الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. الفردوس الملعون

الحقيقة مبدأ.. الفردوس الملعون

«واحة الديمقراطية» فى الشرق الأوسط كما أصروا على التسويق السياسى لها منذ نشأ الكيان الإسرائيلى وحتى الآن، بل إن هوليوود ساهمت فى نشر صورة زائفة عن أولئك التقدميين المتحضرين الديموقراطيين الذين يعيشون فى الشرق الأوسط بين أنظمة تراها السينما الأمريكية جديرة بالإطاحة.. والآن أصبح جليًا أن واحتهم تحكمها وزارة «المتطرفين»، من وزير مدان بالاحتيال إلى آخر متهم بالرشوة وخيانة الأمانة، ورئيس الوزراء يسعى لتحصين نفسه ضد دخول السجن، عن طريق فرض قانون يحميه مدى الحياة!



 

قناع المظلومية والتطلع نحو غد أفضل ظل ذريعتهم منذ إعلان تأسيسها على أراضى فلسطين، كى يغضّوا الطرْفَ عن الاحتلال وممارساته غير القانونية وغير الإنسانية.

لكن ها هو قناع الديمقراطية الزائفة قد سقط، بشهادة كثير من الإسرائيليين أنفسهم، وعلى مرأى ومسمع من العالم الغربى، والآن تعالت الأصوات طلبًا للنجدة، لكنها هذه المرة ليست صوت فلسطين التى سئمت الصمت الغربى والدولى، بل من الإسرائيليين، الذين وجدوا «ديمقراطيتهم» المزعومة تحت مطرقة اليمين المتطرف وتوحش المستوطنين.

مثلت الأساطير، منذ إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، جزءًا رئيسيًا من تراث إسرائيل، مِن الجيش الذى لا يُقهر، إلى الأمن الذى لا يمكن اختراقه، لكنّ «واحة الديمقراطية» ربما تكون الأسطورة الأطول بقاءً فى هذا السياق، ويمكن إرجاع ذلك إلى الرغبة المتبادلة بين زعماء إسرائيل من جهة والغرب من جهة أخرى، فى الحفاظ على تلك الأسطورة، لكن أحداث السنوات الأخيرة أسقطت الأقنعة، وفضحت الأسطورة، ليس فقط فى الخارج، وإنما فى الداخل الإسرائيلى ذاته.

فأسطورة الديمقراطية هذه كانت بلا أساس حقيقى منذ البداية، إذ إن «قانون العودة» الذى يعود إلى عام 1950 هو فى حد ذاته قانون يقوض أحد أعمدة الديمقراطية، وهى المساواة، فهذا القانون حدّد منذ البداية إطارًا تتميز داخله مجموعة عرقية بعينها عن باقى سكان الدولة. ورغم ذلك فإن الادعاء بأن إسرائيل دولة ديمقراطية استمر، وظلَّ يجد آذانًا مصغية فى الغرب على مدى عقود، بل ظلت مؤسسات غربية متخصصة فى ترتيب الدول حول العالم، فيما يُعرف بمؤشر الديمقراطية، تضع دولة الاحتلال فى مراتب متقدمة للغاية.

إذ جاءت إسرائيل، فى أحد مؤشرات الديمقراطية التى تصدر عن وحدة الاستخبارات بالإيكونوميست، فى المرتبة الثالثة والعشرين عالميًا، متقدمة على دول مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة، بعد أن منحتها الوحدة 7.97 درجة من إجمالى 10، وذلك عن عام 2021، وفى أعقاب تقرير منظمة العفو الدولية، الذى حكم بأن إسرائيل تطبّق نظام «الفصل العنصرى» ضد الفلسطينيين، مَن هم تحت الاحتلال، وحتى مَن يحملون الهوية الإسرائيلية من عرب فلسطين 1948.

