انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة وفوز خالد البلشى بمنصب نقيب الصحفيين، وهو واحدٌ من الأسماء المحسوبة على تيارات المعارضة واحتواء أچندة الحوار على عدد من الموضوعات التى ربما كان يعتبرها البعضُ من المحرمات السياسية أو خطوطًا حمراء لا يجب تجاوزها؛ إلا أن الحوار الوطنى اعتمد تلك الموضوعات للنقاش بهدف الاتفاق على تصور نهائى لحل تلك الإشكاليات ومن ثم تطوير شكل الممارسة السياسية المصرية فى الجمهورية الجديدة.

كل تلك الشواهد تؤكد أننا أمام فرصة لتحقيق مسار ديمقراطى حقيقى فى مصر وأن الانتقال إلى عصر الجمهورية الجديدة يرتبط بمسارات إصلاحية حقيقية وجادة تسعى لصنع المساحات المشتركة بين كل الفرقاء وأن مصر بالفعل وطن يتسع للجميع؛ مؤيدًا أو معارضًا.

تحتاج مصر إلى تجربة ديمقراطية يقوم بها جيل جديدٌ تتلافى أخطاء الماضى وتؤسّس لنخبة سياسية قادرة على توظيف تنوعها الفكرى والأيديولوچى لخدمة أچندة وطنية جامعة تقوم على الحفاظ على مكتسبات الدولة المدنية الحديثة، وتقطع الطريق على من يتاجرون بالدين ويدعمون التطرف.

وبالنظر مثلاً إلى أچندة لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة المنبثقة عن المحور السياسى فى الحوار الوطنى، نجد سبعة موضوعات من بينها أوضاع مراكز الإصلاح والتأهيل، واللوائح المنظمة لمراكز الاحتجاز والإشراف القضائى، بالإضافة إلى تعديل أحكام الحبس الاحتياطى وتقييد الحرية وقواعد التعويض عنهما والتحفظ على أموالهم والمنع من السفر، استئناف الجنايات، وحماية الشهود والمُبلغين، وحرية التعبير والرأى (أحكام حرية وسائل الإعلام والصحافة واستقلالها وحيادها وتعددها والعقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر والعلانية، وقانون حرية تداوُل المعلومات)، وقواعد وأحكام تشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها فى الخارج، وحرية البحث العلمى ومتطلباته، والعقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر والعلانية، الإبداع وحرية الرأى، وإنشاء مفوضية مستقلة للقضاء على التمييز.

والحقيقة؛ أن هذه القضايا تضمنتها الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان ووضعتها ضمن التحديات التى تواجه حالة حقوق الإنسان فى مصر، إلا أن وضعها على أچندة الحوار الوطنى يعنى أن هذه القضايا ستتم دراستها بشكل معمق من أجل وضع تصور أو خارطة طريق تشريعية لتحويل المبدأ إلى عمل تشريعى ينظم عملية التعامل مع الحقوق والواجبات ويضمنها بشكل قانونى للمواطن المصرى.

اعتماد تلك القضايا يعكس جدية الحوار الوطنى والثقة فى أن الدولة منفتحة على التعامل مع كل الملفات وهناك إرادة سياسية لحلها، وأنه لا توجد محرمات أو خطوط حمراء أمام أعضاء لجان الحوار والذين يعبرون عن تيارات سياسية متعددة  تشكيل كل ألوان الطيف السياسى المصرى.

وإن الدولة تتعامل بجدية مع اتفاق الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان على ضرورة تعديل أحكام الحبس الاحتياطى وتقييد الحرية وقواعد التعويض عنهما والتحفظ على أموالهم والمنع من السفر، استئناف الجنايات، وحماية الشهود والمُبلغين كلها ملفات كان للمجتمع المصرى مطالبات بتعديلها حتى تتوافق مع المعايير الدولية وتحقق المأمول منها وضمان تطبيق العدالة.

أمّا فيما يتعلق بحرية التعبير والرأى وحرية وسائل الإعلام والصحافة واستقلالها وحيادها فهى أمور تهم الجماعة الصحافية والإعلامية تتفق عليها الجماعة الصحفية التى تطالب منذ زمن بضرورة صدور قانون لتداوُل المعلومات يضمن للصحفيين الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية وتحقق للمواطن القدرة على الوصول إلى المعلومات الصحيحة، بالإضافة إلى العمل على تنقية الشريعات المصرية من العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر.

والحقيقة؛ فإن أوضاع حقوق الإنسان تشهد تقدمًا مُهمًا منذ إطلاق الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان، والإعلان عن الحوار الوطنى وتشكيل لجنة العفو الرئاسى وهى الأنشطة التى نالت إشادات دولية.

وينطلق الحوار الوطنى بالأساس من قاعدة الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتضم خطة زمنية تعهدت فيها الدولة بتعزيز الحالة الحقوقية وفى القلب منها الحريات العامة والتى رسخها الدستور المصرى ومواده التى تتحدث عن مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز، وجعل تكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع.

واتفقت القوى السياسية على أن الحريات وحقوق الإنسان هما أساس أى حوار وطنى جامع، وضمانهما يعكس جدية الدولة فى إنجاح هذا الحوار وتحقيق أهدافه.

بالتأكيد نحن أمام فرصة حقيقية لتوسيع مجالات النقاش خلال الحوار الوطنى؛ لبحث كل تلك القضايا من كل الزوايا ووضع كل وجهات النظر فى الحسبان.

تدقيق النظر فيما تشهده مصر وما انتهت إليه جلسات الحوار الوطنى نكتشف أننا أمام تأسيس حقيقى لتجربة ديمقراطية مصرية وفق تركيبة مختلفة تقودها عملية تفاوض اجتماعى تتم فى أجواء سياسية ضامنة لتمكين المرأة والشباب الطموح كشريك متضامن فى تحسين الأداء السياسى وقياس رضاء الشارع، وهو ما ظهر فى اهتمام الأحزاب بالتفاعل الاجتماعى مع الحالات الإنسانية الطارئة وجعل الأحزاب قريبة من الناس وخلق تفاعلاً بينهما، وشكل ضغطًا على نواب مجلس النواب من أجل نقل انتقادات الشارع للحكومة عبر البرلمان والتوسع فى استخدام الأدوات الرقابية لمساءلة الوزراء والحكومة، وإصدار تشريعات تتفاعل مع احتياجات فئات المجتمع، والأهم أنها تجربة مصرية خالصة تقود الإصلاح الديمقراطى.

ثم جاء قرار الحوار الشامل ليستكمل البناء السياسى للدولة المصرية خلال الأعوام المقبلة، ومن حُسن الطالع أن ينعقد تحت مظلة الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة لرئيس الجمهورية مصنع القيادات المصرية فى كل المجالات، وهو ما يعنى أن حوار التيارات السياسية سيكون حول المستقبل مع جيل جديد مؤهل وقادر على استكمال التجربة الديمقراطية ربما للمرّة الأولى فى تاريخ مصر الحديث.