الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. الحرب العالقة

الحقيقة مبدأ.. الحرب العالقة

لا يبدو أن هذا المصطلح معتاد بل هو بالقطع جديد على ذهن أى قارئ.. نعم نستطيع الآن أن نصف حروبًا بأنها عالقة،  فهى ليست أوضاعًا مشابهة لحالات اللا سلم واللا حرب، بل هى حروب مأزومة لا تعرف أطرافها طريقاً للخروج أو إنهاء الصراع المسلح، وهنا نقصد الحرب الروسية الأوكرانية، أو أنها سلسلة طويلة من الصراعات المسلحة غير المنتهية وغير المحسومة بسبب تعقيدات التفاعلات السياسية المرتبطة بها إقليميًا ودوليًا فتدوم لعشرات السنوات دون حسم وهنا المقصود هو الصراع العربى الصهيونى.. وفى الحالتين النتيجة المستمرة هى لا خاسر، ولا رابح وتظل الحرب عالقة فى محاولات مجهدة ويائسة من كافة الأطراف لإنهائها بحلول نصف مُرضية.



 

بلا غضب ساطع

عذرًا فيروز فلم يأت الغضب الساطع حتى الآن وحتى بعد مرور عشرات السنوات ولم تتشكل القوات العربية المشتركة والمقاومة فقدت أشرف رجالها بالخيانة أحيانًا، وبالزمن أحياناً أخرى ولم يبق منها سوى قلة من المؤمنين بالحلم وكثرة يحركهم المال أو تتلاعب بهم السياسة.

عودة بسيطة للعام 2022 قد توضح بعضاً من معانٍ كثيرة، فى يوليو 2022 رفع السيد حسن نصرالله سقف التحدى بتهديده استهداف منصات الغاز الطبيعى البحرية الإسرائيلية إذا باشرت إسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل التوصل إلى اتفاق حدودى بحرى مع لبنان، وبعد ذلك بوقت قصير، أُسقطت ثلاث طائرات مسيّرة تابعة لـ «حزب الله» كانت فى طريقها إلى منصة كاريش. وعلى الرغم من أن التحقيقات اللاحقة أشارت إلى أنها لم تكن مسلحة، إلا أن الرسالة كانت واضحة؛ فقد حذر نصر الله من أن هذه الطائرات المسيّرة هى «مجرد البداية» وتعهد بخوض حرب بشأن مسـألة الغاز إذا لزم الأمر. وتابع «حزب الله» ذلك بـ فيديو دعائى يظهر لقطات بطائرة بدون طيار لحقل كاريش يتم استهدافه بسلاح ما على ما يبدو.

وكان استعداد نصر الله للمخاطرة بمواجهة إسرائيل مدفوعاً جزئياً بالضغوط الاقتصادية والسياسية المحلية - ولا شك أنه استمتع بفرصة إخبار الشعب اللبنانى بأن أسلحة «حزب الله» قد وفرت حماية لنقل النفط من إيران وأمّنت التوصل إلى اتفاق أفضل حول الحدود البحرية وحقل الغاز. ومع ذلك، بدا أنه يعتقد أيضاً أنه من غير المرجح أن ترد إسرائيل على تهديداته بطريقة جادة نظراً لترسانة «حزب الله» من الصواريخ الدقيقة وأنظمة الدفاع الجوى الكبيرة، بل قدّر أن إسرائيل ستقلص رحلات طائراتها المسيّرة وستمتنع عن مهاجمة شحنة النفط الإيرانية، وستؤجل استخراج الغاز إلى أن يتم إبرام الاتفاقية البحرية - وفى كل حالة كان تقييمه صحيحاً. إلا أن السؤال الذى يتداوله محللو الاستخبارات الإسرائيليون الآن هو ما إذا كانت هذه السلسلة من التقييمات الدقيقة قد شجعت نصر الله على القيام بمخاطر/ مجازفات أكبر! أما السؤال الذى يتداوله المحللون اليساريون العرب فهو هل نصر الله هكذا يضع ضغوطًا على إسرائيل قد ترغمها على تنازلات لصالح لبنان أو القضية العربية أم أنها تأمين لمصالح طهران فى المنطقة؟! 

وكلا السؤالين مشروعين بالقطع. 

