السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. الكل ينتظر «نوح»

الحقيقة مبدأ.. الكل ينتظر «نوح»

تختلف نظرة الشعوب والأمم لقصة سيدنا نوح عليه السلام، فهناك من يراها قصة طوفان نوح وهناك من يراها قصة سفينة نوح وكلتا النظرتين تعكسان ذهنية الشعوب، فالعرب يرون الطوفان لأنه يمثل بالنسبة لهم نظرية الحل عن طريق العقاب الإلهى الذى يقضى على الأخضر واليابس فيذهب الظالمون ويبقى الأخيار دون أى جهد من المخلوق سوى أن يتحلى بفضيلة الصبر والدعاء على الظالم، أما الشعوب الغربية فتراها بنظرية الوحى الإلهى الذى يهبط على أذهان الأخيار لإيجاد حل بالاجتهاد فى بناء السفينة وجمع صنوف المخلوقات أملاً فى مستقبل جديد للبشرية.



 

كذلك هى قضية الصراع العربى الصهيونى على امتدادها الزمنى وبمنعطفاتها التى لا تنتهى فكلا الطرفين يرون الحل كل ببنائه الذهنى لذلك تجد الفاعلين وتجد المنتظرين. 

ولعل من الأهمية القصوى أن نقرأ بعمق كيف ستعمل حكومة نتنياهو بعد أن حصلت على الثقة، حيث قدم الائتلاف الحكومى لسكرتارية الكنسيت «وثيقة الخطوط العريضة»، وضمنها بندان يتصلان بموقع الملفين الفلسطينى والعربى فى الحكومة الجديدة، وهما على النحو التالي:

1 - تعزيز مكانة القدس وتعميق الاستيطان ومحاربة «العنف»:  جاء فى البند الأول من الوثيقة أن «للشعب اليهودى حقًا حصريًا وغير قابل للتقويض على كل مناطق أرض إسرائيل.. وستدفع الحكومة بتطوير الاستيطان فى جميع أنحاء أرض إسرائيل، فى الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة.. (لاحظ استخدام المسميات) وستعمل الحكومة من أجل تحصين الأمن القومى وتوفير أمن شخصى للمواطنين من خلال محاربة العنف والإرهاب بحزم، وستعمل من أجل تعزيز مكانة القدس».

لم تكن التحولات التى تُظهرها الحكومة الإسرائيلية فى وثيقتها العامة وليدة الانتخابات الأخيرة ونتائجها؛ ففى الحملات الانتخابية وقبلها بدت المواقف الحزبية المؤيدة للاستيطان والرافضة لاستئناف التسوية السياسية ومبدأ «حل الدولتين» أكثر وضوحًا. غير أنَّ هذه المواقف تزداد تعقيدًا مع سيطرة التيارات الدينية على الحكم وتفويضها بصلاحياتٍ واسعة، ومن بينها تفويض «سموتريش» بصلاحية تطبيق خطته المعروفة بـ«خطة الحسم» ، التى تتطابق مع برنامج «حزب الليكود» بشأن الاستيطان فى الضفة الغربية، ومكافحة السيطرة الفلسطينية فى المنطقة (ج)، ومقاومة كافة الضغوط والمحاولات لتقليص السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية. 

وبهذا المعنى، تحظى الاتفاقيات العربية- الإسرائيلية بتأييد الحكومة الإسرائيلية، التى تصادق على توسعة دائرتها فى إطار ما تعلنه لتحقيق هذه الغاية وما تقوم به من إجراءات. ليس أدل على ذلك من تصريحات رئيسها «نتنياهو» من تطلعه وبحثه عن فرصة لتحقيق انفراجة دبلوماسية مع السعودية وتدشين العلاقات الرسمية معها، فهو يدرك المكانة الدينية للسعودية باعتبارها معقل الإسلام السُّنى - حتى الآن - وأنها هى التى بادرت إلى تبنى مبادرة السلام العربية عام 2002. 

2 - توسيع دائرة السلام مع الدول العربية وتطوير التحالفات معها:  تضمنت وثيقة الخطوط العريضة، نيّة الحكومة الإسرائيلية العمل من أجل دفع السلام مع جميع الدول المجاورة من خلال الحفاظ على المصالح الأمنية، التاريخية والقومية الإسرائيلية.. والعمل من أجل تعميق التعاون مع دول (اتفاقيات أبراهام) من خلال التزام وتعاون بين الوزارات من أجل دفع هذا التعاون، وستدرس الحكومة حلولًا، وتعمل من أجل دفع اتفاقيات سلام جديدة من أجل إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي».

