الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حوار ساخن مع ملحد  هل توجد حرية عقيدة فى الإسلام؟

حوار ساخن مع ملحد هل توجد حرية عقيدة فى الإسلام؟

قابلته مصادفة فى سهرة فى بيت صديق، قدمه أستاذا جامعيا مهاجرا من ثلاثين سنة، فى دولة أوروبية، جاء فى زيارة سريعة بعد غياب طويل، بدا لطيفا خفيفا، ثم انحرف بالحديث إلى الأديان بلا مقدمات، واتشحت كلماته بغلظة مقصودة، تشى بأنه لا يؤمن بأى دين.



 بالطبع لم أسأله عن دينه أو درجة إيمانه، فهذا النوع من الأسئلة تنزع عن «الإنسان» تسامحه وتدفع به دون أن يدرى إلى صفوف المتطرفين، لأن العلاقة بين الإنسان وربه علاقة خاصة جدا، لا يحق لإنسان آخر أن يتدخل فيها أو يسأل عنها. 

لزمت الصمت ولم أجد ضرورة لحوار من هذا النوع..

لم يسكت وأكمل حملته وانتقد بعنف أفكارا وتصرفات يمارسها أصحاب الديانات السماوية، ويرى تشابها مذهلا فى المفاهيم والسلوكيات بينهم، وإن اختلفت فى المبررات والتفاصيل.

ابتسمت وابتعدت..

دقائق واقترب منى سائلا: كلامى لم يعجبك؟

قلت بأدب: لم أفكر فيه.. نحن فى سهرة مرحة بين أصدقاء..نكات وحكايات وذكريات!

قال: الأديان هى سبب العلاقات المتوترة بين البشر عبر التاريخ.

لم أعلق وبينت له بهزة رأس عدم الاهتمام بحوار حول الدين والله والإيمان والتصرفات البشرية..

يبدو أن موقفى لم يعجبه فقرر استفزازى، وصوب حديثه إلى الإسلام، وراح يعدد مثالب المسلمين، فهم الأقل تعليما بين دول العالم، والأكثر فقرا والأشد استبدادا والأميل إلى العنف ضد الآخر المخالف فى الدين.. إلخ، وهى الإسطوانة التى شاعت فى السنوات الأربعين الأخيرة، منذ صعود تيار جماعات الإسلام السياسى فى بلاد الشرق.

فلم أرد.. واكتفيت بابتسامة باهتة..

فرفع من درجة الاستفزاز قائلا: الإسلام دين يدعو إلى القتل ولا يعترف بحرية العقيدة.

تأملته قاصدا وقلت: أنت أستاذ جامعى.أى تتبع التفكير العلمى المنظم فى أى حكم تطلقه، فمن أين أتيت بحكمك هذا؟ العكس هو الصحيح، الإسلام دين رحمة ومحبة وتواصل وتكافل وتعاون وحرية وسلام.

فإذا به يعدد لى أعمال عنف ارتكبها متطرفون، ثم يذكر كتبا من التراث فى تفسير آيات القتال فى القرآن وأحاديث نبوية.

قلت: أعمال بشر وكتب كتبها «بشر»، وما يكتبه البشر أو ما يفعلونه ليس حجة على «دينهم»، الدين، أى دين هو حجة على من يؤمن به سواء كان تقيا أو شريرا، وليس العكس.

قال بغلظة: القرآن نفسه ضد الآخر ودينه، ومن أول فاتحة الكتاب..

قاطعته: لا تتحدث عما لا تعرف..

وقرأت الفاتحة، وحين أنهيتها سألني: من هم المغضوب عليهم ومن هم الضالون؟

وأجاب: كل المفسرين قالوا إن المقصود هم اليهود والمسيحيون.

قلت: هذا تفسير قديم وموجود فعلا فى كتب التفسير والحديث، مجرد رأى يمكن أن يقابله رأى آخر، فالعالم به ملحدون وكفرة ومشركون وعبدة نار وشمس وثعبان، ما يقرب من أربعة آلاف ديانة، وهؤلاء المفسرون القدماء لم يكونوا على علم بكل أصحاب هذه الديانات وأصناف البشر الضالين، لكن الله الخالق يعرفهم، فلماذا لا يغضب الله عليهم ولا يضعهم فى الضالين، ويخص فقط اليهود والمسيحيين؟، إن الله لم يذكر اليهود والمسيحيين فى النص لا صراحة ولا تلميحا، القرآن فيه توصيف واضح ولوم وعتاب يخص به أتباعا للنبى موسى وأتباعا للنبى عيسى، ممن حادوا عن الطريق وأيضا فى آيات لوم وتوصيف لأتباع النبى محمد الذين حادوا عن الطريق القويم.

المغضوب عليهم والضالون هم كل من حادوا عن طريق الله فى تصرفاتهم وضلوا عن سبيله أيا كانوا.

فرد منفعلا: ولماذا لم يرد ذلك فى كتب التراث؟

أجبته: من قال لك إنها لم ترد، قالت هذا وحددت المقصود بالوصف وهم: المنافقون والمنافقات، مؤمن يقتل مؤمنا عمدا، الكفر بما أنزل الله أو كتمانه، الشرك بالله، الذين صدوا عن سبيل الله، الافتراء على الله كذبا، اتخاذ أولياء دون الله، الدعاء لغير الله، الظالمون، مخالف أمر الله وعدم إطاعة الرسول، الابتعاد عن ذكر الله، عدم اتباع ما جاءت به الرسل، التكذيب بالساعة وأخيرا تبديل النعمة ومن جعل لله أندادا، وكلها شروح موجودة لمن يريد الرجوع إليها.

