الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فور صدور تقارير تفيد بانخفاض النمو الاقتصادى العالمى هل يتجه العالم نحو الركود؟

 «من المحتمل أن يعانى الاقتصاد العالمى من عقد ضائع.. فالانخفاض المستمر فى توقعات النمو، له تداعيات خطيرة على قدرة العالم على مواجهة مجموعة متزايدة من التحديات التى يتسم بها عصرنا، مثل: تزايد الفقر، والفجوة فى مستويات الدخل، وتغيُّر المناخ».. كان هذا تصريح كبير الاقتصاديين فى (البنك الدولي) ونائب الرئيس الأول لاقتصاديات التنمية  «إندرميت جيل»، الذى قاله فور صدور تقرير (البنك الدولي)، الذى حذر -بدوره- من أن النمو المحتمل للاقتصاد العالمى سينخفض حتى 2030 إلى أدنى مستوياته فى 30 عامًا، نتيجة لتداعيات جائحة كورونا، والعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا.



 

وأفاد البنك، فى تقرير صدر الأسبوع الماضى، بأن الحد الأقصى لتوقعات نمو الاقتصاد العالمى، يُرجح أن يتباطأ فى الفترة بين عام 2022 و2030 إلى %2.2 سنويًا. 

كما لفت المحللون المشاركون فى إعداد التقرير، إلى احتمالية تدهور الأوضاع فى حالة حدوث انخفاضات أكبر فى النمو، إذا حدثت أزمة مالية عالمية أو ركود.

من جانبها، قامت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية بسؤال مجموعة كبيرة من كبار المتخصصين فى المجال الاقتصادى عن رأيهم فى احتمالية حدوث ركود عالمى خلال المستقبل القريب والتى تنوعت إجاباتهم بين الموافقة والرفض إلى جانب الرأى المحايد.

  توقعات مؤيدة لحدوث ركود عالمي

أكدت كلية الاقتصاد بجامعة جونز هوبكنز، أن هناك قدرًا كبيرًا من عدم اليقين بشأن آفاق الاقتصاد الكلي؛ مؤكدة -فى الوقت ذاته- أن التغيير فى السياسة النقدية فى «الولايات المتحدة» كبير، بصورة قد تبدأ فى التأثير على الاقتصاد العالمى.

اتفق مع ذلك رئيس كلية «كوينز» بجامعة «كامبريدج»، محمد العريان، الذى قال، إن: «مخاطر الركود فى الولايات المتحدة، أقل بكثير من كونها انعكاسًا لضعف الاقتصاد الأمريكى، بل هى أكثر من كونها انعكاسًا لأخطاء السياسة المتعددة، التى يرتكبها مجلس الاحتياطى الفيدرالي».

من جانبه، أوضح كبير باحثى معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولى، «تاكيشى تاشيرو» أنه مع ارتفاع التضخم، ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، مضيفًا إن التأثير الكامل لتشديد السياسة النقدية لم يظهر بعد. 

ورجح «تاشيرو» اتجاه العالم نحو الركود، لأن إمكانات نمو الدول أقل من ذى قبل، مما يجعل من الصعب التخفيف من الانكماش الاقتصادى.

ورغم تأييد أستاذ الاقتصاد والشؤون العامة بجامعة «برينستون»، «آلان بليندر» لحدوث ركود اقتصادى، فإنه أكد أن الإجابة ستختلف فى جميع أنحاء العالم، وستعتمد على أحداث وتحركات كثيرة غير معروفة، بعضها خاص بالبلدان، وبعضها عالمى؛ بينما توقع أستاذ الاقتصاد بكلية «بوسطن»، «بيتر ايرلند»، أن الركود هو السيناريو الأكثر احتمالًا، رغم حالة عدم اليقين.

أما أستاذ الاقتصاد بجامعة جونز هوبكنز، «لورانس بول» فأشار لصعوبة توقع فترات الركود.. حيث فضل أن يكون موقفه بين (المحايد، والمؤيد) لحدوث ركود عالمي؛ موضحًا أن السبب وراء تأييده لحدوث ركود، هو تصميم بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى على التشديد النقدى، من أجل خفض التضخم، ما قد يتسبب فى حدوث ركود.

