الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. حالة استثنائية.. فى حب جميع الممثلين والإشادة بهم..  الفن لا دين له.. بنت أبويا فى موضوع عائلى!

مصر أولا.. حالة استثنائية.. فى حب جميع الممثلين والإشادة بهم.. الفن لا دين له.. بنت أبويا فى موضوع عائلى!

انتقدنا جميعاً حال الفن المصرى لفترات طويلة، وما وصل إليه الحال من إسفاف فيما يعرض، ومن تراجع فيما يقدم من قيم ومبادئ، ومن السقوط فى فخ «أفلام ومسلسلات الشباك» التى يطغى عليها مغازلة الشارع بلغته بعيداً عن الاهتمام بمحتوى الأعمال الدرامية ومضمونها. وهو الأمر الذى تجسد فى مسلسلات وأفلام الفوضى والبلطجة ومحاولة تصوير المجتمع المصرى بما ليس له بتعميم التصرفات الفردية.



وليس من الغريب، اهتمام الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو بالأعمال الدرامية والأغانى.. لتوثيق وتأريخ مراحل حاسمة من التاريخ المصرى فى تعبير وأضح عن احترام دور الفن وتقديره.. والذى جعله من ثوابت برامج العديد من الأنشطة الرئاسية المهمة.

وثقنا جزءًا من أهم مراحل تاريخنا السياسى فى مسلسل «الاختيار»، والطريق إلى كابول» وغيرهما.. ليكشفا لنا العديد من الأحداث والمواقف التى تعرض لها أمان الدولة المصرية واستقرارها. وتواكب مع ذلك أيضاً ظهور مسلسلات اجتماعية على غرار مسلسل «أبو العروسة» الذى يعد بمثابة اتجاه جديد فى الدراما المصرية.. استكمالاً لمسلسلات عظيمة.. شكلت وجدان أجيال كثيرة على غرار: ليالى الحلمية، وأرابيسك، والشهد والدموع، ودموع فى عيون وقحة، ورأفت الهجان. وأخيراً جاء مسلسل « موضوع عائلى» بجزأيه الأول فى 2021 والثانى فى 2023. والذى ضم فى جزأيه كلا من: ماجد الكدوانى «إبراهيم»، ومحمد شاهين «خالد»، وسماء إبراهيم «زينب»، ورنا رئيس «سارة»، ومحمد رضوان «رمضان حريقة»، وطه الدسوقى «حسن»، ويـــاسمين ممــــدوح وافى «أم لـــــــــيث»، ومحــــــمد القــــس «غــازى»، وعبد الرحمن أبوزهرة «منير سيف»، وداليا الخولى «هند»، وأمينة خليل «ليلى»، ومريم جندى «سالى»، وشيرين رضا «فريدة»، وباسم موريس «أشرف». ومن تأليف محمد عز وكريم يوسف، والقصة والإخراج لأحمد الجندى. 

لا أنتمى بكل الأحوال لجماعة النقاد الفنيين، ولذا فإن ملاحظاتى هنا تقتصر بالدرجة الأولى على متابعتى للشأن الفنى من جانب، وتأثير ذلك على المجتمع فكرياً وثقافياً من جانب آخر..

أول من نبهتنى لمسلسل «موضوع عائلى 1» هى ابنتى، والتى عبرت عن إعجابها الشديد به، وبمحتواه الكوميدى، وهو ما حدث أيضاً مع الجزء 2، وهو ما يعنى أن المسلسل استطاع أن يكتسب ثقة بناتنا وأبنائنا الصغار على العكس مما هو متصور. خاصة بعد الحلقة التى تضمنت أغنية «بنت أبويا».. التى كانت بمثابة رسالة متبادلة ترى فيها كل ابنة نفسها فى علاقتها مع أبيها.. بكل ما تحمله من علاقات متشابكة ومشاعر وأحاسيس ومواقف.. تشكل وجدان مستقبلها.

اتسم مسلسل «موضوع عائلى» بالعديد من السمات الهامة، على سبيل المثال:

أولاً: جميع الفنانين فى المسلسل.. ظهروا كأبطال دون سطوة الممثل الأول والأوحد. وكانت مساحات التمثيل متساوية إلى حد كبير.. فضلاً عن الأداء المبهر لصغار الممثلين الذين استطاعوا خلق مساحة جديدة لهم بدعم حقيقى لتمكينهم من إبراز موهبتهم. وهو ما جعل جميع من شاهد المسلسل يبحث عن الأسماء الحقيقية للفنانين والأعمال التى شاركوا فيها قبل ذلك، والبحث عن سيرتهم الذاتية. وهو ما سيجعل مشاركتهم فى بطولة هذا المسلسل.. هو إعادة اكتشافهم باعتباره علامة فارقة فى مسيرتهم الفنية.

