الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تحركات حازمة وأوقات حاسمة ماذا يحدث فى «السودان»؟!

 استيقظ «السودان» مطلع الأسبوع الماضى على اندلاع اشتباكات عنيفة بين ليلة وضحاها بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع فى العاصمة وأماكن أخرى، رغم سنوات من المفاوضات والتهدئة، مما أثار مخاوف من نشوب صراع أوسع، ودفع الدول والمنظمات حول العالم للمناشدة بوقف القتال، فيما توالت المبادرات الساعية لإنهاء الأزمة فى «السودان».



 

اليوم الأول للأزمة

اندلع القتال بين الجانبين السبت الماضى، بعد أن حاولت ميليشيا الدعم السريع مهاجمة قوات الجيش السودانى فى الجزء الجنوبى من العاصمة، فى محاولة للسيطرة على مواقع استراتيجية فى «الخرطوم»، بما فى ذلك القصر، حسبما أفاد بيان الجيش السودانى. 

وأوضح البيان أن الجيش السودانى لم يبدأ بالعدوان فى الاشتباكات العسكرية الجارية ضد ميليشيا الدعم السريع؛ ملقيًا بالمسئولية على -ما وصفه- بالأطماع الشخصية لقيادة الدعم السريع. 

كما أكد المتحدث باسم الجيش السودانى أنهم سيحاولون حسم المعركة بأسرع ما يمكن، والتصدى إلى أى محاولة غير مسئولة، آملين فى أن تكون الغلبة لصوت العقل والحكمة. 

من جانبها، أشارت ميليشيا الدعم السريع إلى استيلائها على مطار الخرطوم، ومطار «مروى» شمالى البلاد، والقاعدة الجوية الملحقة به، وهو ما نفاه الجيش السودانى.

يذكر، أنه مع اندلاع القتال، تركزت الأنظار على ثلاثة مطارات استراتيجية، سارع الطرفان لفرض السيطرة عليها، وهي: مطار الخرطوم الدولى، ومروى فى شمال السودان، والأبيض فى ولاية شمال كردفان فى غرب البلاد. وعليه، تم تعليق جميع الرحلات بمطارِ الخرطوم الدولى جراء الاشتباكات.

فى الوقت ذاته، تم إغلاق كافة الطرق، والجسور المؤدية إلى العاصمة  «الخرطوم»، بالإضافة إلى إيقاف العملية التعليمية هناك، وإغلاقِ مبنى الإذاعة والتليفزيون، فيما شهدت مناطق عدة انقطاعًا جزئيًا للكهرباء، بالإضافة إلى إظهار بعض لقطات الفيديو لحظات اشتعال النيران وتصاعد أعمدة الدخان من أحد مقرات ميليشيا الدعم السريع فى «الخرطوم».

ومن ثم، أعلن الجيش السودانى سيطرته على مقر رئاسة ميليشيا الدعم السريع بالقرب من القيادة العامة.

على الصعيد الداخلى للسودان، دعا (حزب المؤتمر السودانى) إلى التهدئة، وفتح قنوات الحوار، وعدم جر البلاد لحرب شاملة، بينما ناشد (حزب الأمة السودانى) قيادة الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع بالوقف الفورى لإطلاق النار فى كل مواقع الاشتباك، وتكوين لجنة مشتركة للاتفاق حول التهدئة، ومنع انفلات الأوضاع الأمنية، فيما أكد (ملتقى لجان المقاومة السودانية) وقفته وتضامنه الكامل مع القوات المسلحة فيما يجرى، حتى لا تدخل «السودان» فى حرب أهلية.

أما على الصعيد الدولى، فقد أعرب الرئيس «عبدالفتاح السيسى» - فى اتصال هاتفى مع أمين عام الأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» - عن قلق «مصر» البالغ من تطورات الموقف فى السودان الشقيق، مؤكدًا خطورة التداعيات السلبية لتلك التطورات على استقرار «السودان»، الذى يمر بلحظة تاريخية دقيقة، تستدعى أقصى درجات الحكمة وضبط النفس، مطالبًا الأطراف السودانية بتغليب لغة الحوار والتوافق الوطنى، وإعلاء المصالح العليا للشعب السودانى الشقيق.

