الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. بمناسبة بدء الاحتفال بمرور 50 عامًا على حرب أكتوبر 73 دعونا نكتب تاريخنا بالدراما.. حتى لا يكتبه غيرنا!

مصر أولا.. بمناسبة بدء الاحتفال بمرور 50 عامًا على حرب أكتوبر 73 دعونا نكتب تاريخنا بالدراما.. حتى لا يكتبه غيرنا!

فى حرب أكتوبر 73 هتف الجنود المسيحيون والمسلمون المصريون «الله أكبر».. ورغم أن الهتاف له اعتقاد دينى مرجعى، غير أنه فى حينها كان له جانب تحفيزى وطنى لاستعادة الكرامة الوطنية واسترداد أرض سيناء العظيمة.



 

ولكن مع مرور السنوات وتغلغل الفكر المتطرف من خلال جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ومن انبثق عنها من جماعات الإسلام السياسى وحركاته، تحول هذا الهتاف الوطنى بسبب الإرهابيين إلى شعار مخيف، ففى الدول الأجنبية لو هتف أحد فى وسط التجمعات بـ«الله أكبر»، سوف يهرعون خوفًا من تنفيذ عملية إرهابية، إلا أن دراما مسلسلات رمضان، خاصة مسلسل «الاختيار» أعاد لنا القيمة الوطنية لهتاف «الله أكبر» الذى نعرفه، ولا تعرفه الفاشية الدينية التى شوهت الفكر المصرى على مدار أكثر من نصف قرن.

 حديث ذو شجون..

كانت الكلمات السابقة.. هى بداية التعقيب الذى شاركت به خلال الأيام الماضية أثناء مشاركتى فى الحلقة النقاشية التى دعت إليها د. هالة رمضان «مديرة المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية» لعرض نتائج دراسة قيمة للمركز بعنوان «دور الدراما الوطنية فى تعزيز قيم الولاء والانتماء». وهى من إعداد: الصديق العزيز د. حسن سلامة ود. هبة جمال الدين، والباحث الإحصائى نورالدين شعبان. وأدارها المهندس حسام صالح «الرئيس التنفيذى للتشغيل والعمليات للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية».

الحديث عن الفن المصرى هو حديث التاريخ والسياسة والوطن.. وستظل الدراما المصرية هى بوتقة الإبداع، ليس فقط من خلال ممثليها ومبدعيها، ولكن من خلال ما تناولته وسجلته من أحداث هذا الوطن بقلم مبدع منحاز للشارع بعيدًا عن انحيازات المؤرخين والسياسيين الذين تحكمهم انتماءاتهم وتوجهاتهم الشخصية قبل رصد النبض الحقيقى للمواطن المصرى. ما سبق هو ما جعلنا جميعًا ما زلنا نشاهد «ليالى الحلمية» و«أربيسك» و«رأفت الهجان» و«الاختيار» و«أبوالعروسة».. وغيرها.

قبل أحداث 25 يناير2011.. احتلت الدراما المصرية أفلام الفوضى الخلاقة إلى أن وصل الأمر لإطلاق اسم «هى فوضى» على أحد تلك النوعية التى كانت بمثابة «بروفة» لترسيخ صورة ذهنية محددة عن مجتمع الفوضى، وبغض النظر عن القيمة الإبداعية فى تاريخ الدراما المصرية لمثل تلك النوعية من الأفلام.. فشخصيًا، لا أتفق مع مثل تلك الرؤى المنقوصة والمشوهة فى الأعمال الدرامية التى ترسم لمجتمعنا ملامح محددة والتركيز عليها بالشكل الذى يوحى باختزال المجتمع المصرى فى شكل «كباريه» كبير.

 قيم الدراما الوطنية..

الملاحظ، أن ما يمكن أن نطلق عليه «دراما ثورة 30 يونيو»: «الاختيار» و«هجمة مرتدة» و«القاهرة كابول» و«العائدون» قد أسهمت فى استعادة العديد من القيم الفنية التى تؤثر بشكل غير مباشر فى إعادة بناء الهوية الوطنية فى ظل حروب السيطرة على العقول، تلك القيم التى رسختها من قبل مسلسلات مثل «جمعة الشوان» و«رأفت الهجان». ومن هذه القيم: 

- تعظيم قيمة الوطنية المصرية من خلال تحفيز نزعة الولاء والانتماء فى حب هذا الوطن، واستعادته من الفاشية الدينية المتطرفة.

- تقديم صورة موثقة لتاريخ مصر السياسى بالمعلومات الدقيقة والصحيحة من خلال رموز وطنية على مستوى رجال القوات المسلحة والشرطة المصرية.

- إبراز الجوانب الحقيقية لتصوير الأبطال على طبيعتهم.. بعيدًا عن نزع الجوانب الأسرية والإنسانية عنهم.. بتجسيد أفراحهم وأحزانهم ومواجهة التحديات التى تواجههم.

- توثيق تاريخ الشهداء وتمجيد بطولاتهم من قصص مكتوبة إلى عمليات وملاحم بطولية مصورة.. لتثمين دورهم.. تكريمًا لحياتهم التى دفعوها فى سبيل التماسك والاستقرار.

- تحقير خيانة الوطن بتجسيد أشكال عمليات التشكيك والتجنيد والاستقطاب وبث الشائعات والتوجيه وغسل العقول وأسرها.

 الدراما الوطنية والتنشئة الوطنية..

نتفق جميعًا على أن «الفن مرآة الشعوب بأفكارها وثقافتها وقيمها الحاكمة».

