الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد كشف البرلمان الصينى النقاب عن ميزانية جديدة لتعزيز القدرات العسكرية خبراء صينيون يفسرون الأسباب الحقيقية لزيادة الإنفاق العسكرى

أثار الإعلان عن إقرار السلطات الصينية (اللجنة المركزية للحزب الشيوعى، والمجلس التشريعى، والحكومة) خلال افتتاح الدورة البرلمانية السنوية زيادة الميزانية الدفاعية  للعام الجارى بقيمة 225 مليار دولار، بنسبة زيادة 7.2% عن العام الماضى الكثير من المخاوف فى الأوساط الغربية.



وعلى الرغم من ظاهرة الزيادة غير المسبوقة فى حجم الإنفاق العسكرى التى اجتاحت العالم  شرقا  وغربا  بسبب الحرب الدائرة فى أوكرانيا، وكذلك الميزانية الدفاعية للولايات المتحدة فى العام الجاري والتى تبلغ  797 مليار دولار، أى ما يعادل 3 مرات ونصف قيمة الميزانية الصينية. علما بأن الميزانية الأمريكية لا تتضمن الإنفاق الدفاعى فى أوكرانيا  والتمويل الخاص بالإنشاءات والأعمال غير العسكرية لوزارة الدفاع.

 

  إلا أن كشف بكين عن  تعزيز  نفقاتها العسكرية لعام 2023 فى ظل التوتر مع الدول الآسيوية  المجاورة والولايات المتحدة وحتى حلف شمال الأطلسى على خلفية تصاعد نفوذها، أثار قلقا  جديا  لدى العديد من المراقبين الغربيين الذين  يعتقدون أن انقلابا جذريا يجرى الآن فى ميزان القوة العسكرية على النطاق العالمى.

فتقرير  وزارة  المالية الصينية الذى نُشِر على هامش الدورة السنوية لمجلس النواب ذكر أن ميزانية دفاع البلاد سترتفع بنسبة  7,2 % عام 2023، لتبلغ 1553,7 مليار يوان (225 مليار دولار)، فى أكبر زيادة لها منذ 2019. 

 كما دعا رئيس الوزراء الصينى لى كه تشيانغ هذا الأسبوع فى خطاب أمام البرلمان، إلى «تكثيف» تدريبات الجيش وكذلك «الاستعداد القتالى» وإحداث ابتكارات فى مجال التوجهات الاستراتيجية، وذلك  فى وقت يتصاعد فيه التوتر الصينى - الأمريكى خصوصا حول مسألة تايوان. مؤكدا أن محاولات الاحتواء القادرة من الخارج تتكثف بلا توقف.

وفى وقت سابق أمر الرئيس الصينى شى جينبينغ بتحديث القوات المسلحة الصينية بشكل كامل بحلول عام 2035. مشددا على أن تصبح قوات بلاده المسلحة قوة عسكرية «متفوقة عالميا» بإمكانها «خوض الحروب وتحقيق النصر فيها» بحلول عام 2049.

فى هذا السياق تطرقت وسائل إعلام صينية رسمية إلى زيادة الإنفاق الدفاعى، مشيرة إلى أن ميزانية الدفاع السنوية للصين ستحافظ على نمو برقم أحادى للعام الثامن على التوالى، بزيادة 7.2 بالمئة خلال عام 2023، حيث يخطط ثانى أكبر اقتصاد فى العالم لأن يبلغ الإنفاق الدفاعى 1.5537 تريليون يوان (قرابة 224.79 مليار دولار أمريكى) للعام الجارى، وفقا لمسودة الميزانية المركزية والميزانيات المحلية المقدمة إلى الدورة الجارية للهيئة التشريعية الوطنية الصينية.

وأن الزيادة فى ميزانية الدفاع بلغت 7.1 بالمئة فى العام الماضى. وأنه لطالما كان الإنفاق العسكرى للصين فى مركز التدقيق الغربى، وما يسمى بـ «التهديد الصينى» يتم تضخيمه كل عام تقريبا.

من جانبه، تحدث نائب البرلمان الصينى لى ييهو عن أسباب زيادة ميزانية الدفاع فى الصين قائلا:  إنها جاءت «مناسبة  ومعقولة»، مؤكدًا على حديث وانغ تشاو المتحدث باسم الدورة الأولى للمجلس الوطنى الـ14 لنواب الشعب الصينى، الذى قال إن النمو ضرورى لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة ولكى تفى الصين بمسئولياتها كدولة كبرى.

وذكر أن الأسباب وراء هذه الزيادة الطفيفة فى الإنفاق الدفاعى يعود  لأن الصين تنتهج سياسة دفاعية وطنية ذات طبيعة دفاعية. وقد شددت فى مناسبات متعددة على أنه مهما كان حجم الإنفاق الدفاعى أو مدى تحديث قواتها المسلحة، فلن تسعى الصين أبدا إلى الهيمنة أو التوسع أو خلق مجال نفوذ.

