الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أبرز ردود فعل الجاليات الأرمينية على زيارة الرئيس السيسى لبلدهم الأم «أرمن» إرثا لكنهم «مصريون» بالروح والدم

لا يعتبر الأرمن فى مصر جالية لدولة أخرى تجمعها علاقات قوية وتاريخية، بل هم مواطنون فى بلدهم، لا يقل عن انتمائهم لدولة أرمينيا بل يزيد كثيرا، والمشهد الفاصل فى هذه العلاقة لا يتعلق فقط بالتواجد الأرمينى فى مصر الذى تعاظم منذ مئات السنين وبروزهم فى دوائر الحكم والسياسة والاقتصاد والتجارة والثقافة والفن أيضا، وارتباطهم ضمن المكون الأساسى فى النهضة التى أقامها محمد على منذ أكثر من 200 عام، وظهرت منهم علامات تتواجد فى الكثير من القطاعات والمحافل حتى الآن.



المشهد الذى لم ولن يغيب عن كل أرمينى احتوته مصر وشعبها ومستمر مع أجيال شابة حاليا ويحمل صيغة الوفاء والامتنان منذ ما يزيد على قرن من الزمان فى فترة الحرب العالمية الأولى عندما تعرض الأرمن للإبادة الجماعية المدرجة ضمن المآسى البشعة على يد الدولة العثمانية عندما قتلوا وشردوا وذبحوا أطفالهم واغتصبوا نساءهم وإباحة أموالهم وممتلكاتهم وضاعوا فى الصحراء جائعين يواجهون الموت، فكانت مصر مع سوريا ولبنان من الدول القليلة التى احتضنتهم وفتحت أبواب الشعب لمن جاءوا مكسورين فاقدى الأرض والوطن والأهل.

وفى إطار زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى كأول رئيس مصرى إلى أرمينيا على الرغم من العلاقات الوثيقة بين البلدين والشعبين، كان هناك احتفاء واضح وردود فعل من الأرمن الذين يعيشون فى مصر وخارجها، على الرغم من مشاغل الحياة اليومية، وعندما استفسرنا عن السبب الخاص بهذا الاحتفاء من جانبهم بهذا الشكل، كان الرد أن هناك نظرة خاصة من جانبهم للرئيس السيسى، مرتبطة بما تعرض لهم أجدادهم فى المذابح الشهيرة منذ أكثر من 100 عام فى مناطق الأناضول وآسيا الصغرى التى أصبحت دولة تركيا جزءا منهم، ليفقدوا الأرض والوطن وقتئذ، وارتباطهم ونظرتهم للرئيس السيسى مرتبطة بالمقام الأول بأنه يعرف معنى وقيمة الأرض والوطن الذى حرموا منه فى مأساة على مدى قرون، كما ذكر «أرمن» فى عدة دول.

واحتضنت مصر الأرمن وأصبحت لهم الوطن بعد أن فقدوا كل عزيز وغال، وعاشوا ليصبحوا ضمن نسيج الشعب واجتهدوا ليكون لهم أدوار بارزة على عدة مستويات، وبجانب هذا الاندماج، وفرت لهم مصر البيئة التى يحتفظون فيها بطقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والدينية، وينقلون مؤسساتهم ومدارسهم وكنائسهم.

الأرمن الذين احتوتهم مصر من المذابح منذ أكثر من 100 عام، يتذكرون بشدة المأساة التى تعرض لها أجدادهم، ويحتفظون بها جيدا لتنقل من جيل إلى جيل حتى أصبح للهاربين من الإبادة العثمانية جيل سادس فى الوقت الحاضر، حيث إن من جاءوا إلى مصر أطفالا مشردين أو أيتاما، عاشوا على هذه الأرض وأصبح لهم الآن أحفاد، تنقل لهم حتما الحكاية بتفاصيل حول المجرم الذى قتل الأبرياء العزل ومن احتضن المكلومين، لتكون الأرض التى استقبلتهم وطنا.

مصر منحتنا الحياة

ويقول رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية فى مصر الدكتور أرمين مظلوميان، فى تصريحات لـ«روز اليوسف»، إن احتفاء «أرمن» مصر بزيارة الرئيس السيسى إلى العاصمة الأرمينية يريفان، له عدة أسباب، منها أنها أول زيارة لرئيس مصرى إلى أرمينيا بعد علاقات تاريخية وعميقة بين الشعبين والبلدين على مدى قرون سابقة ومستمرة، فضلا عن إدراكنا أن هذه الزيارة ستفتح آفاق التعاون الثنائى بين الدولتين ليصل إلى درجات مختلفة عما كانت عليه فى الماضى فى جميع المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية وأيضا مكافحة الإرهاب مشيرا إلى أن الجولة الآسيوية للرئيس السيسى التى كانت محطتها الأخيرة «أرمينيا» عبارة عن رؤية بعيدة المدى من القيادة السياسية لأهمية تلك المنطقة بشكل عام ولاسيما فى الوقت الحالى، حيث ترى الدولة المصرية أهمية الاتجاه شرقا وهى رؤية صحيحة وسط تداعيات جيوسياسية دولية.