من جانبه، أكد «جوتيريش» حرصه على التواصل مع الرئيس «السيسى» فى ظل الدور الفاعل والمحورى لمصر فى صون الأمن والاستقرار فى المنطقة، خاصة ما يتعلق بدعم المسار الانتقالى فى «السودان»؛ داعيًا كافة الأطراف السودانية لوقف الأعمال العدائية، واستعادة الهدوء، وبدء الحوار لحل الأزمة الراهنة.

فى سياق مشابه، تواصل المنسق الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية «جوزيب بوريل» مع وزير الخارجية «سامح شكرى»، للتشاور والتنسيق بشأن التطورات الجارية فى «السودان»، حيث أطلع «شكرى»، «بوريل» على الجهود التى تبذلها «مصر» منذ بداية اندلاع الأزمة لوقف العنف الدائر، ودعوتها جميع الأطراف لضبط النفس ووضع حد للمواجهات المسلحة. 

من جانبه، أكد «بوريل» دعم «الاتحاد الأوروبى» لجهود «مصر»، والحرص على التنسيق معها خلال الفترة المقبلة للعمل على وقف العمليات العسكرية الجارية فى «السودان».

وفى السياق الإقليمى، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية «أحمد أبوالغيط»، عن عميق القلق والانزعاج إزاء العمليات القتالية الدائرة بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع، مشددًا على ضرورة وقف التصعيد وحقن الدماء بشكل فوري، مضيفًا إن الأمانة العامة على استعداد للتدخل مع الأطراف لتحقيق ذلك.

أما رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى «موسى فقى محمد»، فدعا إلى وقف إطلاق النار فى «السودان»، مشيرًا لخروج الوضع عن نطاق السيطرة بشكل خطير، داعيًا جميع مكونات المجتمع الدولى على توحيد جهودها، لدفع الطرفين إلى الوقف الفورى للأعمال العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الأزمة بشكل مرض للجميع.

كما أصدرت الهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد» الإقليمية فى شرقى «إفريقيا» -التى تضم ثمانى دول من بينها «السودان»- بيانًا ذكر، أنه: «يشعر الأمين العام «وركنيه جيبيهو» بقلق بالغ إزاء التقارير التى تفيد بالقتال فى أجزاء مختلفة من «الخرطوم».. ويحث كلا الجانبين على التوقف فورًا عن القتال، وحل خلافاتهما من خلال الحوار».

أما على المستوى الدولى، فدعا وزيرا خارجية «الولايات المتحدة، وبريطانيا» إلى وقف فورى للعنف فى «السودان»، بعد اجتماع على هامش قمة مجموعة السبع فى «اليابان».. حيث قال وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن»، إن هناك اتفاقًا على الحاجة إلى وقف فورى لإطلاق النار والعودة إلى المحادثات، مضيفًا  أنه ثمة قلق عميق مشترك بشأن القتال، والتهديد الذى يشكله على المدنيين وعلى «السودان»، والذى قد يشكله -أيضًا- على المنطقة.

من جانبه، دعا وزير الخارجية البريطانى «جيمس كليفرلي» إلى وضع السلام أولًا، ثم إنهاء القتال والعودة إلى المفاوضات، لأن هذا ما يريده شعب «السودان» ويستحقه.

الأمر نفسه دعت إليه وزارة الخارجية الألمانية، حيث أكد المتحدث باسم الوزارة تشكيل لجنة أزمة لبحث الوضع فى «السودان»؛ بينما أشارت «فرنسا» إلى جاهزيتها لتسهيل الخروج من الأزمة والتشجيع على حل سياسى مع شركاء «السودان» الآخرين.

كما دعت وزارة الخارجية الروسية جميع الأطراف فى السودان إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لوقف الأحداث المقلقة فى البلاد، مطالبة بإظهار الإرادة السياسية ووقف إطلاق النار.

هذا، وقد أعربت العديد من الحكومات العربية والدولية عن قلقها البالغ لأزمة «السودان»، واستعدادها التام لمد يد العون لحل الأزمة بصورة سلمية

اليوم الثانى للأزمة

احتدمت الأزمة أكثر فأكثر فى اليوم الثانى من الاشتباكات العنيفة بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع فى تسع ولايات.

