الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. الكل يحب الحرب

الحقيقة مبدأ.. الكل يحب الحرب

لا يحتاج القوى لإثبات قوته، وإنما يجاهد الضعفاء دومًا لإثبات أنهم الأقوى؛ فلا يصل بهم هذا إلا إلى سقوط مدوٍ.. إما بأن يبطش بهم القوى فلا تقوم لهم قائمة وإما بأن يصفح عنهم بنبل معتاد وعلانية فاضحة لدنوهم المهين!! 



لتحليل أى معركة متعددة الأطراف.. ليس عليك سوى أن تحدد اللاعبين الرئيسيين ثم تقيس مدى القوة بمعيار ثابت وواضح ويصعب التشكيك فيه، بعدها تبدأ فى تسمية اللاعبين الفرعيين وتوضيح نوعيات الغنائم المسموح لهم بالحصول عليها من قِبَل القادة المنتصرين.

فى الحرب الدائرة الآن لا يخفى على أحد أن هناك صراعًا تم اختلاقه فى واشنطن لإسقاط القوة البازغة الجديدة قبل أن تسطع بجلاء تأبى الأعين إلا أن تهتدى بنوره وهنا نقصد «الصين»، فالولايات المتحدة لا تستهدف روسيا بالأساس ولكن ضرب روسيا استنزاف قدرات الاتحاد الأوروبى اقتصاديًا ومحاولة تقوية الدولار هى خطوات وتكتيكات حتى تستطيع واشنطن الصمود أمام بكين.

إذن فالأطراف الرئيسية هنا هي الصين وأمريكا، أما روسيا وأوروبا فهم چنرالات قلب المعركة.

يتبقى لنا أن نعين أطرافًا أخرى هم اللاعبون الفرعيون وإن كانت أوزانًا ثقيلة على الأصعدة الإقليمية وهي الهند ومصر والسعودية؛ فلكل من الثلاثة فرص كبيرة لحصد المكاسب وجمع المغانم شريطة اللعب بذكاء لعدم التعرض للبطش بيد الأقوياء.

لا شك أن الاقتصاد العالمى كله يعانى هيمنة الدولار الأمريكى وتحكمه فى سياسات وقرارات الدول على مستوى العالم، فلا تكمن قوته فى اقتصاده وإنما فى قدرة حكومته على البطش وفرض الإرادة بالتحالف حينًا وبالتآمر أحيانًا أخرى، ولكن هذا الأمر كان لا بد له من أن يثير الحفيظة ويدفع للتحرك من قِبَل قوى أخرى ليست على وفاق مع واشنطن من حيث الأيديولوچيا ومن حيث ثقافة المجتمع وتركيبته ومن حيث الطموح فى استعادة المجد القديم؛ هو أن تتحالف تلك الدول أو الحضارات أو الثقافات مع حضارات غير غربية أخرى وتسعى لتشكيل قوة اقتصادية ثم شراكات عسكرية معها بغرض تحقيق التوازن أمام الولايات المتحدة وحلفائها.

محور بدأ فى التشكل منذ العام 1991 وبعد انهيار الاتحاد السوڤيتى وانتهاء شهر العسل بين بكين وواشنطن وبدأ التقارب بين الصين وروسيا. فى عام 1992، أعلن البلدان أنهما يسعيان إلى «شراكة بناءة»؛ وفى عام 1996، تقدما نحو «شراكة استراتيجية»؛ وفى عام 2001، وقعا معاهدة «صداقة وتعاون»، بينما أصبح الاثنان يتقاسمان نفس الموقف ويدعم كل منهما الآخر فى العديد من القضايا العالمية، كما عارض البلدان فى السنوات الأخيرة السياسة الخارجية والتوسعية للولايات المتحدة وأنماطها الاقتصادية التى تفرضها على العالم وتؤدى إلى إفقار الشعوب، كانت التجارة بين البلدين تُقدّر بما بين 5 مليارات دولار و8 مليارات دولار سنويًا فى تسعينيات القرن العشرين لتفوق 200 مليار دولار الآن ! فضلًا عن 50 اتفاق توأمة بين مدن صينية وروسية ولا يجب أن نتغافل عن تزايد حصّة اليوان فى العملات المستخدمة فى التجارة الخارجية الروسية، من 0.5 بالمئة إلى 16 بالمئة (الأمر الذى قاد لانخفاض بحصة اليورو والدولار فى الصادرات الروسية).

