الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر اولا.. منعًا للتزوير والتلاعب والسرقة.. حماية الملكية القومية الثقافية والفكرية المصرية

مصر اولا.. منعًا للتزوير والتلاعب والسرقة.. حماية الملكية القومية الثقافية والفكرية المصرية

هناك حديث يدور فى الوسط الثقافى عن تعديل فى محتوى بعض روايات يوسف إدريس بحذف بعض الفقرات، ومن قبل ثار الكثيرون ضد أغلفة روايات نجيب محفوظ فى طبعتها الجديدة. وحدث تغيير وتعديل عن الطبعات الأولى لكتب حسن البنا وسيد قطب. كما يتم عرض بعض الأفلام مثل فيلم «المتسول» لعادل إمام على بعض الفضائيات بعد حذف أغانٍ لأحمد عدوية وبعض الرقصات. وحذف الكوبليه الأخير «إذا جئت بعد الحج قبر محمدٍ» من أغنية أم كلثوم «إلى عرفات الله» من كلمات أحمد شوقى.



 

ما الهدف؟ ومن وراء هذا التلاعب فى المحتوى الرئيسى للأعمال الفكرية والفنية؟! 

 قانون

تشير الملكية الفكرية حسب «المنظمة العالمية للملكية الفكرية» إلى أن إبداعات العقل من اختراعات ومصنفات المبدعين الأدبية والفنية وكذا التصاميم والشعارات والأسماء والصور المستخدمة فى التجارة. والملكية الفكرية محمية قانونًا بما يمكن الأشخاص من كسب الاعتراف أو الإفادة ماليًا من ابتكاراتهم أو اختراعاتهم. وتتحدد أنواع الملكية الفكرية فى: حق المؤلف، والبراءات، والعلامات التجارية، والتصاميم الصناعية، والمؤشرات الجغرافية، والأسرار التجارية.

ما يهمنا هنا هو حق المؤلف، وهو مصطلح قانونى يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين فيما يخص مصنفاتهم الأدبية والفنية، ويغطى حق المؤلف طائفة مصنفات واسعة من الكتب والموسيقى واللوحات الزيتية والمنحوتات والأفلام إلى البرامج الحاسوبية وقواعد البيانات والإعلانات والخرائط الجغرافية والرسوم التقنية.

 تشويه موجه

التغيير والتعديل الذى حدث بعد الطبعة الأولى لكتاب حسن البنا «مذكرات الدعوة والداعية» وكتاب سيد قطب «معالم فى الطريق»، كان قرارًا من جماعة الإخوان المسلمين لإعادة صياغة صورتهم الافتراضية لتبدو براقة لدرجة التعظيم والتقديس باعتبارهم مرجعيات غير قابلة للخطأ.. وهذا لا يعد كما يظن البعض مراجعة فكرية؛ فالمراجعات الفكرية تكون بمناقشة آرائهم الدموية المتطرفة وتفنيدها ودحضها، لكن هذا التغيير فى أصول كتبهم يستهدف التكريس لحكمتهم الخادعة ويكشف ورعهم المراوغ وتقواهم المزيفة. وهو ما جعلهم يحذفون ويضيفون ويعدلون.. ليظل ما يروج له متسقا مع أهدافهم فى ترسيخ صورة ذهنية محددة لهم ولقادتهم فى العقل الجمعى.. لتأكيدها باعتبارها الحقيقة المطلقة حتى يطمس أى صورة أخرى تشكك فيما روجوه وحاولوا نشره على مدار سنوات طويلة للسيطرة على المجتمع والهيمنة عليه.

ومن منطلق آخر (له وجاهته للأسف عند البعض) تم حذف جمل وفقرات من روايات مصرية عظيمة تحت تبرير احتوائها على عبارات خادشة للحياء من جانب، وتحت مظلة الحفاظ على الأخلاق من جانب آخر. كما تم حذف مشاهد وأغانٍ ورقصات من أفلام تمثل التراث الفنى المصرى. كما تم حذف مقاطع غنائية فى نسخٍ مذاعة بدول مجاورة كانت متشددة وتراجعت عن تشددها هذا الآن.

ما يحدث فعليًا أنه حسب مزاج دار النشر أو الإذاعة أو القناة الفضائية التى تبث الأفلام أو تذيع الأغانى.. تتحكم هذه الوسائط وقنوات الاتصال فى المحتوى دون أى مراعاة لحقوق الملكية الفكرية. والنتيجة تشويه بالحذف للمنتج الفكرى والأدبى والفنى تحت مبررات متعددة منها التشدق بالحفاظ على الأخلاق وللأسف يتم هذا أحيانا بموافقة الورثة، وهو ما يمثل انتهاكا قانونيًا لحقوق الملكية الفكرية لأصحابها الأصليين. 

