الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. مآلات خائبة

الحقيقة مبدأ.. مآلات خائبة

كثيرة هى الطرق التى قد تتحرك عليها عجلات التاريخ؛ فإما هى محددة الأهداف ومحطات الوصول أو أنه تحرك بلا تخطيط مسبق ولا تعرف له نهاية.. وحتى محطات الوصول قد تحمل خيبات أو بعضا منها وقد تحمل نجاحات أو بعضا منها أيضا، فكتب الله على الشعوب أن يكون قادتهم هم أصحاب القول الفصل ودومًا الأخير حتى وإن ظنت الجموع أنها صاحبة القرار والحل والعقد، فهذا هو محض الخرافة بعينها والتى أحبت النفس الإنسانية أن تصدقها بل وترثها جيلا بعد جيل لعلها تجد فى ذلك ترضية لها عن تبعية لا ضير منها ولا شية فيها!



 

وإن بدا الكلام للقارئ الكريم مستهجنًا؛ فليسأل نفسه عن معنى قائد الثورة أو المفاوضين نيابة عن الشعب أو قائد التحرر الوطنى.. فكل السابقين هم من صاغوا أو شاركوا فى صياغة أفكار استطاعوا إقناع الجماهير بها ثم أكملوا السير على نفس الدرب ليقنعوا الجموع بأنهم خير من يمثلونهم فى التفاوض أو الثورة أو التحرر.. إلخ فى نهاية الأمر فإن أولئك الذين يقودون هم متخذو القرار الذى استطاعوا أن يزرعوه فى عقول الأغلبية وأن يقفوا أمام الأقلية باعتبارهم ممثلين عن الأكثرية وقادتها.

كل ما سبق بقدر ما يصطبغ بالفلسفة بقدر ما هو مقدمة لما نلمسه الآن فى السودان، فلسنا فى موقف المشاهد أو المتابع بل نحن فى مصر على خط التماس الذى يمتد على طول حدودنا الجنوبية الكاملة ودون أى شريك ما يجعل كل حراك سودانى ومهما كان صغيرا هو بالطبع مؤثر على مصر بشكل أو بآخر؛ ولكن قبل القفز على نتائج أو تحليلات يجب علينا مراجعة القوى المؤثرة على مصير السودان سواء داخلية أو خارجية تعمل فى الداخل وعلى الأرض أو قوى دولية تؤثر أو تحاول التأثير وهى على تمام العلم بأنه سيؤثر سلبا على الجوار السودانى!

 قوى فاعلة 

1 - القوات المسلحة السودانية والتى تحاول أن تحمى السودان من الانجرار إلى الحرب الأهلية بمعناها الشامل والحيلولة دون انفصال الأقاليم السودانية وتقسيمها.

2 - ميليشيات الجنجويد والتى ساعدت فى السيطرة على تمرد دارفور إلا أنها سيطرت أيضا على مناجم الذهب فى هذا الإقليم وتاجرت فيه دون أى تدخل أو سيطرة من الحكومة المركزية فى الخرطوم وذلك بموافقة «عمر البشير».

3 - تنظيم الإخوان المسلمين والذين لا يزالون يعملون على إفشال ثورة 2019 وإفساد علاقة السودان بأشقائه العرب، خاصة مصر ومن ثم العودة مرة أخرى للحكم فى الخرطوم.

4 - القوى المدنية الديموقراطية السودانية التى تهدف بإخلاص لنفس ما تحاول الوصول له القوات المسلحة السودانية إلا أن طموح الميليشيات ومكائد الإخوان استطاعت أن تفكك هذه اللُحمة الوطنية (على الأقل حتى الآن).

5 - ميليشيات «فاجنر» الروسية التى لها علاقة وثيقة بميليشيات الجنجويد لمصالحهما المشتركة فيما يتعلق بتجارة الذهب. 

6 - القوى الإقليمية التى ترى فى الجنجويد شريكا يسهل التعامل معه فى استغلال الثروات السودانية بأقل تكلفة وكذا السيطرة على قراره السياسى باعتبارهما شركاء من الثروة إلى الحكم.

7 - الغرب الذى لا يريد استقرارًا فى السودان يهدد مصالحه فى استغلال الثروة وفى خلق نقطة توتر على الحدود المصرية قد تصبح فخًا لجر القاهرة للتدخل فى الحرب الدائرة حاليا؛ والذى من شأنه إجهاض التجربة المصرية وخلق بلبلة عربية - عربية.