يتسع التحالف / الشراكة عندما يكون الهدف واحدًا، فتتشكل اتفاقات ومنظمات إقليمية تلعب فيها كل من روسيا والصين دورًا مميزًا، على رأسها بريكس وشنغهاى والاتحاد الاقتصادى الأوراسى وفى ظل آمال واعدة على أن تنتقل هذه المنظمات لتكون بديلًا للكثير من المنظمات التى أنتجتها الظروف السابقة فى العلاقات الدولية، موضحًا أن «بريكس» يبدو أنها تتجه لتكون أكثر تكاملًا فى المجال الاقتصادى والسياسى، والصين تعد اللاعب الأساسى فيها، وتبدو أيضًا مسألة التبادل السلعى بالعملات الوطنية مهمة جدًا فى هذه المنظمات خاصة فى ظل الخطوات المتخذة فى هذا السياق».

ماذا تريد الصين؟ الإجابة أنه كان على بكين أن تفكر فى الحرب من منظور هدفها الاستراتيجى طويل الأمد المتمثل فى أن تصبح القوة الرائدة فى العالم بحلول عام 2049. وعلى الرغم من أن بكين تدعم موسكو، إلا أنها أيضًا تجنبت القيام بتحركات قد تنفر الغرب منها، والصين لا تقدم لروسيا مساعدات بحجم تلك التى توفرها واشنطن لأوكرانيا، وبهذه الحرب موسكو تخاطر بأن تصبح الرجل الثانى خلف بكين وأن تدور فى فلكها والصين التى ستأخذ ما تشاء من روسيا دون أن تعطى روسيا كل ما تريد مثل الأسلحة أو المكونات الإلكترونية المهمة لكن لا نستطيع أيضًا أن نبعد أنظارنا عن الكرملين الذى يراهن على تنويع علاقاته الجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية مع تركيا والشرق الأوسط وإيران وإفريقيا للحد من اعتمادية كاملة على الصين بالإضافة إلى أن ترسانة روسيا النووية الهائلة - وهى أكبر بكثير مما تملكه الصين - تجنبها أيضًا أن تصبح خاضعة بالكلية.

تقف أوروبا حائرة بين إكمال الطريق تحت قيادة واشنطن بالرغم من كل معاناتها الاقتصادية على جميع المستويات وخروج المتظاهرين للشوارع بسبب تضاعف تكاليف المعيشة والأسعار وكذلك بسبب تحميلها لتكاليف إمداد أوكرانيا بالمعدات والأسلحة والذخائر وبين آراء المحللين السياسيين والأكاديميين الناصحين بضرورة إيقاف هذه الحرب وخلق وساطات متعددة الأطراف. 

البعض يتعامل مع الحرب والتحالفات الناشئة بسذاجة الأطفال الذين شبوا على مشاهدة أفلام الأكشن الأمريكية والهندية ويملؤهم الظن بأن هناك نصرًا مطلقًا للبطل المغوار وهزيمة ساحقة للأشرار. 

السياسة والحرب هما نفس الذات والنفس ولا تعرف هذه الذات الخير والشر وإنما التوازن والمصلحة. 

ودون الإغراق فى التأمل نجد أن مصر والهند تلعبان فى هدوء المتزنين على الساحة الدولية دون انتظار تصفيق أو إشادات تحركات كثيرة بهدوء ودون صخب فلا تميل هذه الكفة على حساب الأخرى. 

لن تسقط كييف المدعومة بالصلب الأمريكى ولن تتراجع موسكو المؤيدة بروح من الشرق وسيبقى الوضع على ما هو عليه لفترة ليست بالقليلة وأمد ليس بالقصير ضربات قليلة متسارعة أحيانًا ثم يجلس الجميع على طاولة السياسة وتهدأ هذه الوتيرة يتخلص البعض من قدر جيد من هيمنة الدولار وتتعدد القطبية الدولية وتتخلص أوروبا نوعيًا من إملاءات واشنطن وستتخلص واشنطن من بعض فواتيرها غير المدفوعة، لا رابح ولا خاسر، لا منتصر ولا مهزوم.. وكما هى فلسطين قضية الشرق الأوسط ستكون أوكرانيا قضية الشرق الأوروبى؛ الكل سيستفيد من نتائج هذه الحرب والكل سيحب هذه الحرب.