الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين قوى الشرق والغرب الأهمية الاستراتيجية لوسط آسيا

اللعبة الكبرى



آسيا الوسطى.. ساحة «فرض» النفوذ

 

ساحة جديدة استطاعت أن تجذب قوى العالم الغربى فى بسط نفوذها، بعد احتدام الصراع فى أوكرانيا بين جبهتين: الصين وروسيا وحليفها الإيرانى من جانب، والولايات المتحدة وحليفها الأوروبى من جانب آخر، إلا أن الأخير هذه المرة يحاول اختراق نفوذ موسكو وبكين فى بلاد ما وراء النهر المعروفة ببلاد وسط آسيا التابعة للاتحاد السوفيتى السابق والتى تتضمن أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان.

 

آسيا الوسطى، أو بلاد ما وراء النهر، كما أسماها المسلمون الأوائل، منطقة جغرافية مغلقة تقع فى قلب قارة آسيا، من بحر قزوين فى الغرب إلى الصين ومنغوليا فى الشرق، ومن أفغانستان وإيران فى الجنوب إلى روسيا فى الشمال. تتكون المنطقة من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان.

وقد تحولت هذه المنطقة إلى منطقة تجاذب دولى، أطرافه قوى كبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية أو بعض القوى الإقليمية الصاعدة كتركيا وإيران.

 

منذ الحرب الباردة، إلى انهيار الاتحاد السوفيتى، وصولًا إلى احتلال أفغانستان، وصعود الصين وروسيا مجددًا على الساحة الدولية، تغير شكل وطبيعة الوجود الأمريكى فى «آسيا الوسطى»، حسب الغايات والأهداف المطلوبة منه أمريكيًا أو أوروبيًا.

ومع أن دولًا مثل أفغانستان وباكستان والهند، لا تُعتبر، بالمعنى الجغرافى، ضمن منطقة «آسيا الوسطى»، إلا أنه يمكننا إلحاقها بالدول الـخمس، نظرًا للتقارب فى الظروف والمصاعب التى تعيشها هذه البلدان، ولأنها كذلك تقع على ملتقى خطوط المصالح المتضاربة لكل من روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، إضافة إلى أن 4 منها تقع على الحدود الشمالية لأفغانستان، التى زاد احتلالها فى العام 2001 من التقارب ووحدة الحال فيما بينها.

 الصراع «النفطى»

«إذا رأيت حريقًا فى منطقة ما ففتش عن النفط»، مقولة بالغة الدلالة تختصر الصراع الجيوسياسى الدائر فى منطقة آسيا الوسطى حول النفط والغاز بين اللاعبين الاستراتيجيين الكبار فى عالم ما بعد الحرب الباردة.

وحسب وزارة الطاقة الأمريكية، فإن المنطقة وبحر قزوين تحتويان على ثانى أكبر احتياطى نفطى فى العالم بعد منطقة الخليج العربى والشرق الأوسط، وتشير أغلب الدراسات إلى أن نسبة الاحتياطيات النفطية للمنطقة تشكل حوالى 15 % من إجمالى الاحتياطيات العالمية. وبالنسبة للغاز الطبيعى، فإن المنطقة تحتوى احتياطيًا يعتبر الأول على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 50 % من إجمالى احتياطى الغاز العالمى.

ومنذ استقلال دول آسيا الوسطى عن الاتحاد السوفيتى، كثفت واشنطن من حملتها الدبلوماسية محاولة إقناع هذه البلدان بفتح حقولها أمام استثمارات الشركات النفطية الغربية والأمريكية منها خاصة. ويمكن تفسير اهتمام واشنطن بإعادة هيكلة وتأهيل القطاع النفطى لآسيا الوسطى وبحر قزوين بأن هذه الاحتياطيات تأتى من خارج الإطار التقليدى لمنظمة الأوبك.

يضاف إلى ذلك أن الجزء الأكبر من نفط هذه المنطقة مخصص للتصدير، حيث إن الاحتياجات الاستهلاكية المحلية لآسيا الوسطى قليلة ويتوقع أن تستمر على هذه الوتيرة.