تدخلات غير مطلوبة 

قد يظن البعض أنه على مصر أن تتدخل بشكل واضح وفعال فى هذا الصراع الدائر؛ لكن نسى هؤلاء أن أى تدخل مصرى سيعطى الحق لقوى إقليمية أخرى أو لقوى غربية أن تتدخل بدورها انحيازًا لحلفائها أو شركائها من الأطراف السودانية المتصارعة فضلًا عدم إشغال مصر أو توريطها فى حرب خارج أراضيها أن لم تستنزف مواردها الاقتصادية وتلهى القاهرة عن مشروعها التنموى فإنها ستفسد علاقة مصر ببعض من أشقائها الإقليميين الذين قد يميلون لأطراف أخرى وفوق ذلك قد يضع القاهرة فى موقف حرج على الصعيد الدولى والإفريقى الذى قد ينظر إليها كقوات غازية أو محتلة لا كقوة تحمى بعدها الاستراتيجى المتمثل فى شقيقتها السودان.

قد يرى بعض آخر أنه على روسيا التى تمتلك علاقات قوية مع البرهان أن تبدأ فى مساعدته متخلية عن علاقتها القوية أيضًا بحميدتى نظرا لأن الأخير له علاقات متينة مع واشنطن! وبالقطع إن تحركت موسكو على هذا الطريق تكون قد خطت إلى فخ عسكرى وسياسى لن تستطيع أن تنقذها منه بكين صديقتها الأقرب بل إنه سيضع موسكو فى أسوأ دوائر الاتهام.

 خيارات متاحة 

الحرية والسيادة والكرامة.. ثلاث كلمات تمثل مبادئ حركات التحرر الإفريقى، قارتنا المنكوبة والمستنزفة ثرواتها، فبالرغم من ثرائها الشديد فإنها ما زالت ترزح تحت أثقال الفقر ومشدودة إلى نير الاستنزاف من الغرب وكأنها لم تستوعب الدرس حتى الآن، لا أحد يريد نهضة إفريقيا ولا أحد يريد للأفارقة أن يستغلوا ثرواتهم بعيدًا عن سيطرة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وما زالت إسرائيل تعبث فى الداخل الإفريقى لضرب العلاقات بين القاهرة وبقية العواصم الإفريقية.

فلا حل سوى بوحدة إفريقية حقيقية ولا حل سوى عودة الثقة الكاملة بأن مصلحة القارة من مصلحة مصر والعكس بمنتهى الجلاء. 

لن يتوقف ما يحدث بالسودان إلا بوساطة مصرية كاملة الصلاحيات وبتفويض إفريقى كامل، تشكيل قوة إفريقية مشتركة خالصة - دون أدنى تدخل من أى دولة غربية - وبمشاركة قوة عربية تشكل من داخل جامعة الدول العربية لإرساء وضمان وقف إطلاق النار مع آلية موضوعة مسبقًا لعقوبة أى طرف يخرق الهدنة.. حتى وإن بدا هذا حلمًا قديما إلا أنه خيار منطقى وحيد ومتاح ولا تنقصه سوى الإرادة الحقيقية.

خلاصات لازمة

إن التجربة العربية الأخيرة والمتعلقة بالتحرر من سيطرة الدولار على جوانب من الاقتصاد العربى لا يجب أن يصور أحد أن واشنطن ستمررها بسلام، بل إنها ستعمل جاهدة لإجهاضها وعقاب الدول الثلاث التى تحاول تعميمها، فواشنطن على يقين بأن مصر والإمارات والسعودية ستعمل على تعميم التجربة عربيًا وأن مصر لن يغمض لها جفن حتى تعمم التجربة إفريقيا خاصة فى ظل جهد القاهرة لتفعيل السوق الإفريقية المشتركة.. الآن تحاول واشنطن جر الشقيقات الثلاث لحرب داخل السودان وفك الارتباط والشراكة فى الرؤى الاقتصادية والسياسية بين القاهرة وأبوظبى والرياض.

أوروبا تريد تعويض خسائر الحرب الروسية - الأوكرانية عن طريق الذهب السودانى الذى قد يتدفق إليها بطريقة أو أخرى وبالقطع بأسعار أقل كثيرًا من السعر العالمى.

إسرائيل هى الأسعد بما يحدث فهو بالقطع يبعد عنها الأنظار فى ظل مجازر تقوم بها حتى لحظة كتابة هذا المقال تجاه الشعب الفلسطينى إضافة إلى تواجدها الكثيف فى إفريقيا لنهب ثرواتها.

تنظيم الدولة الإسلامية المتواجد بقوة فى الغرب والوسط الإفريقى سيجد له حاضنة جديدة وخصبة وبالطبع مليئة بالثروة جنوب مصر وليبيا والجزائر.

ليست مقدمة المقال لإبخاس دور الشعوب أو التقليل من تأثيرها بل العكس بذاته؛ فعلى الشعوب أن تستوعب أن الحاكم الرشيد هو من يبحث فقط عن مصلحة شعبه ووحدة أراضيه، أما فاقد الرشد فهو من يحرك الجيوش أو يجيش العقول للفرقة والانقسام أو احتلال أرض الآخرين واستغلال ما لا يحق له، فصلاح أمر الحاكم من صلاح مآربه أما وإن فسد خُلُقه وسقط عنه ما فيه صالح الناس (كل الناس) كانت مآلاته دوما خائبة.