ورد «مظلوميان» عن سبب انحياز الأرمن سواء فى مصر أو فى العالم العربى والمنتشرين فى العالم أو أرمينيا نفسها: «السيسى بيحافظ على شىء اسمه الوطن ونحن تاريخيا فقدنا الوطن والاستقلال لمدة 600 سنة متتالية وعرفنا الاستقلال والعودة للوطن عامين فقط ثم فقدناه مرة أخرى عام 1920 عندما أصبحت بلدنا «شيوعية» تابعة للاتحاد السوفيتى حتى تفكك فى تسعينيات القرن الماضى، وفى ظروف سابقة مرت بها مصر، وجدنا فى هذا الرجل أنه يحافظ على الأرض والوطن، وهذا ما افتقدناه كثيرا كـ«أرمن» فى بلدنا ومن ينتشرون فى جميع أنحاء العالم».

ولفت «مظلوميان» إلى أن الأرمن فى مصر يعتبرون أنفسهم جسر تواصل بين مصر وأرمينيا، وذلك يساعد فى تقوية العلاقات بشكل أكبر فى ظل رؤية القيادة السياسية فى القاهرة ويريفان.

 وطنها مصر وإرثها الأرمن

أجيال عدة أرمينية فى مصر، يتم تربيتهم على أمرين، يتناقلان عبر ذاكرة الأجداد عبر الأباء والأمهات، الأول المذابح والإبادة الجماعية المنظمة من جانب الدولة العثمانية بحق ملايين الأرمن وقت الحرب العالمية الأولى , أما الأمر الثانى فهو الدول التى حاولت تضميد جراحهم وفتح شعوب تلك البلدان منازلهم لهؤلاء المكلومين منذ أكثر من 100 عام وأعطوا لهم حق المواطنة والأمل فى الحياة، وأبرز تلك الدول مصر.

من بين تلك الأجيال «ريتا كيفوركيان» التى نقل لها قصص الإبادة وتأثرت بها وانعكست على داخلها، لتفجر داخلها «هواية» أصبحت من خلالها «رسامة» لها معارض إقليمية ودولية على الرغم من صغر سنها حيث إنها مازالت طالبة جامعية.

«ريتا» وطنها مصر ولكنها مازال فى داخلها إرث الأرمن من حياة وأيضا الأم مازالت فى الروح والذاكرة، الأجداد من الأب والأم حضروا إلى مصر أطفال أيتام مشردين، بعد أن هلكت الأسرة وقتل الجميع من رضع ونساء ورجال وكبار سن، وفى ظل ما وفرته مصر للهاربين الأرمن من حياة ومجتمع يشعرون فيه بالطمائنية بعد الكابوس، جاءت مجددا التجمعات الاجتماعية للأرمن فى مصر لتكون «ريتا» شاهدة على المذبحة التى نقلتها فى رسوماتها ولوحاتها.

وترى «ريتا» أن كل أرمينى لديه قصة مؤلمة عن المذابح من آبائه وأجداده وكان هناك «شاهد» من الصور القديمة التى عكست لها تلك المشاهد السوداء، لتعبر عنها بالرسم الذى يقدم الدم والقتل والابادة لشعب الأرمن، وتقول لـ«روزاليوسف»: «لم يجد أى أرمينى هارب غربة فى مصر والحكايات التى سمعتها من أجدادى أو قرأتها فى كتب، تؤكد أنه لم يتم التعامل مع الأرمن الهاربين بتاتا على أنهم لاجئون بل تم التعاطف معهم وقبولهم فى المجتمع بالعادات والتقاليد وكل ما جاءوا به بعد أن هربوا من البلد الأم، وفى نفس الوقت أصبحت الأجيال وأنا منهم ضمن نسيج هذا الوطن ولم يشعر أجدادى بالعزلة وأنا الآن أحافظ على هويتى كـ«أرمينية» ولكن مصر وطنى».

جالية فعالة فى المجتمع

ويعلق أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والمتخصص فى العلاقات الدولية والمهتم بالشأن الأرمينى، د.محمد رفعت، أن الجالية الأرمينية فى مصر قديمة ومهمة وفعالة وكانت من الجاليات الايجابية البناءة وعملوا لأنفسهم ولمصر الكثير فى عدة مجالات، وكان لديهم أمل كبير فى أن رئيس مصرى يزور أرمينيا ويعمق العلاقات مع بلدهم الأم ومن هنا أخذت زيارة الرئيس السيسى إلى العاصمة يريفان هذا الاحتفاء.

ويوضح «رفعت» لـ«روز اليوسف»، أنه من الناحية الجيوسياسية فإن معادلة القوة والعلاقات الدولية انتقلت إلى آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأقصى, وبالتالى فإن زيارة الرئيس السيسى تتواكب مع هذا الإطار حيث أراد أن يشترك فيما نسميه فى العلاقات الدولية بـ «التواجد الفعال».