  حياد الموقف الاقتصادي

توقع الأستاذ المساعد للاقتصاد بجامعة «ستانفورد»، «أدريان أوكليرت»، إمكانية انتشار الأزمات فى القطاع المصرفى، التى تؤدى إلى حدوث ركود فى الاقتصاد العالمي؛ موضحًا -فى الوقت ذاته- أنه إذا تم احتواؤها، فإن آثار التشديد النقدى ستظل مستغرقة وقتًا أطول.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد فى «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» البريطانى «ديفيد أوتور»، إنه لا يعتقد أن الاقتصاد يتجه نحو الركود؛ متوقعًا أن تحدث صدمة معاكسة شديدة، تكون فى هيئة أزمة مالية، مثل فشل بنك «سيليكون فالي»، الذى يمكن أن يصيب عدة بنوك أخرى؛ أو أن تؤدى الأزمة «الروسية - الأوكرانية» إلى مزيد من الاضطرابات فى الإمدادات. وأعتقد «أوتور» أنه فى غياب صدمة اقتصادية كبيرة، فإن الركود محتمل بنسبة أقل من %50. اتفق معه أستاذ الاقتصاد بجامعة «كاليفورنيا»، «جون شتاينسون» الذى أكد أن التشديد النقدى الحاد من قبل معظم البنوك المركزية الرئيسية فى العالم، سيؤدى إلى تباطؤ كبير فى النمو العالمي؛ مشيرًا -فى الوقت ذاته- إلى صعوبة التنبؤ بحدوث.

 ركود عالمى

أما أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية بكلية «بوسطن»، «جوناثان كيرشنر»، فقال إن «العالم يفتقر إلى نموذج موحد واحد لفهم كيفية عمل الاقتصاد العالمى ومع ذلك، فإن الركود قبل نهاية عام 2023 أمر منطقى للغاية، على الأرجح بسبب إجراءات الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، أو تفاقم الأزمة المصرفية الناجمة عن انهيار بنك «سيليكون فالي»، أو بسبب موجات الصدمة الناتجة عن تخلف «الولايات المتحدة» عن سداد ديونها.. وكالعادة، لا يمكن استبعاد الآثار الضارة لاضطراب جيوسياسى غير متوقع».

رأى مشابه أقره كبير باحثى معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولى «جوزيف جانيون»، الذى أكد أنه كان مؤيدًا بشدة لحدوث ركود عالمى قبل بضعة أشهر، مضيفًا أن الركود -إذا حدث- قد لا يبدأ حتى عام 2024. 

من جانبه، رأى أستاذ الاقتصاد بجامعة «برينستون»، «ماركوس برونرماير» أن الأساسيات الاقتصادية الحالية قوية؛ مؤكدًا -فى الوقت ذاته- أن تشديد البنوك المركزية التى تهدف للسيطرة على ارتفاع نسب التضخم، يمكن أن يؤدى إلى عدم الاستقرار المالى.

أما أستاذ الاقتصاد بجامعة «هوارد»، وكبير الاقتصاديين فى الاتحاد الأمريكى للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية «وليام إي»، فاعتبر أن أكبر تهديد للاقتصاد العالمى، هو بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي؛ موضحًا أنه إذا استمر البنك فى الإصرار على رفع سعر الفائدة، فمن الواضح أنها ستتجاوز علامة سوق العمل المستقرة، إذ تغذى معدلات الفائدة المرتفعة فى «الولايات المتحدة» التضخم فى معظم الاقتصادات الناشئة عن طريق تقوية الدولار الأمريكى، وزيادة تكاليف السلع الأساسية المقومة بالدولار. 

وشدد «هوارد» على أن أزمة التضخم المرتفع وتداعيات الأزمة الأوكرانية، والتغير المناخى، وغيرها من التحديات، تعتبر ضغوطًا وديونًا متراكمة منذ الركود العظيم ووباء كوفيد-19، تهدد أزمة ديون للعديد من تلك البلدان، وبالتالى يحدث الركود العالمى. 

 آراء رافضة لحدوث ركود

على النقيض من الآراء المؤيدة، والمحايدة فيما يخص الركود العالمى، رأى عدد من خبراء الاقتصاد أن الركود قد لا يحدث عما قريب، ومنهم: أستاذ الاقتصاد فى كلية «دارتموث»، «أندرو تى ليفين»، الذى رأى أنه غير المحتمل أن يسقط الاقتصاد العالمى فى حالة ركود، ما لم يتعثر الاقتصاد الأمريكي! وتوقع «ليفين» أن يظل معدل التضخم فى «الولايات المتحدة» مرتفعًا، مما يدفع الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بتشديد السياسة النقدية إلى حد ما، ورجح -فى الوقت ذاته- أن مثل هذا التشديد لن يثبط النمو حتى العام المقبل.