أما عن كيف تُعامل إسرائيل الفلسطينيين من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية، أو عرب 1948، فتلك قصة لطالما غضّ الجميع الطرْفَ عنها، حتى سقطت الأقنعة خلال السنوات القليلة الماضية.

إذ يبلغ عدد سكان إسرائيل ما يزيد قليلًا على تسعة ملايين نسمة، وحوالى خُمس هؤلاء، أى نحو 1.9 مليون شخص تقريبًا هم من العرب، وهم الفلسطينيون الذين بقوا فى ديارهم التى أصبحت داخل حدود دولة إسرائيل بعد إنشائها فى عام 1948، بينما فرّ ما يصل إلى 750 ألفًا منهم، أو تعرّضوا للطرد من منازلهم خلال الحرب التى تلت ذلك.

يُطلِق السكان الذين بقوا داخل إسرائيل على أنفسهم اسمَ عرب إسرائيليين، أو فلسطينيين إسرائيليين، أو فلسطينيين فقط. وغالبية الفلسطينيين داخل إسرائيل مسلمون، ولكن كما هو الحال فى باقى المجتمع الفلسطينى يشكل المسيحيون ثانى أكبر مجموعة بشرية بينهم.

ومنذ اليوم الأول لإعلان إسرائيل كدولة، يتعرض الفلسطينيون حَمَلةُ الجنسية الإسرائيلية إلى تمييز منهجى فى بلادهم، وهو ما أكدته العديد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، إذ تقول منظمة العفو الدولية إن إسرائيل تفرض تمييزًا منهجيًا ضد الفلسطينيين الذين يعيشون فيها.

ووفقًا لتقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، فى أبريل/نيسان 2021، تمارس السلطات الإسرائيلية الفصل العنصرى، وهو جريمة ضد الإنسانية، سواء تجاه الفلسطينيين داخل إسرائيل أو الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية وغزة.

وللحكومة الإسرائيلية تاريخ طويل من مصادرة الأراضى المملوكة لعرب فلسطين من حملة الجنسية الإسرائيلية، والذين يتهمون تل أبيب بالتمييز المنهجى ضدهم فى الميزانية الوطنية.

النقطة المحورية فى أى دولة ديمقراطية هى القوانين التى تحكمها، والتى لا تفرق بين مواطنيها، فكيف تعمل تلك النقطة فى إسرائيل إذًا؟ فى البداية، القوانين التى تحكم دولة الاحتلال تختلف من مجموعة عرقية إلى أخرى، حيث لا يوجد قانون موحد يسرى على الجميع، ولكن كل مجموعة فى إسرائيل مختلفة عن الأخرى.

على سبيل المثال فإن القوانين الإسرائيلية التى تحكم أهلية الحصول على الجنسية الإسرائيلية تعطى الأفضلية لليهود، الذين يمكنهم الحصول على جواز السفر الإسرائيلى تلقائيًا، بغض النظر عن مكان ولادتهم، بينما يُحرم الفلسطينيون المطرودون من ديارهم وأطفالهم، من هذا الحق، حتى ولو كانوا من عرب إسرائيل.

وفى عام 2018، أقر الكنيست الإسرائيلى (البرلمان) «قانون قومية الدولة»، المثير للجدل، والذى ألغى اللغة العربية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العبرية، ونص على أن الحق فى تقرير المصير الوطنى «يقتصر على الشعب اليهودى».

وبإقرار هذا القانون، تكون إسرائيل قد أسقطت عن نفسها ورقة التوت رسميًا. فالقانون يعنى «التفوق اليهودى»، ويؤكد على أن العرب فى إسرائيل سيظلون «مواطنين من الدرجة الثانية» طوال الوقت.