ثانياً: لم تخل أى حلقة من بروز قوة فريق عمل المسلسل للرهان على النجاح والتميز.. بشكل يوحى لكل من يشاهده بأنه يمثل توصيفًا واقعيًا للشخصيات والعلاقات العائلية.. بالشكل الذى أعاد لجميعنا ذكريات.. ربما نتمنى عودتها أو بمعنى أدق استعادتها. وقد سمعت العديد من التعليقات الشخصية على المسلسل.. حيث اتفق جميع من تناقشت معهم دون استثناء.. أنه أعاد لهم حنين الماضى الجميل الذى يتمنون استرجاعه.

ثالثاً: قدم المسلسل من خلال أحداثه ذات الطابع الكوميدى العديد من القيم التربوية فى التعامل بين أفراد الأسرة بشكل محكم ومترابط وغير مباشر.. وقدم نموذجا إنسانيا لاحترام الكبير لمشاعر الصغير واحتوائه والحرص على الاعتذار له والاعتراف بالخطأ فى حقه ومصالحته، وفى المقابل تقدير الصغير للكبير باعتباره سندا له يحتويه بالعقل والحب والحنان.. ليقدم شكلاً من أشكال التكامل الأسرى المفقود بالحب، وليس بالتنافس أو بفرض الرأى والسيطرة.. دون مراعاة لتطوين شخصية الصغير المستقلة.

  رابعاً: يتميز مسلسل «موضوع عائلى» بكونه نموذجا للفن الراقى فى الدراما المصرية، ليس فقط لبراعة فنانيه، ولكن أيضاً لكون أحداثه.. تمثل كوميديا إنسانية للمشاعر والأحاسيس التى تحمل البهجة والفرح والسعادة، والألم والحزن والتحدى.. بشكل طبيعى غير مفتعل لا يحمل تضخيمًا أو تهوينًا فى تطور الأحداث. وهو ما جعله فى تقديرى أفضل مسلسل قصير الحلقات خلال الفترة الماضية.  

خامساً: اتسم سيناريو المسلسل ببساطة الكلمات التى لم تخل من عمق فيما تعرض له من قيم ومبادئ إنسانية. كما اتسمت إحدى الحلقات الأخيرة من الجزء الثانى بحوار صوفى فلسفى راقٍ.. متجاوز الانتماء الدينى إلى الانتماء الإنسانى فى العلاقة الشخصية المباشرة جداً بين إبراهيم «ماجد الكدوانى» وربه، والتى تجلت بالعبارات وتسلسل كلماتها، ونبرات الصوت ولغة الجسد من خلال ملامح الوجه وتعبيراته.

استطاع ماجد الكدوانى فى «موضوع عائلى» أن يطرح نفسه كفنان عبقرى.. حجز لنفسه مساحة جديدة فى مسيرة الفن المصرى.. باعتباره إنسانا محترما وفنانا حقيقيا. وهو ما يؤكد أن الفن المصرى لا يزال يحمل فى جعبته العديد من الفنانين الموهوبين.. مهما حدث من تحديات سواء بظهور نجوم الشباك أو بالمحاولات الوهمية للبعض بسحب بساط الريادة الفنية المصرية.

استطاع ماجد الكدوانى وفريق عمل المسلسل (التأليف والسيناريست والإخراج والتمثيل) من تقديم دراما إنسانية للأسرة المصرية بشكل محترف.. تجاوز التمثيل لتناول قضايا اجتماعية بكافة أبعادها التربوية والنفسية. وأعتقد أن ذلك يعود إلى حالة الفهم الجماعى لكافة فريق عمل المسلسل لمضمون ما يحمله المسلسل من قضايا وأفكار. كما أعتقد أن أحد أهم أسباب نجاح «موضوع عائلى» هو دعم ماجد الكدوانى لفريق عمل المسلسل ببراعة.. جعلت أداء جميع الممثلين.. يظهر بشكل مهنى راقٍ.

الطبيعى أن يحب المشاهدون والمتابعون أحد فنانى المسلسل، ولكن من النادر أن أن يتفق الجميع على الإشادة والحب والتقدير لجميع الممثلين دون استثناء.  

لم أتعجب من بعض التعليقات المتطرفة على الفسيبوك وغيره ضد «ماجد الكدوانى» تحديداً.. بعد أن اختزله البعض للحكم على أدائه الفنى فى ديانته، وليس بتقييمه من خلال مدى احترافيته والحكم عليه.. لدرجة أن البعض أشاد به، ثم عاد وتراجع بعد معرفة ديانته. وهو ما يؤكد أهمية الانتباه إلى من يحاول بث أفكار الكراهية والتعصب والتمييز فى العقلية المصرية.. مثلما يفعلون مع كل نجاح وإنجاز للدولة المصرية.

نقطة ومن أول السطر..

لا شك أن الدراما هى أحد أهم وسائل التوعية والتأثير فى صناعة اتجاهات المجتمع. وتناول العلاقات الإنسانية.. هى من أهم مجالات الدراما. و«موضوع عائلى» هو رسالة للأسرة المصرية فى تربية الأبناء وأسلوب التعامل معهم، وأهمية الترابط الأسرى من خلال مواقف كوميدية إيجابية. 

«موضوع عائلى» هو تطبيق عملى لاستخدام الفن وتوظيفه إنسانياً.