ومن جانبها، أشارت وسائل إعلام صينية إلى أن هذه الزيادة الطفيفة فى ميزانية الدفاع الصينية  ليست مثل ميزانية الدفاع فى الولايات المتحدة التى لديها حاليا حوالى 800 قاعدة عسكرية فى الخارج، مع 173000 من الجنود المنتشرين فى 159 دولة.

وأنه  فى السنوات الأخيرة، بلغ متوسط الميزانية العسكرية السنوية للولايات المتحدة أكثر من 40 بالمئة من الإجمالى العالمي، أى أكثر من 15 دولة مجتمعة.

فى حين تبلغ ميزانية الدفاع الصينية حوالى ربع ميزانية الولايات المتحدة التى بلغت حوالى 858 مليار دولار أمريكى فى عام 2023.

من حيث نصيب الفرد الواحد، فإن الإنفاق الدفاعى للصين يعد واحدا على 16 فقط من إنفاق الولايات المتحدة.

وفى إشارة إلى أن الإنفاق الدفاعى يتم تحديده على أساس الاعتبار العام للحاجة إلى بناء الدفاع ومستوى التنمية الاقتصادية للبلد، أكد وانغ تشاو المتحدث باسم الدورة الأولى للمجلس الوطنى الـ14 لنواب الشعب الصينى أن الإنفاق الدفاعى للصين باعتباره حصة من الناتج المحلى الإجمالى، وهو أقل من المتوسط العالمي، ظل مستقرا بشكل أساسى لعدة سنوات.

وأوضح أن «مصير الصين وثيق الارتباط بمصير العالم بأسره. ولن يشكل التحديث العسكرى الصينى تهديدا لأية دولة. بل على العكس، سيكون فقط قوة إيجابية لحماية الاستقرار الإقليمى والسلام العالمى».

وقال إن الصين تعد مساهما رئيسيا فى ميزانية الأمم المتحدة لحفظ السلام وأكبر دولة مساهمة بقوات بين الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن الدولى، حيث أرسلت أكثر من 50000 فرد فى مهام حفظ السلام على مدى العقود الثلاثة الماضية.

ومن جانبهم، أشار الخبراء الصينيون إلى أن زيادة ميزانية الدفاع معقولة بسبب خارطة طريق التحديث العسكرى للبلاد، والتهديدات الأمنية المتزايدة.  وقال الخبير العسكرى الصينى والمعلق التليفزيونى سونغ تشونغ بينغ لصحيفة جلوبال تايمز الصينية، إن الزيادة بنسبة 7.2 فى المائة فى ميزانية الدفاع تعنى زيادة 0.1 نقطة مئوية فقط مقارنة بالعام الماضى، وهى ليست عالية على الإطلاق مع مراعاة احتياجات الدفاع الوطنى والتنمية الاقتصادية للصين.  وأضاف سونغ إن معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى للصين فى عام 2022 كان 3 فى المائة، لذلك من المقرر أن يكون نمو ميزانية الدفاع مقيدًا ومعقولًا.

حددت الصين هدف نمو الناتج المحلى الإجمالى عند حوالى 5 % لعام 2023، وهو أعلى بكثير من معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى البالغ 3 % فى عام 2022، مما يعكس الثقة فى التعافى الاقتصادى على مستوى البلاد بعد تحقيق نصر حاسم ضد الوباء .

وأشار إلى أن الصين تهدف إلى تحقيق الأهداف المئوية لجيش التحرير الشعبى بحلول عام 2027، وتحقيق تحديث الدفاع الوطنى والقوات المسلحة بشكل أساسى بحلول عام 2035، وبناء القوات المسلحة بشكل كامل فى قوات ذات مستوى عالمى بحلول منتصف القرن الحادى والعشرين. 

وللوفاء بخارطة الطريق هذه، تحتاج الصين إلى زيادة نفقاتها الدفاعية تدريجيا على مدى سنوات عديدة بالتوازى مع النمو الاقتصادى للبلاد، حسبما قال خبير عسكرى مقيم فى بكين لصحيفة جلوبال تايمز .

قال الخبير إن تحديث الدفاع الوطنى يتكون بشكل أساسى من تطوير وشراء أسلحة ومعدات جديدة، والحفاظ على مستوى عال من التدريبات الواقعية الموجهة للقتال للقوات، بالإضافة إلى تحسين رفاهية الأفراد العسكريين.

وذكرت الصحيفة أنه فى عام 2023، من المتوقع أن يقوم جيش التحرير الشعبى الصينى بتكليف المزيد من الطائرات الحربية المتقدمة بما فى ذلك الطائرات المقاتلة الشبح J-20 والطائرات المقاتلة متعددة المهام J-16  الوقت الذى يتم فيه إيقاف تشغيل الطائرات المقاتلة القديمة من طراز J-7، وإجراء تجارب بحرية لحاملة الطائرات الثالثة فى البلاد، فوجيان المجهزة بالمنجنيق الكهرومغناطيسية. ومن المتوقع أيضًا إجراء تدريبات أكثر واقعية موجهة نحو القتال تستهلك كميات كبيرة من الذخائر الحية والوقود المكلف، وفقًا لمراقبين.

