الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل تندلع حرب أهلية فى أمريكا؟!

هل تندلع حرب أهلية فى أمريكا؟!

ربما لو لم يكن كاتبه سفيرًا أمريكيًا سابقًا ما توقفت أمام مقال «هل هناك حرب أهلية أمريكية فى الأفق؟»، صحيح أن العنوان مثير، ويبدو عجيبًا وهو يتحدث عن دولة عظمى هى الأكثر تأثيرًا فى النظام العالمى، فهل هذا ممكن؟، ما أكثر الكتابات التى لا تساوى الدق على حروف لوحة المفاتيح فى كمبيوتر محمول أو تليفون ذكى، وقد يكون العنوان خدعة والمقال نفسه «طقة مخ»، لكن حين قرأت اسم الكاتب «روبرت فورد» وهو كان سفيرًا للولايات المتحدة فى الجزائر (2006 - 2008)، وسوريا (2010 - 2014)، وأيضًا كان زميلاً فى معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إذن نحن أمام كاتب شغل مناصب رسمية ويعرف ماذا يقول.



المقال الذى نشره موقع المجلة فى فبراير الماضى، يبدأ بحادث له مغزى ويشى بقدر العنف الكامن فى البنية السياسية الأمريكية، أن جنديًا سابقًا فى الجيش الأمريكى من مؤيدى الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، أعد نفسه للقتال على طريقة «أرنولد شوارزنجر» فى فيلم «كوماندو»، لبس سترة واقية من الرصاص وعلق بندقية آلية فى كتفه، وشن غارة على مكتب التحقيقات الفيدرالى بمدينة سينسيناتى ولاية أوهايو، فى 11 أغسطس 2022، ردًا عقابيًا على تجرؤ مكتب التحقيقات الفيدرالى على دخول بيت ترامب فى فلوريدا، بحثًا عن مستندات رسمية يحتفظ بها فى مكتبه الخاص بالمخالفة للقانون، وبعدها حاول المسلح الهرب فحاصرته الشرطة وقتلته.

وهلل المتطرفون اليمينيون على شبكات التواصل الاجتماعى بـ «البطل الشهيد»!

الواقعة فى حد ذاتها عادية ولها «سوابق» فى الحياة الأمريكية، لكن ما كتبه هذا الجندى على صفحته بالفيسبوك فى غاية الخطورة: «إن مكتب التحقيقات الفيدرالى يشكل تهديدًا للولايات المتحدة»، و«على مؤيدى ترامب أن يحصلوا على أسلحة وأن يكونوا مستعدين للقتال»!

بعد الواقعة بأيام، أجرت مجلة الإيكونوميست استطلاعًا للرأى مشاركة مع مؤسسة يوجوف وهى شركة إنجليزية متخصصة فى أبحاث السوق، انتهى إلى أن ما يقرب من نصف الأمريكيين يرون احتمالية نشوب حرب أهلية خلال السنوات المقبلة!

بعد شهرين تقريبًا نشرت جريدة نيويورك تايمز مقالًا فى صفحتها الأولى بعنوان حاد «تزايد الحديث عن حرب أهلية، ويبدو أن تفشى ظاهرتا الاستقطاب السياسى والميليشيات المسلحة عزز فكرة الحرب الأهلية، إلى درجة أن كتبًا عديدة صدرت تستعرض المخاطر المتوقعة لهذه الميليشيات..ومنها:

-المليشيا السوداء وهى أحدث ميليشيا ظهرت، وهى مجموعة مسلحة من الأمريكيين الأفارقة يتزعمهم ضابط سابق بالجيش الأمريكى، يقول إنها تعمل على مواجهة العنف الشرطى ضد أصحاب البشرة السوداء.