من جانبها، أوضحت أستاذ الاقتصاد بجامعة «تكساس» فى «أوستن»، «ايسيجول شاهين» أنه رغم توقعاتها بتباطؤ النمو فى «أوروبا»، و«الولايات المتحدة»؛ فإنها توقعت أن يبقى الاقتصاد العالمى بعيدًا عن الركود مع إعادة انفتاح «الصين» على العالم، بعد إنهائها سياسة (صفر كوفيد).

اتفقت معها رئيس هيئة التحرير بصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية «جيليان تيت»، التى قالت إنه: «من النادر جدًا أن يكون الاقتصاد العالمى بأكمله فى حالة ركود، حتى لو كانت الدول الفردية فى حالة ركود.. مع استمرار «الصين» فى الانفتاح والتوسع، بينما لا تزال «اليابان» تنمو وإن كان ببطء، بينما تتجنب «أوروبا» الركود حتى الآن، فى ظل نمو اقتصاد «الولايات المتحدة» بشكل أسرع من المتوقع. لذلك، يبدو الركود العالمى غير محتمل، حتى لو تباطأ النمو بشكل ملحوظ». 

وأضافت: «علاوة على ذلك، فإن بنكى «اليابان، والصين» يعوضان التضييق الكمى للاحتياطى الفيدرالى الأمريكى ولكن، إذا تصاعدت تداعيات العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، وتفاقمت التوترات بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»، أو غير بنك اليابان مساره بشكل كبير، أو كانت هناك أزمة سقف ديون للولايات المتحدة، فسوف أغير وجهة نظري». رأى مشابه رآه كبير باحثى الاقتصاد فى شركة «بانثيون ماكروإيكونوميكس» الاستشارية للبحوث الاقتصادية «ايان شيبردسون»، الذى أفاد بأن «الصين» تتعافى بعد نهاية سياسة (صفر كوفيد)، فى حين تجنبت «أوروبا» الركود العميق، الذى كانت تخشى حدوثه قبل الشتاء. 

وأضاف إن صانعى السياسة فى «الولايات المتحدة» يواجهون تحديًا إضافيًا من عدم اليقين فى شكل احتمال حدوث تشديد مفاجئ، وربما شديد لمعايير الإقراض المصرفى، مما قد يؤدى إلى حرمان الشركات الصغيرة من الائتمان؛ مؤكدًا إن أى ضغط إضافى سيؤدى إلى ضرر حقيقى. 

وتوقع أن يقوم الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى برفع أسعار الفائدة مرة أخرى فقط، موضحًا أنه رغم تمحور هذه القصة حول «الولايات المتحدة» إلى حد كبير، فإنه سيكون لها تداعيات كبيرة على الجميع إذا سقطت «الولايات المتحدة» فى ركود كبير. 

أما أستاذ الاقتصاد فى كلية «ويليامز»، «كينيث كوتنر» فلم تر أى صورة من صور الركود العالمى، مستدلة بما أظهرته الاقتصادات المتقدمة فى جميع أنحاء العالم من المرونة، وتحمل الصدمات المختلفة دون الكثير من الضرر، مثل تداعيات فيروس كورونا، والأزمة «الروسية -الأكرانية»، واضطراب الإمدادات، وتكاليف الطاقة، وغيرها، معتبرة أن استجابة السياسة النقدية للتضخم تعد معتدلة حتى الآن، مشيرة إلى أن احتمالات حدوث ركود لا تزال أقل من %50.

واتفق معها أستاذ الاقتصاد فى معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، «ريكاردو كاباليرو» قائلا إنه من غير المرجح أن تكون «الولايات المتحدة» فى حالة ركود فى عام 2023؛ ولم يرجح -أيضًا- أن تكون «الصين» فى حالة ركود اقتصادى فى عام 2023، مرجحًا أن تتجنب آسيا، وأمريكا الجنوبية حدوث ركود كبير.

 

فى النهاية، ورغم تباين الآراء  بين المؤيدة، والرافضة، والمحايدة؛ فإن جميعها لم يخل من توقع بحدوث ركود محتمل، وإن كان قليلًا؛ بينما اتفق جميعهم على ضبابية المشهد بالنسبة لمسقبل الاقتصاد العالمى، لكثرة تحدياته، وسرعة أحداثة المتتالية، والمتشابكة.