فارتفع صوته: وقتل المرتد.. ما هذا الدين الذى يجبر الإنسان على البقاء فيه وإلا يقطعون رأسه؟

قلت: حرية العقيدة مصونة فى الإسلام صيانة كاملة، ويقول الله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، والعبارة واضحة من كان كافرا وأراد الإيمان فهو حر، ومن كان مؤمنا وأراد الكفر فهو حر.

وإذا أعملنا عقولنا إعمالًا صحيحًا، وسألنا: لماذا ورد الإيمان أولًا ثم الكفر بعده، وليس العكس؟ لأنّ الرسالة مِن الله إلى عباده الذين لا يعرفونه أو الذين يعبدون إلهًا آخر، فهو يقول لهم فلتؤمنوا مِن تلك الحالة التى أنتم عليها، ثم إذا آمنوا وشاءوا أنْ ينكثوا عهدهم مع الله، فهذا ذنبهم وجنايتهم على أنفسهم، بعد أن بيّن لهم الطريق الصحيح وأنار بصيرتهم إلى الصواب، وحساب هؤلاء ينتظرهم فى الآخرة، فالله سبحانه وتعالى ليس فى حاجة إلى إيمان مخلوق بالإكراه مهما كان، أصل التكليف من الله عند خلق الإنسان هو حرية الاختيار فى أعماله وتصرفاته وليس الجبر، وبناء على اختيار الإنسان والتزامه بهذا الاختيار يُحاسب. هذا دين جوهره الحرية.

سأل: فلماذا إذن تقتلون المرتد؟

أجبت: لم يحدث أن قتل مرتد فى عصر النبوة، مع أن التاريخ يذكر لنا أشخاصا من أهل المدينة أسلموا ثم ارتدوا ولم يٌقتلوا، وكلنا يعرف حكاية عبد الله بن أبى بن سلول، الذى يوصف فى الكتابات الإسلامية بكبير المنافقين، وهو لم يرتد فقط وإنما تآمر على المسلمين فى المدينة، وقال كلاما فى حق النبى، ولم يأمر الرسول بقتله، بل لم يمنح ابنه إذنًا بالقتل بالرغم من إلحاحه، ليقتله بيده ولا يضطر أن يأخذ بثأره لو قتله مسلم آخر.

نعم يوجد حديث شريف منسوب إلى الرسول: من بدل دينه فاقتلوه، حديث وحيد لم يتحقق على أرض الواقع فى حياته، ولو كان أمرا من السماء، كان من المستحيل ألا ينفذه على بن سلول.

لكن كتب التراث فيها روايات عن التنفيذ فى عصور تالية بعد النبوة.

فسأل: وآيات القتال والتحريض عليه؟

ابتسمت: الأمر لا يختلف عما قلته لك فى التساؤلات السابقة، أنتم تخرجون الآيات عن سياقها وتنزعونها عن المفاهيم الكلية للقرآن، والقتال له مفهوم عام فى القرآن يحكمه ويضبط جوانبه هو: (إن الله لا يحب المعتدين )، ولم يحدد ماهية المعتدى أو المعتدى عليهم، أى أن أَمر القتال مشروط برد العدوان وليس بشن عدوان.

عموما آيات القتال محدودة للغاية، وقد وردت كلمة قتال فى خمسة وعشرين آية من 6236 آية فى كتاب الله، أى أربعة فى آلاف، ولا يمكن مقارنتها بآيات السلم والتسامح والعفو، لأن الشقة بينهما عميقة جدا إلى حد استحالة المقارنة.

كما أن الله يختم آيات القتال دوما بالعفو إذا انتهى المعتدون عن عدوانهم، ولم يحرض أبدا على مطاردتهم إذا وقف القتال، باختصار القتال هو رد للعدوان فقط وليس قتالا فى أى وقت وتحت أى ظرف ضد المخالفين فى الدين أو «الكافرين».

سكتُ، ثم قلت: يا دكتور لا يوجد نص قرآنى يفاضل إنسانيا بين البشر على أساس الجنس أو العرق أواللغة أو الثروة..إلخ، المفاضلة فقط بـ(التقوى) التى يحكم فيها الله وحده منفردا دون شريك.

كسا بعض الغضب ملامح الأستاذ الجامعى، فقال: شىءطبيعى أن تدافع عن دينك.. وأن تأتى.

قاطعته: أدافع عن الحق بالمعلومات والحقائق ضد الشائعات وروايات التشويه الشائعة.

قال: وعمليات الإرهاب التى يرتكبها مسلمون؟

قلت: نتوءات من مسلمين، لهم فهم خاص للدين، منقول عن تفسيرات تراثية غير صحيحة، بنيت على تفاصيل فى زمن مختلف وحسب ثقافة ومعارف وبيئة ذلك الزمان، بينما الإسلام له مقاصد كلية ممتدة فى الزمان والمكان حددها القرآن..والفهم الخاص ليس موجودا فى الدين فقط، بل فى كل المعارف الإنسانية تقريبا، عدا العلوم التجريبية.

أدار الأستاذ الجامعى ظهره وابتعد وهو يتمتم بألفاظ لم أسمع منها حرفا.