كما أن عامل الافتقاد إلى رؤوس الأموال والتكنولوجيا اللازمة لعمليات البحث والتنقيب عن الموارد النفطية والغازية يفتح هذا القطاع الحيوى أمام الشركات الأمريكية التى تمثل رأس جسر تثبت من خلاله واشنطن مصالحها الإستراتيجية فى آسيا الوسطى من خلال عملية تموقع جيوإستراتيجية تمكنها من السيطرة على هذه المصادر الجديدة والمهمة للطاقة.

ولتحقيق هذا الهدف تسعى واشنطن لإخراج الدول المنتجة من دائرة النفوذ الروسى ومحاولة احتواء التحركات الصينية التى تستهدف زيادة نفوذها ووجودها فى هذه المنطقة، خاصة أن التصرف الأمريكى يندرج فى إطار اعتراف واشنطن لمنافسيها فى آسيا الوسطى باعتبارات وهواجس الأمن الشرعية ولكنها ترفض فى الآن نفسه الاعتراف بمجالات ومناطق النفوذ.

 «الانتماء» الروسى

تنضوى دول آسيا الوسطى ضمن الدول التى تملك موارد طبيعية لكنها ليست بالدول الغنية (هى بشكل رئيسى تمتاز باحتياطى قوى من الموارد المائية، والمعادن الخام، والنفط)، لكنها دول ذات مديونية. وانضمت الدول السابقة، باستثناء تركمانستان، إلى «منظمة شنجهاى للتعاون الاقتصادى» التى تضم بشكل أساسى كلًا من الصين وروسيا. وباستثناء تركمانستان أيضًا تستضيف هذه الدول قواعد عسكرية أمريكية.

ومنذ 70 عامًا كانت هذه الدول جزءًا من الاتحاد السوفيتى، وبسقوطه نالت دولها الخمس استقلالها، إلا أنها بقيت ضمن الحدود السوفيتية السابقة.

وقد ولدت الدول الجديدة مع نزاعات حدودية، ولم تسعَ لتأسيس أى مسار تكاملى فيما بينها، لم تلاقِ فى البدء الاهتمام والتركيز سياسيًا واقتصاديًا وحتى ثقافيًا من روسيا، لكن فى مرحلة ثانية، أى فى منتصف التسعينيات، استندت روسيا فى علاقتها بآسيا الوسطى إلى مبادئ «عقيدة بريماكوف»، حيث نجحت، جزئيًا، فى استعادة دورها كمركز نفوذ، وركزت علاقاتها العسكرية والأمنية المشتركة بتلك الدول، ما منحها نفوذًا عسكريًا كبيرًا، سواء فى الأطر الثنائية أو الإطار الجماعى الذى مثلته معاهدة الأمن الجماعى التى أسّست عام 1992.

فى المرحلة الثالثة وبوصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000 عزز حضور موسكو فى بلدان آسيا الوسطى، إذ استعملت أدوات نفوذها التى تمثلت فى وجود النخب ذات التوجه الروسى، والروابط الثقافية، وتأثير وسائل الإعلام، والعلاقات فى المجالات الاقتصادية والأمنية.

ومع أحداث 11 سبتمبر 2001 جرى التركيز على رفض الانتشار الأمريكى فى المنطقة بعد حرب الأخيرة على أفغانستان، وتحولت معاهدة الأمن الجماعى عام 2003 إلى منظمة تمتلك قوات مشتركة للرد السريع، وقد ضمت فى عضويتها إلى جانب روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا ثلاث دول من آسيا الوسطى، هى: كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان.

 صراع التواجد العسكرى

ومع اتحدام التوتر فى المناطق المجاورة وخاصة بعد الاحتلال الأمريكى للعراق 2003، بدأت حرب القواعد العسكرية، حيث تستضيف قرغيزستان وطاجيكستان على أراضيهما قواعد عسكرية روسية ثابتة قادرة على تنفيذ عمليات برية محدودة؛ وتعتمدان عسكريًا وأمنيًا اعتمادًا كبيرًا على روسيا.