ففى البداية، أعلن الجيش السودانى أنه لا صحة لادعاء -من وصفهم- بالمتمردين باستيلائهم أو مجرد اقترابهم من أى من مقار القيادة العامة، مؤكدًا أن عناصر تابعة للدعم السريع تسلم نفسها وعتادها للقوات المسلحة، فى الوقت الذى تمت فيه السيطرة على عدد من القواعد التابعة لميليشيا الدعم السريع بكامل أسلحتها، والسيطرة على قواعد الدعم السريع فى كل من: «بورتسودان، وكسلا، والقضارف، والدمازين، وكوستى، وكادوقلى، ومعسكر كررى بشمال أم درمان».

جاء ذلك، فى ظل وقوع قتال عنيف فى مقر الجيش فى العاصمة «الخرطوم»، مما تسبب فى اشتعال النيران فى أجزاء من المبنى، وفقًا لبيان الجيش السودانى الصادر يوم الأحد الماضى.

وعليه، قرر الجيش السودانى أنه لا تفاوض ولا حوار قبل حل وتفتيت ميليشيا الدعم السريع المتمردة، ليعلن -فى وقت لاحق- سيطرته على أكبر قاعدة لميليشيا الدعم السريع فى «كرري»، والسيطرة على كل آلياتها وأسلحتها. 

كما دعا الجيش عناصر الدعم السريع إلى الانضمام لصفوفه، مؤكدًا لهم أنهم سيجدون ما يستحقونه من تأهيل وتقدير، معتذرًا عن الظروف الصعبة التى يعايشها شعبهم خلال هذه الأيام؛ ملقيًا باللوم على تمرد قيادة الدعم السريع غير المبرر على الدولة.

فى غضون ذلك، دعت «مصر» إلى وضع حلول سلمية للخروج من الأزمة الحالية بالسودان، وضمان تحقيق استقرار البلاد. 

جاء ذلك فى كلمة نائب مندوب «مصر» لدى جامعة الدول العربية فى الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية الطارئة على مستوى المندوبين الدائمين لبحث تطورات الوضع فى «السودان»، بناءً على طلب «مصر، والمملكة السعودية».. حيث أشار مندوب «مصر» إلى أن التوقيع على الإعلان الدستورى وضع أساسًا لشراكة قوية بين المكونات فى الحكم، مؤكدًا أن «مصر» لم تتوان عن تقديم كافة سبل الدعم للسودان، سعيًا للمرور بهذه المرحلة الحساسة، تحقيقًا لمصالح الشعب السودانى 

وأضاف أن كل هذا مهدد نتيجة الأزمة الراهنة، التى تعد إهدارًا لثمار التضحيات التى قدمها الشعب السودانى، من أجل الحرية والديمقراطية والازدهار؛ قائلًا، إن:  «مصر» تواصل دعمها لنموذج «السودان» القائم على الشراكة بين المدنيين والعسكريين، ووضع الأسس الصلبة لنظام ديمقراطى راسخ ومستقر». 

فى السياق ذاته، دعا مجلس جامعة الدول العربية إلى ضرورة الوقف الفورى لكافة الاشتباكات بالسودان، والعودة السريعة إلى المسار السلمى لحل الأزمة، مؤكدًا استعداد الجامعة لبذل كافة المساعى لمعاونة «السودان» على إنهاء الأزمة بشكل قابل للاستدامة. 

كما دعا المجلس -أيضا- السفراء العرب فى «الخرطوم» للتحرك من أجل المساهمة فى استعادة استقرار الأوضاع بالبلاد عبر الاتصال بكل الأطراف؛ محذرًا من خطورة التصعيد العنيف، الذى يشهده «السودان»، وما يصاحب ذلك من تداعيات خطيرة يصعب تحديد نطاقها داخليًا وإقليميًا.

من جانبهم، دعا زعماء مجموعة دول شرق إفريقيا، إلى إنهاء التصعيد فى «السودان»، وعودة الهدوء والسلام فى البلاد. وقالت الرئاسة الكينية فى بيان، إن أعضاء منظمة «إيقاد» عقدوا جلسة افتراضية طارئة، مطالبين بوقف فورى للأعمال العدائية فى «السودان».