-حركة بوجالو وهى حركة يمينية تأسست فى عام 2012، تؤمن بحيازة السلاح وتفوق العرق الأبيض وتعمل على إشعال حرب أهلية ضد السود والأقليات الأخرى من غير البيض، ولم ينتبه إليها المجتمع الأمريكى إلا فى عام 2019، حين قادت مسيرات ضد مظاهرات السود والحركات المناهضة لعنف الشرطة ضد بعضهم، كما لها أذرع متعددة لا مركزية هاجمت عناصر من الشرطة وخربت بعض المنشآت لإلصاق تلك الجرائم بالمتظاهرين السود.

- حركة حَفَظِة القسم، يمينية تؤمن أيضًا بتفوق العرق الأبيض، وهى تتشكل من 43 ألف عضو، شعارهم حماية الدستور الأمريكى بكل السبل سلمية ومسلحة، وقد نظموا فى عامى 2014 و2015 دوريات ببنادق نصف آلية فى الشوارع وأسطح المنازل فى مدينة فيرجسون بولاية ميسورى، من باب استعراض القوة، خلال اضطرابات شهدتها المدينة. ناهيك أنهم تواجدوا فى مزرعة باندى عام 2014، فى مقاطعة كلارك بولاية نيفادا، لمناصرة عضو بها، حين صادر عملاء مكتب الأراضى ماشية اعتبرت أنها تُرعى بشكل غير قانونى على أرض فيدرالية. وفى عام 2019 وجهت الحركة تهديدًا مباشرًا إلى كاترين براون حاكمة ولاية أوريجون وقتها بإشعال حرب أهلية، فى حال تمرير قانون جديد يحد من انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون فى عدد من الصناعات، وهو ما كان سيضر أعضاء فى الحركة يملكون مصانع تضر البيئة.

-حركة الـ3 فى المئة، الاسم مشتق من حرب التحرير الأمريكية فى القرن الثامن عشر، وهم نسبة الذين حملوا السلاح ضد بريطانيا من إجمالى سكان المستعمرات، وهى مجموعة شبه عسكرية متشددة فى مقاومة تدخل الحكومة الفيدرالية فى الشئون المحلية للولايات، وتؤمن بقدرة المواطنين المتطوعين على مقاومة الجيش الأمريكى بنجاح إذا استلزم الأمر صدامًا معه.

-محاربو الحرية، وهى مجموعة سوداء تشكلت عقب مقتل جورج فلويد على يد شرطى فى مدينة مينابوليس.

وقد كتبت مجلات وجرائد ومواقع إلكترونية مقالات وتقارير عن احتمالات الحرب الأهلية الجديدة، مثلًا الجارديان البريطانية نشرت تحقيقًا موسعًا قبل شهور بعنوان «شروط العنف السياسى متوافرة: ما مدى قرب الولايات المتحدة من الحرب الأهلية؟»، لكن نشرة أخبار جامعة شيكاغو أجرت مواجهة رائعة بين مجموعة من الأساتذة والمفكرين حول السؤال فى 5 يناير الماضى، بعنوان: هل تتجه أمريكا نحو حرب أهلية؟، تمسك فيها البروفيسور ويليام هاويل أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الحكومة الفعالة برأيه وقدم له العديد من الأسانيد: أعتقد أننا بالتأكيد لسنا على شفا حرب أهلية!

عمومًا تعبير الحرب الأهلية الأمريكية الثانية صكه الأكاديميون الأمريكيون تأصيلًا للعنف السياسى فى تاريخ الولايات المتحدة، نتيجة الاستقطاب الحاد الذى تسبب فيه نجاح دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، وقبل أن يتسلم السلطة فى البيت الأبيض رسميًا فى يناير 2017، ووصف معارضوه تصرفاته وسلوكياته العامة بأنها تعزز العنف السياسى، وترفع من وتيرة الفاشية والقومية المتطرفة والتفوق الأبيض، وقال نورمان جروفمان أستاذ السياسة بجامعة كاليفورنيا إن أمريكا لم تشهد استقطابًا حادًا كالذى تعيشه اليوم، ولم يكن الكونجرس منقسمًا على هذا النحو منذ مئة عام، وقالت ليليان ماسون أستاذة العلوم السياسية فى جامعة جونز هوبكنز إن اتساع الصدع بين قسمى البلاد جمهوريين وديمقراطيين زاد من مخاطر اضطرابات عميقة، يتجاوز تأثيرها المشاعر والآراء، وقد تمس استقرار البلاد.