وتعد طاجيكستان إحدى أفقر الجمهوريات السوفيتية سابقًا، وتربطها بروسيا علاقات قريبة جدًا اقتصاديًا، حيث يعمل أكثر من مليون مهاجر هناك، إلى جانب ما تحصل عليه من موارد الطاقة، فضلًا عن تحالف أمنى وعسكرى، وتنسيق فى مواجهة تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمخدرات عبر حدودها المشتركة مع أفغانستان. وقد جرى تمديد معاهدة الوجود العسكرى الروسى حتى 2042.

أما الولايات المتحدة، فقد عملت على نشر قواعد عسكرية فى أوزبكستان فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر وحصلت واشنطن على تسهيلات عسكرية لها فى مطار «خان آباد» العسكرى بأوزبكستان، لضرب «الإرهاب»، إلا أن الدولة الأوزبكية تراجعت عام 2005 وطلبت سحب القوات الأمريكية بذريعة أن «السياسة الدفاعية للدولة تقوم على مبدأ عدم المشاركة فى عمليات حفظ السلام والنزاعات العسكرية فى الخارج».

انسحبت القوات الأمريكية إلى مطار «ماناس» فى قرغيزستان التى طلبت عام 2015 سحب القوات الأمريكية، بإيعاز من روسيا.

لكن شكلت كازاخستان وتركمانستان بقدراتهما الإنتاجية والاحتياطيات النفطية والغاز وموقعهما على بحر قزوين مركزًا مهمًا بالنسبة إلى روسيا. تتشابك المصالح المتعلقة بالطاقة مع الاهتمامات الجيوسياسية لروسيا، فهى تنظر إلى الطاقة على أنها رأسمال يجرى توظيفه.

 التسلل الأمريكى 

وبغض النظر عن الفترات الزمنية التى حاولت خلالها الولايات المتحدة التواجد فى هذه المنطقة من العالم، وعن مدى نجاحها فى فرض حضورها فيها، فإن لهذا التواجد أهمية واضحة، وهى الاقتراب من منطقة نفوذ الغريمين الكبيرين، الصين وروسيا، ومضايقتهما فى عقر دارهما؛ إذ تحتل هذه المنطقة الحدود الغربية للصين، والجنوبية لروسيا، بالإضافة إلى الحدود الشرقية لإيران.

وساهم هذا «التطفل» الأمريكى عن غير قصد فى التقريب بين واشنطن وبكين، وفى تنسيق جهودهما لمواجهته وتحجيم فاعليته. لكنه بالمقابل حول دول آسيا الوسطى، المأزومة والمديونة، إلى أداة ضغط أساسية فى يد واشنطن فى وجه كلٍ منهما، إذ إن التواجد العسكرى الأمريكى فى هذه الدول، الذى حدث بعد عام 2011 خاصة، ساهم بربطها ببعضها البعض، واستتباعها للولايات المتحدة من خلال المعاهدات العسكرية وغير العسكرية المُبرمة بينها.

ليس الهدف الأمريكى من هذا كله خفيًا أو سريًا، إذ إن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت صراحة أن الهدف هو تحقيق رؤيتها الخاصة لمنطقة آسيا الوسطى، فى مواجهة «مبادرة طريق الحرير الجديد»، فى إشارة إلى الطريق التاريخى الذى ربط الصين قديمًا بآسيا الوسطى، ومنها إلى منطقة الشرق الأوسط، ليتفرع عبرها شمالًا إلى القارة الأوروبية وجنوبًا إلى القارة الإفريقية. وهو ما تحاول الصين إعادة إنعاشه فى الزمن الحالى، حيث سمته «مبادرة الحزام والطريق»، وهى المبادرة التى تتمتع بأهمية حيوية من الناحية الاقتصادية فى تصريف البضائع والمنتجات المتنوعة للعملاق الصناعى، ولضمان حصوله من جهةٍ أخرى على الإمدادات الخام من الطاقة من الدول الواقعة إلى الغرب منها، خاصة إيران التى وقعت معها بكين أواخر مارس الماضى اتفاقية للتعاون الاستراتيجى لمدة 25 عامًا. 

كما أن هذه المنطقة تشكل ساحة أخرى للإزعاج الأمريكى للصين، بعد الساحة الأخرى الأقرب والأكثر أهمية التى تمثلها منطقة جنوبى شرقى آسيا.