أما مجلس الأمن، فأعلن عن جلسة طارئة الاثنين لبحث التطورات فى «السودان»؛ داعيًا طرفى الصراع إلى وقف القتال والعودة للحوار.

جاء ذلك فى الوقت الذى ناشدت فيه «الصين» طرفى الصراع فى «السودان» بإنهاء القتال فى أقرب وقت ممكن ومنع تصعيد التوترات.. حيث قال المتحدث باسم الخارجية الصينية إن «بكين» تتابع عن كثب آخر تطورات الوضع فى «السودان»، معربًا عن أمل «الصين» فى أن يكثف طرفا النزاع الحوار، وأن يمضيا قدمًا بشكل مشترك فى عملية الانتقال السياسى

اليوم الثالث للأزمة

تواصل القتال فى العاصمة السودانية صباح الإثنين الماضى لليوم الثالث على التوالى بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع، مع سماع إطلاق نار ودوى انفجارات فى العاصمة «الخرطوم»، وأنحاء مختلفة من البلاد؛ فيما توالت الدعوات الدولية إلى وقف القتال المتواصل.

ومنح سلاح الجو الجيش السودانى التفوق فى معاركه، التى يتصدى فيها للتحرك المسلح لميليشيا الدعم السريع. كما استعاد الجيش السيطرة على منشآت مهمة فى العاصمة، التى شهدت اشتباكات بالمدفعية الثقيلة والأسلحة النارية.

كما أتاحت هدنة لمدة ثلاث ساعات يوميًا أقرها الجيش السودانى وقبلت بها الميليشيا مسارات آمنة وفرصة للمسعفين والمرضى للوصول إلى المستشفيات. 

ومع تصاعد الأحداث على مدار ثلاثة أيام، وجه رئيس الوزراء السودانى السابق «عبدالله حمدوك» رسائل فى مناسبتين، إلى كل من الجيش السودانى، وميليشيا الدعم السريع، والشعب السودانى، والمجتمع الدولى، تمحورت حول ضرورة وقف القتال وتلاحم مكونات المجتمع، وتحرك محبى السلام للتهدئة.

من جانبه، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربى «أحمد أبوالغيط» فى مكالمة هاتفية مع «حمدوك» عن اقتناعه، بأن الخروج من الأزمة الخطيرة التى يمر بها «السودان» يتطلب من كافة مكونات الطيف السياسى، من المدنيين أو العسكريين، التكاتف والعمل معًا، وأن المرحلة الدقيقة الحالية تقتضى إعلاء المصلحة العامة للبلاد، والترفع فوق المكاسب السياسية الضيقة. 

كما أوضح المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية أن «أبوالغيط» يجرى -فى الآونة الأخيرة- عددًا من الاتصالات عالية المستوى، بحثًا عن سُبل لوقف التصعيد العسكرى الحالى، ولاستعادة الحوار بين الأطراف فى السودان.

وبالنسبة للسلطات المصرية، التى واصلت اهتمامها عن قرب بالأزمة السودانية على مدار الساعة، فقد بحث وزير الخارجية «سامح شكري» -فى اتصالين هاتفيين مع نظيره من «جيبوتي» «محمود على يوسف»، والقائم بأعمال وزير خارجية جنوب السودان «دينج داو» تطورات الأزمة فى «السودان». 

وأكد «شكرى» أهمية التعامل مع النزاع الجارى، باعتباره شأنًا داخليًا، مع النأى عن التدخل فيه بصورة تفاقم من حدة النزاع، وهو ما أمن عليه المسئولان الجيبوتى والجنوب سودانى

كما شدد «شكري» -أيضًا- على ضرورة تكامل كافة الجهود للحفاظ على استقرار وسلامة  دولة  «السودان» وشعبها، وضرورة التركيز على التوصل لوقف فورى لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة؛ مبرزًا الجهود التى تضطلع بها الجامعة العربية فى هذا الشأن، منذ عقد الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة فى الـ16 من أبريل الجارى، أى باليوم الثانى للأزمة.