نتحرك إلى 6 مارس 2023 أى قبل أسبوع من تفجير مجيدو، تحدث السيد حسن نصر الله فى أن «حزب الله» قد قيّد حرية إسرائيل فى التصرف لمهاجمة الحزب، من خلال استعادة عملية «توازن الردع». وفى إشارة إلى الاضطرابات السياسية المستمرة فى البلاد، وأعلن أن إسرائيل على شفا حرب أهلية، وخلص إلى أن «جميع المؤشرات تشير إلى نهاية» الدولة اليهودية.

وبالإضافة إلى التفجير، شهد شهر مارس تقارير متزايدة عن مضايقات عبر الحدود ضد الإسرائيليين، مثل توجيه أشعة الليزر على السائقين والمنازل، وإطلاق انفجارات مدوية على الحدود اللبنانية، وصب مياه الصرف الصحى باتجاه البلدات الإسرائيلية. كما عطّل «حزب الله» الجهود الإسرائيلية لتعزيز الحاجز الأمنى فى عدد من المواقع على طول «الخط الأزرق».

وتشير هذه الخطوات المتسلسلة - إلى جانب إحساس متنام لدى السيد نصرالله بردع إسرائيل وإضعاف موقفها العسكرى - إلى أن «حزب الله» سيستمر فى محاولة تحريك الأهداف للأمام ومن الجانب الإسرائيلى، تعهد وزير الدفاع الاسرائيلى (المُقال)، يوآف غالانت، بأن «المسئول عن الهجوم سيندم على فعلته. سنجد المكان والزمان المناسبين وسنضربهم»، ويمكن أن يتأثر القرار بشأن هذا الرد ليس بالاعتبارات الأمنية فحسب، بل بتشكيلة الحكومة المتشددة ورغبتها فى تخفيف حدة الأزمة الداخلية فى إسرائيل أيضاً. بعبارة أخرى، توفر عوامل متعددة على كلا الجانبين فرصاً كبيرة لسوء التقدير والتصعيد أحياناً غير المحسوب.

حماس.. حماس

هل فَتُر حماس حركة حماس، أم أنهم تعلموا من المصريين ضبط النفس واستخدام أوراق السياسة دون صخب! من غير المرجح أن تخاطر حركة حماس بالدخول فى حرب شاملة ضد إسرائيل من غزة كما فعلت فى عام 2021، وذلك رغم الفرصة المتاحة لديها لتوسيع نفوذها بشكل فعال فى الضفة الغربية.

فى تصريح تليفزيونى حديث، ألمح مروان عيسى، نائب القائد العام لـ«كتائب القسام»، الجناح العسكرى لحركة «حماس»، إلى تصعيد محتمل من قطاع غزة ردًا على الإجراءات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، بل أعلن عيسى أن إعطاء الأولوية لمقاومة الضفة الغربية والقدس لا يعنى أن «غزة ستبقى صامتة»، وحذر من أن يؤدى تغيير الوضع الراهن فى المسجد الأقصى إلى حدوث «زلزال» يضرب المنطقة بأسرها.

يكشف هذا التصريح الجرىء الذى صدر فى بداية شهر رمضان المبارك، عن إمكانية تجدد التهديد من قطاع غزة، ما يذكرنا بنزاع مايو 2021 حين شنت «حماس» هجمات صاروخية مفاجئة على القدس وتل أبيب ردًا على أعمال إسرائيل فى القدس الشرقية والمسجد الأقصى آنذاك، ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 11 يومًا.

لكن الوضع الحالى يبدو فريدًا نوعًا ما مع تطور «حماس» وتكتيكاتها فى الضفة الغربية، ويبدو أن «حماس»، فى صراعها المستمر مع إسرائيل، أصبحت تفضل بشكل متزايد نهجًا دقيقًا، ولكن أكثر فاعلية، بحيث تصعد العنف فى الضفة الغربية تدريجيًا لتحدى إسرائيل من جهة وسحب البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية الحالية من جهة أخرى أو أنه تنسيق متناغم ولعب أدواراً متوازية مع تحركات أو تصريحات السلطة. الأكيد أن هذا التكتيك أكثر جاذبية بكثير من شن حرب شاملة عبر جبهة غزة، بما أن التكاليف قد تفوق الفوائد المحتملة خاصة فى ظل حركة إعادة الإعمار سريعة الوتيرة التى تقودها مصر هناك.

