الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. الروليت الروسى

الحقيقة مبدأ.. الروليت الروسى

لعبة الحظ المميتة التى نشأت فى روسيا ويُعتقد أن تلك اللعبة تم اختراعها فى روسيا القيصرية، وانتشرت خلال القرنَينِ الثامن والتاسع عشر، وقد ظهرت لأول مرة علنًا فى قصة قصيرة لجورج سورديز، وفيها الشخص الذى يود القيام بها بوضع رصاصة واحدة فى المسدس، ثم يقوم بتدوير الإسطوانة التى يمكن أن تحمل ست رصاصات عدة مرات بحيث لا يعرف ما إذا كانت الرصاصة ستطلق أم لا، ومن ثم يوجه المسدس نحو رأسه ويسحب الزناد فإذا وضع رصاصة واحدة فإن احتمال موته هو 1 من 6، أى 16.667 %. تستخدم اللعبة لعدة أسباب، منها الانتحار أو إثبات الشجاعة أو ربما للحصول على ثروة أو سلطة أو هيمنة واضحة على كل المتفرجين وتبدأ بتحد بين شخصين يتناوبان الإطلاق، لحين موت أحدهما، فيأخذ من نجا أموال الذى أطلق النار على نفسه.



 

السؤال هنا؛ من الداعى للمقامرة؟! أهو الكرملين أم البيت الأبيض؟ ومن يستطيع القيام بحساب الاحتمالات وهل الاحتمالات الرياضية فقط هى الفيصل النهائى أم دقة ملاحظة كلا اللاعبين وقدرتهما على عد لفات بكرة (ساقية) المسدس لمعرفة أين تكمن الطلقة المميتة أو حتى الغرف الفارغة. 

من لديه القدرة الأعلى على تحمل الموقف؟! وليست المسألة فقط مرهونة بالأحجام الاقتصادية وأننا أيضا بمرونة الاقتصاديات الغربية المعروفة والخاضعة للقياس والحصر أمام الاقتصاد الروسى المترامى الأطراف والذى لا يستطيع أحد أن يضع له تقديرًا كاملاً أو حقيقيًا!!

ولا يجب على أى ممن يريدون تحليل الموقف المحتدم والذى يذهب إلى أقصى درجات التعقيد أن يغفل الفوارق فى البناء النفسى والاجتماعى للشعوب السلافية التى تتولى موسكو جمعها والدفاع عنها وعن أفكارها.. خاصة إذا قورنت بالشعوب الغربية التى ركنت إلى الراحة بعد الترف وعدم القدرة على تحمل تحديات الحرب على عكس روسيا وشعوبها المحيطة. 

ما بين سنة كاملة على بداية الحرب وخطاب الـ100 دقيقة الذى تحدث فيه بوتين عن مهمته فى الدفاع عن القيم الإنسانية التى تتفق مع الطبيعة البشرية وعن عدم المساس بالأمة الروسية الساعية للسلام على أسس التوازن؛ يطلق قراره بتجميد اتفاقية «ستارت»  الخاصة بالحد من سباق التسلح ثم يتحدث عن استقرار معدلات البطالة عند حدودها الطبيعية (فى إشارة منه لعدم اهتزاز الاقتصاد الروسى وبداية اهتزازات كبيرة فى الاقتصاد الأوروبى) وسابقا يستعرض صاروخ الشيطان العابر للقارات. 

بوتين يطلق تحذيراته لأوروبا بأنهم الخاسر الأكبر اقتصاديا من جراء استمرار الحرب ولعل انكماش الاقتصاد الألمانى هو خير دليل؛ على صعيد آخر ولكن فى نفس السياق تأتى لحظة حرجة توضح فيها الصين أنها عازمة على بناء ترسانة بحجم ترسانة واشنطن وموسكو واكتشف المفتشون الدوليون الآن دليلًا جديدًا على أن إيران تحرز تقدمًا سريعًا فى صنع وقود نووى شبه قنبلة كما أمضت كوريا الشمالية عطلة نهاية الأسبوع فى اختبار صواريخها الباليستية العابرة للقارات؛ تشير كل علامة إلى أن العالم على وشك الدخول فى حقبة جديدة من الاختراق النووى، تحمل لاعبين جددًا وفى مستقبل غير بعيد قد يظهر لاعبون غير متوقعين.

خلال أقل من عام تنتهى ولاية بوتين كرئيس للدولة مع احتمال ترشحه لفترة رئاسية جديدة فى مارس 2024، مما يعنى أنه يحتاج إلى نصر ساحق فى الحرب قبل خوضه الانتخابات وهو ما سوف يستدعيه لاستخدام كامل قوته الضاربة أما آلة الحرب الغربية!! وعلى الجانب الآخر؛ هل الغرب مستعد لدفع الثمن الباهظ ؟! أشباح من ماضى أوروبا القريب تحوم داخل أذهان متخذى القرار؛ ولا أحد سيتحمل هذا الخراب!!

واشنطن لا تريد لكل من بكين أو بيونج يانج أو طهران أن تكون أطرافًا فى معادلة القوة الدولية ولكنها تستطيع تقبل موسكو كطرف ليس معادلًا لها وإنما أقل مرتبة (فى حدود المسموح) وفى الوقت ذاته لديها أسبابها للحد من نمو قدرات الاقتصاد الأوروبى وميوله الذاهبة للشرق الأوسط وتفاهماته بشأن قضية الصراع العربى الصهيونى.

القاهرة تتعامل بحكمة غير مسبوقة فى مراقبة اللعبة وتظهر ميلًا لأى من الجانبين بل وتلعب دورا ليس بسيطًا فى محاولة لإيجاد تفاهمات بين موسكو وأوروبا وواشنطن على صعيد والسيطرة على بعض من التسرع العربى فى إعلان مواقف على صعيد آخر؛ محيطة نفسها بطبقات من التحالفات والشراكات بين من استطاعت كسب ثقتهم كشريك ووسيط نزيه وفاعل.

يقف العالم الآن فى واحدة من أكثر لحظاته حرجًا قبيل انطلاق الرصاصة القاتلة ويحاول الكثيرون إنهاء لعبة الروليت الروسى بلا ضحايا؛ بنتيجة لا منتصر ولا مهزوم على أن يكون ذلك قبل ديسمبر من العام الجارى.