وأضافت الصحيفة: برزت أهمية تحديث الدفاع الوطنى بشكل خاص بسبب تدهور الوضع الأمنى ​​العالمى خلال العام الماضى، بما فى ذلك الصراع الروسى - الأوكرانى، والزيارة الاستفزازية لرئيسة مجلس النواب الأمريكى آنذاك نانسى بيلوسى إلى جزيرة تايوان والتى أدت إلى سلسلة من التدريبات العسكرية واسعة النطاق غير المسبوقة تطوق الجزيرة.

وأفادت الصحيفة الصينية: كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما فى ذلك اليابان، يثيرون مسألة تايوان والصراعات العسكرية المحتملة مع الصين. كثيرًا ما يرسل الجيش الأمريكى طائرات وسفنًا لإجراء استطلاعات عن كثب على أعتاب الصين، وفى بعض الأحيان تتعدى على المياه الإقليمية الصينية فى بحر الصين الجنوبى وعبور مضيق تايوان بشكل استفزازى، مما يثير المتاعب. انفصلت اليابان رسميًا عن مبدأ الدفاع فقط بعد الحرب العالمية الثانية فى عام 2022 وبدأت فى شراء صواريخ هجومية بما فى ذلك صواريخ توماهوك أمريكية الصنع يمكن أن تصل إلى دول أجنبية.

ونقلت عن  آراء المحللين أن العالم يواجه اليوم تحديات لم نشهدها منذ قرن. وأنه فى ظل الوضع الأمنى ​​العالمى الحالى، تحتاج الصين إلى تخصيص ميزانيات كافية لبناء جيش قوى وتدريب كافٍ لبناء قوة ردع ذات مصداقية لمنع حدوث الصراعات، والفوز بها إذا حدثت، وحماية السيادة الوطنية والأمن ومصالح التنمية.

العديد من الدول فى جميع أنحاء العالم تنشط فى الإنفاق العسكرى فى عام 2023، حيث تصدرت الولايات المتحدة القائمة بميزانية تبلغ 817 مليار دولار للبنتاغون، أى أكثر بثلاثة أضعاف من الصين. خططت اليابان لميزانية دفاع بقيمة 51 مليار دولار، وهو رقم قياسى أعلى بنسبة 26.3 فى المائة عن العام السابق. ومن المتوقع أن ترفع الهند ميزانية الدفاع بنسبة 13 %.فيما تتطلع دول أخرى مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأستراليا أيضًا إلى زيادة الإنفاق الدفاعى، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام.

لكن مراقبين قالوا إن الصين لا تشارك فى سباق تسلح مع دول أخرى.

وذكرت جلوبال تايمز أن الصين قادرة تمامًا على زيادة هذا الرقم إلى 2 فى المائة، لكنها اختارت عدم زيادة الإنفاق الدفاعى بشكل كبير وتصرفت بطريقة مقيدة، مما يدل على أن تطوير الدفاع الوطنى للصين مناسب ومعقول، ولن تشارك الدولة فى سباق تسلح، كما أن الصين تتبع استراتيجية دفاع وطنى ذات طبيعة دفاعية.

كان  الرئيس الصينى شى جين بينغ قد تحدث خلال جلسة برلمانية فى بكين عن حملة غربية تقودها الولايات المتّحدة لـ«تطويق» بلاده واحتوائها وقمعها. وقال شى بحسب ما نقلت عنه وكالة «شينخوا» الرسمية إن «دولا غربية، بقيادة الولايات المتحدة، نفذت سياسة احتواء وتطويق وقمع ضد الصين، الأمر الذى أدى إلى تحديات غير مسبوقة لتنمية بلادنا».

تصريحات الرئيس الصينى جاءت ردا على الجانب الأمريكى الذى يزعم أن الميزانية الصينية العسكرية الجديدة التى أعلنت عنها بكين، أخيرا، لا تعكس حجم الأموال التى تنفقها على التسلح.

وتزعم وسائل الإعلام الأمريكية أن الدوائر المعنية فى واشنطن وتحديدا «البنتاغون»، ووكالة الاستخبارات المركزية الـ «سى آى إيه»، يراقبان برامج الصين للتسلح عن قرب. 

وأن إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، تملك الأدلة على أن الرقم الرسمى الصينى الذى يتحدث عن رفع الميزانية العسكرية 7.2 فى المئة «لا يعكس الواقع الاستثمارى العسكرى للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين».

 من جانبها، تؤكد بكين أن زيادة الميزانية العسكرية «لن تشكل تهديدا لأية دولة»، مشددة على أن الأمر يتصل بمواجهة التحديات الأمنية المعقدة، وللوفاء بالتزامات البلاد بوصفها دولة كبرى وستكون الميزانية العسكرية الصينية لهذا العام (225 مليار دولار)، وهى ثانى أكبر ميزانية من نوعها فى العالم بعد الولايات المتحدة.