حراك أم ترتيب أوراق!

وفى أوائل العام 2022، أطلقت موجة من الهجمات الفلسطينية القاتلة شرارة حملة عسكرية إسرائيلية أطلقت عليها تسمية «كسر الموجة»، بدأت فى 31 مارس 2022. ومن خلال الحملة، نفذت إسرائيل غارات شبه يومية لاعتقال الفلسطينيين وسلسلة واسعة من المصادرات.

لكن مع بدء هذه التطورات، شهدت الضفة الغربية بروز جماعات مقاومة جديدة وتصعيدًا فى عنف المستوطنين. فالتصعيد الأخير فى الصراع المسلح والجمود الحالى فى الحوار السياسى الفلسطينى الإسرائيلى يوفران الآن لـ«حماس» فرصة لإعادة تنظيم الصفوف داخل الضفة الغربية، بينما تشهد السلطة الفلسطينية تراجعًا فى سيطرتها على مناطق من الضفة الغربية، بما فى ذلك نابلس وجنين، كما لم يؤدِ المشهد الداخلى الفوضوى فى إسرائيل إلا إلى زيادة التوترات، بالإضافة إلى ذلك، فإن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتى تفاخر بدعمها غير المسبوق للمستوطنين، تؤزم الوضع المتوتر أصلًا، ونتيجة لذلك أصبحت الضفة الغربية ساحة معركة للاشتباكات المتكررة وسقوط ضحايا فلسطينيين كل أسبوع تقريبًا.

تصعيد متوتر وخوف متبادل

إذا استمرت الإجراءات الاستيطانية الإسرائيلية العدوانية فى الضفة الغربية، سيتحول المنظور الفلسطينى تدريجيًا نحو الانتفاضات العامة والمسلحة، تنسجم هذه البيئة مع استراتيجيات المقاومة والمتجذرة بعمق فى مبادئ محاربة الاحتلال الإسرائيلى والسعى لتحرير فلسطين، كما يبدو أصلًا أن فلسطينيى الضفة الغربية يصبحون على ثقة أكثر بأن المقاومة المسلحة هى السبيل الوحيد لتحدى توسع المستوطنات، لا سيما مع استمرار الجمود فى حقبة ما بعد اتفاقات أوسلو، خاصة بعد ظهور مجموعة «عرين الأسود»، وهى جماعة مسلحة ظهرت فى نابلس فى أواخر العام 2022 واكتسبت شعبية فلسطينية واسعة النطاق ومع أن «كتائب القسام» بدأت تظهر علنًا إلى جانب فصائل مسلحة أخرى أكثر نفوذًا فى شمال الضفة الغربية، مثل «كتائب الأقصى» التابعة لـ«فتح» وأعضاء حركة «الجهاد الإسلامى الفلسطينية».

رهانات الحكومة الإسرائيلية الحالية على إقامة علاقات جيدة أو على الأقل هادئة مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية أصبحت مهددة ببوادر المصالحة بين طهران والرياض خاصة إذا تمت بشكل كامل دون شروط سعودية بعدم استكمال البرنامج النووى الإيرانى - إذ لم يكن قد اكتمل بالفعل - فبذلك سيكون أى تهديد إيرانى لدول الخليج قد أصبح من الماضى. 

عودة سوريا إلى الطاولات العربية يخلق توترًا لدى حكومة نتنياهو خاصة وهو على يقين من أن الدعم العسكرى الإيرانى لسوريا لن يتوقف وأن دور القاهرة فى المشرق العربى فى نمو دائم خاصة إذا تمت مصالحة شاملة بين أنقرة والقاهرة، ما يعنى عودة تحالف تاريخى بين بغداد ودمشق والقاهرة قد تنضم إليه الجزائر، يأتى هذا فى وقت تنشغل فيه واشنطن بحربها المأزومة فى أوكرانيا وهزائم الدولار أمام مجموعة بريكس، ما يجعل إنقاذها لحكومة نتانياهو ليس فى قمة الأولويات، بل تراها واشنطن حِملاً آن أوان التخلص منه ولو مرحلياً.