 رقابة ملاكى

روايات يوسف إدريس ونجيب محفوظ وأغانينا وأفلامنا السينمائية.. هى تراث مصرى وإنسانى مقدر.. إما أن ينشر أو يعرض أو يبث كما هو، أو لا يعرض بهذا الشكل الذى ربما يتناقض مع أصله.. لأن الملكية الفكرية هنا لا تقتصر فقط على حق النشر والبث والإذاعة، ولكن على المحتوى أيضًا الذى لا يجوز بأى حال من الأحوال تشويهه بالحذف والتعديل.. خاصة أن جميع الكتب تم نشرها بعد حصولها على الترقيم (الإيداع) المحلى والدولى، كما أن جميع الأفلام المصرية التى تعرض على شاشات الفضائيات المصرية الرسمية.. معتمدة من الرقابة على المصنفات الفنية. وهو ما يعنى أنها النسخ الأصلية المعتمدة فنيًا وقانونيًا وفقا للقانون المصرى الذى يخضع له المنتَج، والتى لا يجوز إجراء أى تعديل عليها إلا بالإشارة لذلك فى حالة تبسيطها للأطفال مثلًا.. سواء باعتبارها نسخة منقحة أو موجهة لفئة أو سن محدد.. مثلما حدث مثلا مع كتاب «ألف ليلة وليلة» وكتاب «تجريد الأغانى» لابن واصل الحموى على أغلفتهما لبيان أنهما ليسا المحتوى الكامل. 

 مقترحات مستقبلية

أولًا: تتوزع حقوق الملكية الفكرية فى مصر على ثلاث وزارات هى: وزارة الثقافة لحقوق ملكية المحتوى الأدبى والفنى، ووزارة الصناعة لبراءات الاختراعات، ووزارة التموين للعلامات التجارية. ولذا أعتقد فى أهمية وجود هيئة واحدة فقط معنية بجميع أنواع ومجالات حقوق الملكية الفكرية لحماية المحتوى والمنتج والمصنف المصرى من التلاعب.

ثانيًا: عدم قبول حذف مشاهد فنية أو أجزاء أدبية أو غيره. وفى حالة إذا ما كان المحتوى لا يتناسب مع سن أو فئة محددة.. ويتم الإعلان عن ذلك مباشرة وبوضوح.. مثلما نرى على بعض الأفلام أو المسلسلات بكتابة ملاحظة أو إشارة أنه فيلم يحتوى على مشاهد مرعبة أو مشاهد لمن هم فوق الـ18 سنة.. تجنبًا للمزايدة بالدفاع عن الأخلاق بشكل يسىء للأخلاق فى الحفاظ على حقوق الكتاب والمبدعين.. فالحفاظ على الأخلاق مشروط.

ثالثًا: الحظر القانونى لأى تغيير عن النص الأصلى سواء من جهة النشر أو البث والإذاعة تحت أى تبرير وحتى مع موافقة الورثة، فعلاقتهم بالعمل الموروث تقتصر فقط على حصولهم على المقابل المادى.. لأنهم يملكون الحقوق المادية والأدبية فى إعادة نشر طبعات أخرى، ولكنهم لا يملكون بأية حال تغيير المحتوى والعبث فيه.

رابعًا: أغلفة الكتب والأفيشات هى جزء من المحتوى الفكرى والأدبى.. فلا يجوز تغييرها أو تعديلها أو الحذف منها. وإن تم ذلك فى طبعات جديدة فيجب أن يكون ذلك وفقا لضوابط فنية ترعاها الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة ومجلسها الأعلى.

 ملاحظة خارج السياق

تقتضى حقوق الملكية الفكرية هنا أن يكون لدينا نسخة معتمدة للمحتوى الفكرى ورقيًا ورقميًا.. حتى لا يحدث تزوير موجه لصالح أهداف محددة.. خاصة فى كتب التراث.. سواء لعدم وجود المخطوط الأصلى مع افتراض حسن النية باختفائه أو ضياعه أو سرقته أو.. وحتى لا نجد أنفسنا أمام نصوص صادرة فى طبعات جديدة، ولا نستطيع بيان مدى دقتها وصحتها.. لعدم وجود نسخة أصلية معتمدة.. مما يعنى إعادة صياغة تاريخنا وتراثنا لصالح غيرنا. وما يحدث من محاولة تحسين صورة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية أو اختراق الحضارة المصرية القديمة أو إعادة رسم ملامح عصر الملك فاروق.. أمثلة صريحة على ذلك. 

ولنا فى ذلك تجربة ناجحة سابقة.. قامت بها هيئة الكتاب فى بداية عام 2021 بإتاحة نسخة أصلية مرقمنة لكتاب «وصف مصر» وتم وضع النسخة على موقع مكتبة الإسكندرية وعلى موقع المكتبة الرقمية العالمية.

 نقطة ومن أول السطر

أتمنى أن تتبنى مصر دعوة عامة عالمية لتعديل قانون الملكية الفكرية لاعتماد ما يمكن أن نطلق عليه «النسخة المعتمدة للمحتوى ورقيًا أو رقميًا» سواء للأعمال الفكرية أو الأعمال الفنية حفاظًا على المحتوى الثقافى والإنسانى، وتقنين ذلك من خلال تعديل قانون الملكية الفكرية المصرى. وهى الدعوة التى أتضامن فيها مع دعوات د. شوكت المصرى «أستاذ النقد الأدبى بأكاديمية الفنون».

حقوق الملكية الفكرية هى منظومة قانونية، وليست ممارسة رقابية للمحتوى الفكرى والفنى.. على حسب الأهواء الشخصية أو الموجهة.>