ويرى كثير من المراقبين فى الداخل والخارج أن إقرار هذا القانون، والذى قدمه بنيامين نتنياهو، وكان رئيسًا للوزراء وقتها، مجاملة لحلفائه من المستوطنين واليمينيين المتطرفين، لكن ما جاء بعد ذلك أثبت أن ذلك القانون لم يكن إلا قمة جبل الجليد، إذ قبل مرور أقل من 4 سنوات على إقراره، سقطت إسرائيل وديمقراطيتها المزعومة فى قبضة الحكومة الأكثر تطرفًا على الإطلاق، وبرئاسة نتنياهو أيضًا.

النقطة الأخرى المحورية أيضًا فى أى دولة ديمقراطية تتعلق بعدم اللجوء لقوانين «الطوارئ» على الإطلاق، وإذا لجأت حكومة ما فى دولة ديمقراطية لتلك النوعية سيئة السمعة من القوانين لأسباب قد تراها «قهرية»، فإن ذلك يكون مؤقتًا وإذا ما تمادت تلك الحكومة فى توظيف تلك القوانين، تتصدى لها المحكمة العليا أو الدستورية.

فماذا عن إسرائيل؟ أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وبالتحديد خلال عام 2003، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قانون «المواطنة والدخول إلى إسرائيل» كقانون طوارئ يهدف إلى منع لم شمل الأسر من عرب إسرائيل، إذ نص على أنه «لن يُسمح لأى شخص يحمل بطاقة هوية الضفة الغربية أو غزة بالانتقال إلى إسرائيل للانضمام إلى زوجته/ زوجها هناك».

وبغض النظر عن المبررات التى ساقتها حكومة تل أبيب لتمرير قانون الطوارئ ذاك، وتصوير مقاومة الفلسطينيين للاحتلال وجرائمه بحقهم على أنها «إرهاب» يستدعى فرض الطوارئ، جاء أيضًا فى نص القانون أنه «يظل هذا القانون ساريًا حتى نهاية عام من تاريخ نشره، ولكن يحق للحكومة، بموافقة الكنيست، تمديد سريانه من وقت لآخر، لفترة يجب ألا تتجاوز سنة واحدة فى كل مناسبة».

اليوم وبعد عشرين عامًا بالتمام والكمال من تمريره، لا يزال قانون الطوارئ ذاك ساريًا فى إسرائيل، ويستمر استغلاله لعدم منح الجنسية إلا لعدد قليل ممن تنطبق عليهم شروطها، من غير اليهود بطبيعة الحال.

هذه ليست صورة عامة وتفصيلية لما سعوا منذ نشأة الكيان بل لمحات مهمة لما يدور داخله ثم محاولات بائسة لتصويره على أنه «واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط»، إسرائيل ليست فى حقيقة الأمر أكثر من كيان غارق فى الفساد والمصالح الشخصية، ولا تحكمه قوانين ولا مساواة ولا حتى حرية رأى، فى ظل شراء «التغطية»، وصفقات «التلميع»، وما فعلته حكومة نتنياهو الحالية لم يكن إلا تبجح العراة الذين يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية الزائفة.

أما الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وانتهاكات القانون الدولى التى ترتكبها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، فهى ما كان يتم تبريرها دائمًا على أنها «دفاع عن النفس»! فهو ما قد يرفعه أى نظام حكم فى العالم يراه الغرب مارقًا أو قمعيًا.

فمنذ البداية، تأسّس ذلك الكيان على أعمدة وهمية دعائية، عنوانها البرّاق هو «الديمقراطية»، لكن النخبة الفاسدة حتى النخاع، وغياب العدالة بين المواطنين، وعدم احترام القانون الدولى، أو القانون الأخلاقى، أو حتى القانون الإنسانى لا يمكن أن تكون إلا بنية تحتية لكيان عنصرى، يحمل بين جَنَباته أسبابَ انهياره على رءوس من شيّدوه.

وهكذا تشكّلت حكومة «السوابق» برئاسة المتهم بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة، لتضع المسمار الأخير فى نعش تلك الصورة الهزلية، التى أُشير إليها طويلًا على أنها «ديمقراطية إسرائيل وفردوس الإنسانية الموعود».