وتحول التعبير من مجرد مصطلح يردده الأكاديميون ويتحاورون حوله إلى شبه واقع، حين لم يعترف مؤيدو دونالد ترامب بهزيمة مرشحهم فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وحاولوا منع تسليم السلطة سلميًا إلى الرئيس المنتخب جون بايدن، واقتحموا مبنى الكابيتول فى 6 يناير 2021، واشتبكوا بالأسلحة النارية مع رجال الشرطة.. وبالتدريج علت فكرة الحرب الأهلية التى يمكن أن تندلع فى السنوات المقبلة، بين الأمريكيين المحافظين واليسار السياسى والمقصود به الديمقراطيين ومن هم على شاكلتهم، الذين يدعون إلى عقد مؤتمر دستورى جديد، لوضع تشريعات تحد من ملكية الأسلحة وزيادة حماية الحقوق المدنية.

ورد جمهوريون: إن «بعض العنف قد يكون ضروريًا لاستعادة البلاد إلى المسار الصحيح»!

والسؤال الآن: إذا لم يكن هناك فى الأفق حل سياسى للاستقطاب، فما هو شكل الحرب الأهلية التى يمكن أن تندلع فى أمريكا؟

السؤال ليس من عندياتى، إنما طرحه روبرت فورد سفير أمريكا سابقًا فى الجزائر وسوريا.

ويجيب: من المرجح أن يشارك فيها المئات من العنصريين البيض والميليشيات المحافظة، خاصة أن بعضها يستعد علنًا للصراع المسلح، ويدربون عناصرهم على مهمات قتالية على الملأ، ولا يخفون توقعاتهم بالحرب ضد الحكومة المركزية يومًا ما.

لكن فى المقابل لن تكون قوات الأمن الحكومية وحيدة فى مواجهة هذه الميليشيات والعنصريين، فمن المؤكد أن قطاعات كبيرة من السكان سوف تدعمها، ناهيك عن جماعات مسلحة تدافع عن حركات الاحتجاج اليسارية.

إن حربًا أهلية جديدة اليوم لن تشبه أبدًا الحرب الأهلية الأمريكية فى القرن التاسع عشر، فالاختلاط بين الأمريكيين كبير ولا توجد فواصل عرقية وعنصرية ولا بين جمهوريين وديمقراطيين فى كل ولاية، وعلى الأرجح إن نشبت الحرب ستكون أشبه بالقتال الذى حدث فى «الجزائر» فى العشرية السوداء «التسعينيات»، بين المتطرفين الإسلاميين وأنصار الحكومة، يعنى قطع طرق، إيقاف سيارات وحافلات، اعتقال معارضين أو اغتيالهم، اقتحام منازل وقتل السكان المشتبه فيهم..إلخ.

وإذا اشتعلت اشتباكات بين الميليشيات اليمينية والشرطة المحلية ووحدات الجيش فى بعض الأماكن، قد ينشق جنود عن وحداتهم.

أما باربرا ف والترز فقد ألفت كتابًا فى العام الماضى بعنوان: كيف تبدأ الحرب الأهلية، وقالت إن الحرب الأهلية الأمريكية الجديدة قد تشبه موجات العنف بين الكاثوليك والبروتستانت فى إيرلندا الشمالية إبان سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.

وإن كان توماس ريكس كتب مقالًا افتتاحيًا فى واشنطن بوست توقع فيه عدم نشوب هذه الحرب.

إن غدًا لناظره قريب.