وتعد الدراما من أهم أشكال الإبداع تأثيرًا فى العقل الجمعى للمجتمع. وتسهم الدراما هنا فى نشر الوعى وتشكيل التنشئة الوطنية للأطفال والشباب. وذلك لعدة أسباب.. أهمها:

أولًا: يؤثر مضمون الدراما الوطنية على أسلوب تفكير الأطفال والشباب بوجه خاص، كما تنعكس متابعتهم لها على سلوكياتهم وقيمهم الوطنية والسياسية، وكلما كان بطل العمل الدرامى محبوبًا لديهم كلما كان تأثيره أقوى لأنه يتحول لديهم إلى نموذج يتمنون الوصول إليه وقدوة يستهدفون تقليد أفعاله وكلماته وتصرفاته. فالأعمال الدرامية الوطنية تخلق حالة من الارتباط مع أبطالها.. فربما لا يعرف البعض أن الاسم الحقيقى لرأفت الهجان هو رفعت الجمال، ولكن المؤكد أن الجميع يربطه تلقائيًا بالفنان الراحل محمود عبدالعزيز، وهو ما حدث مع الشهيد أحمد المنسى من خلال الفنان أمير كرارة فى مسلسل «الاختيار».

ثانيًا: فى تقديرى، أن الدولة المصرية اهتمت بعد ثورة 30 يونيو لأهمية تكثيف إنتاج الدراما الوطنية.. باعتبارها القوى الناعمة التى يجب توظيفها واستخدامها بشكل سليم. وربما يكون النموذج الدال على ذلك هو تلك الجهود التى بذلت فى إنتاج ودعم ما أطلقت عليه «دراما ثورة 30 يونيو». بداية من مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاث، ومرورًا بمسلسل «هجمة مرتدة» ومسلسل «القاهرة – كابول»، وصولًا إلى مسلسل «العائدون». وهى جميعها واجهت الفكر المتطرف والإرهابى بتوثيق أفعاله من جانب، وكشف زيف معتقداته من خلال مواقفهم وتصرفاتهم الحقيقية من جانب آخر.. بعيدًا عن الصورة المثالية التى اكتسبوا بها مكانة وتأثير لدى البعض.

ثالثًا: يمكن أن نذكر ملحوظة عابرة هنا أن مسلسلات الدراما الوطنية ما قبل أحداث 25 يناير 2011 اتسمت بكونها قصص جاسوسية مباشرة.. طابعها المخابراتى هو الطاغى على الأحداث والشخصيات، بينما مسلسلات ما بعد ثورة 30 يونيو هى تجسيد لأحداث عايشناها، وشخصيات نعرفها وشاهدنا تطرفها، وعمليات إرهابية شاهدناها عن قرب.. فقدنا فيها أبناء وأصدقاء. ولذا فإن أهميتها تعود إلى كوننا جزءًا من أحداثها بكل ما حملته من مشاعر إنسانية للألم والحزن والخوف والتحدى وقوة الإيمان بعظمة هذا الوطن. ولذا من الطبيعى أن تعيد دراما ما بعد ثورة 30 يونيو الفن إلى مساره الحقيقى بعيدًا عن «حالة الفوضى» من خلال توعية الأطفال والشباب بوجه خاص والمواطنين المصريين بوجه عام بالتحديات التى واجهت مصر.. مما أسهم فى نوع من التلاحم الشعبى حول فكرة الوطن، وما نتج عن ذلك من رفع معدلات الوعى السياسى والوطنى.. برجال أبطال ربما لم نكن لنعرف ما قدموه لولا توثيق تلك الدراما لأدوارهم وبطولاتهم.

رابعًا: الدراما وسيلة لتشكيل وجدان المجتمع، وهى أحد مؤشرات الهوية الوطنية، كما أنها تعبير عن قوة الدولة فى الحفاظ على هويتها الوطنية من خلال ما تقدمه من أعمال ترتبط بحياة المواطن اليومية. وهو ما يجعل الدراما أحد أهم وسائل التواصل مع المجتمع والتأثير السريع فيه. الدراما لها قوتها وقدرتها على إثارة الحماسة الوطنية والحفاظ على الهوية. الدراما الوطنية لها دور محورى فى حياتنا، ولها سياق ثقافى مجتمعى مؤثر.. يحلله النقاد لتقييم محتواه وأداء ممثليه وموسيقاه التصويرية ومدى تماسك أحداثه.. بينما يستقى المواطن/ المشاهد تاريخ مصر السياسى من خلاله، كما يقرأ التاريخ من خلاله أيضًا.. ويتخذ مواقفه بناء على ما سبق، وهو ما يجعلها تقوم بدور مركزى فى مساندة جهود الدولة الأمنية والقانونية فى مواجهة الإرهاب والتطرف ثقافيًا وفكريًا.

 نقطة ومن أول السطر..

الدراما الوطنية.. تمثل حالة منضبطة للوعى والإدراك من خلال شيوع حالة من الجذب والإبهار والحبكة الدرامية والأداء الجيد والمؤثرات الصوتية، والبطولات حقيقية لرجال الظل من أبطال المخابرات المصرية ورجال القوات المسلحة ورجال الشرطة، كما أنها تشكل العقل الجمعى من خلال ترسيخ المفاهيم الوطنية فى مواجهة التشكيك والتخوين والتهوين والتضخيم.. 

الدراما هى أهم أدوات القوى الناعمة.

الدراما تكتب التاريخ..

الفن سياسة والسياسة فن..

دعونا نكتب تاريخنا بالدراما.. حتى لا يكتبه غيرنا..

ليست القضية نسبة المشاهدة..التأثير أهم من التوزيع.