قد يراهن البعض على مآلات مختلفة تتعلق بالعقاب الإلهى أو فى أفضل الأحوال استيلاد موقف ضاغط من خلال الشارع العربى مما قد يؤدى إلى تجميد بعض من الخطوات أو عدم المضى قدماً فى مسارات التطبيع؛ وهو الرهان المستبعد من وجهة نظر الكاتبة ويصر الخليج على استبعاد القاهرة من معادلة الحل فى ظنٍ مثير للشفقة والضحك معاً أن التراكم الرأسمالى الخليجى قادر على ترجيح الموازين خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية!!

عجلة التاريخ لا تتوقف عن الدوران ولا يوجد حل إلا من خلال القاهرة لما تمتلكه من مرونة وخبرة سياسية لا تتوافر ولن؛ إلا لديها.. بل إن الغرب والسياسيين الإسرائيليين يستوعبون ذلك بالكلية، وإلا قادنا ذلك إلى وضع أكثر وحشية، وافتراساً سواء للفلسطينيين أو لاستقرار الأنظمة الخليجية القائمة حاليا؛ يفيد باستمرار الوضع الراهن، دون أن تتأثر علاقات التطبيع بالتحولات والسياسات الإسرائيلية، وضمنها التصعيد ضد الفلسطينيين؛ فخلال الشهر الأول من تنصيب الحكومة الإسرائيلية شهدت الضفة الغربية موجات من الاعتداءات الإسرائيلية، أدّت فى مجملها إلى مقتل (30) فلسطينيًا، واقتحامات لباحات المسجد الأقصى بحماية القوات الأمنية والشرطية (أبرزها اقتحام ايتمار بن غفير)، وهدم قرية العراقيب فى منطقة النقب لمصادرتها وتحويلها إلى مستوطنات، واقتحام قرية الخان الأحمر شرقى مدينة القدس من وزراء وأعضاء كنيست ومستوطنين لترحيل سكانها وهدمها وتهويدها. وفى ظل هذه الأوضاع، استمرت العلاقات العربية- الإسرائيلية على حالها، واكتفت الدول العربية بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية، لكن الإدانة والانتقادات لم تترجم إلى إجراءات عملية باستثناء مطالبة دولة الإمارات عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة قضية اقتحام «بن غفير» للمسجد الأقصى. كما عُقد بعدها الاجتماع الأول لمجموعات «عمل منتدى النقب» فى أبو ظبى بمشاركة الدول الست الأعضاء؛ استكمالًا لما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الوزارى الذى عُقد فى مارس 2022، فى النقب.

وبقدر ما شكلت ما أطلق عليه الاتفاقيات الإبراهيمية مدخلًا للتعاون بين إسرائيل والدول العربية الأربعة المنخرطة فيها، وما حققّته من مكاسب لهذه الأطراف مجتمعة- وإن بدرجات متفاوتة- خلال العامين الماضيين، إلا أن تشكيل حكومة «نتنياهو- الأكثر تطرفًا فى تاريخ إسرائيل»، يطرح تحديات مهمة على الصعيدين الفلسطينى والعربى لجهة مطامعها وسياساتها التى قد تتسبب فى تعميق الخلافات مع الدول العربية ووقف الاتفاقيات معها أو إبطاء مسارها على أقل تقدير، رغم محاولات الحفاظ عليها كصيغة شراكة بالمعانى الاقتصادية والسياسية، الأمر الذى يستدعى تصدى الدول العربية- أطراف الاتفاقيات وسواهم- لهذه السياسات، لا سيما فى ظل النفور الدولى من تركيبة الحكومة الإسرائيلية، وذلك بالعمل على خفض التوتر فى المنطقة، كمقدمة للدفع بمسار السلام وتلبية تطلعات الشعب الفلسطيني، ومحصلة نهائية لاستقرار الاتفاقيات واستمرارها لأنه ومنتهى البساطة فإن الائتلاف الحاكم الآن يستخدم الاتفاقات الإبراهيمية كمجرد درجة سلم للوصول إلى مبتغى أهم وأعمق وهو الوصول إلى علاقة أقوى وأكثر تجذرا مع مصر وتركيا.