الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

134 عاما على ميلاده نجيب الريحانى فيلسوف الكوميديا الذى استحق لقب «موليير العرب»

هو فيلسوف الكوميديا بلا منازع.. أستاذ وصاحب مدرسة خاصة به فى عالم الفن تعتمد على طريقة (السهل الممتنع) أو الأسلوب السلس.. له الكاريزما التى لا تتكرر والتى عشقتها الكاميرات فعشقته قلوب الملايين على مستوى الأجيال المتعاقبة.. تلقائيا لو كنت جالسا تقلب فى قنوات التليفزيون وطل عليك عبر الشاشة ستجد نفسك توقفت أمام أى عمل يظهر به وتتابعه وكأنه عمل فنى من إنتاج العام الماضى رغم مرور عشرات السنوات على إنتاجه. إنه (نجيب الريحانى) الذى يحمل شهر يناير ذكرى ميلاده وتحديدا فى 21 من الشهر من عام 1889.



 

 أسطورة فنية

لأنه الأسطورة الفنية الباقية والذى لا يزال قادرا على الإبهار رغم رحيلة قبل سنوات و134 عاما على ميلاده فهو يستحق أن نعيد ونتذكر سيرته.. فقد ولد الفنان «نجيب إلياس ريحانة» فى حى باب الشعرية بالقاهرة، والده كان يعمل بتجارة الخيل وعراقى الجنسية، ودرس «الريحانى» فى مدارس الفرير الابتدائية الفرنسية بالقاهرة والتى ظهرت فيها موهبته.

ولد الفنان نجيب الريحانى فى حى باب الشعرية فى مثل هذا اليوم من عام 1889، لأب من أصل عراقى اسمه «إلياس ريحانة» يعمل بتجارة الخيل، فاستقرت به الحال فى القاهرة ليتزوج سيدة مصرية أنجب منها ولده نجيب.

وعلى الرغم من دراسته بمدرسة الفرير الابتدائية، إلا أن تعايشه مع الطبقة الشعبية البسيطة والفقيرة، أكسبه الكثير من خفة الدم الممزوجة بالسخرية، وتوقف نجيب الريحانى عن الدراسة بعد حصوله على شهادة البكالوريا، حيث توفى والده وكان عليه أن يحل محله فى القيام برعاية المنزل بعد أن أصبح العائل لأسرته.

وظائف قبل الفن

عمل نجيب الريحانى قبل دخوله الفن بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادى بالصعيد، ولكن هذه الوظيفة البسيطة لم تشبع رغبته، فاستقال منها وعاد إلى القاهرة، وفى أحد الأيام قابل صديقًا له كان يعشق التمثيل اسمه (محمد سعيد)، فعرض عليه أن يكونا سويا فرقة مسرحية لتقديم الاسكتشات الخفيفة لجماهير الملاهى الليلية.

ومن هنا كانت الانطلاقة لتأسيس فرقة نجيب الريحانى التى استقطب فيها عمالقة التمثيل، وغلبت على نجيب الريحانى شخصية الموظف البسيط، والكادح الذى لا تريد الدنيا أن تبتسم له فقدمها فى شكل كوميدى ساخر، حتى إن المشاهد بمجرد النظر له لا يملك إلا أن يبتسم حتى فى لحظات التراجيديا.

 أولى مسرحياته

كانت أوَل رواية اشترك الريحانى فى تمثيلها هى رواية «الملك يلهو» بعدما ترجمها أديب يدعى أحمد كمال رياض بك، وبذلك أُتيح للريحانى مُشاهدة تمثيل بعض كبار المسرحيين فى زمانه، وأسس مع صديق عُمره بديع خيرى فرقةً مسرحيَّة عملت على نقل الكثير من المسرحيَّات الكوميديَّة الفرنسيَّة إلى اللُغة العربيَّة، وعُرضت على مُختلف المسارح فى مصر وأرجاء واسعة من الوطن العربى، قبل أن يُحوَّل قسمٌ منها إلى أفلامٍ سينمائيَّة.

خلال مشواره فى المسرح قدم نجيب الريحانى ما يقرب من ثلاث وثلاثين مسرحية منها: «مسرحية الجنيه المصرى عام 1931، الدنيا لما تضحك عام 1934، الستات مايعرفوش يكدبوا، حكم قراقوش عام 1936، الدلوعة عام 1939، حكاية كل يوم، الرجالة مايعرفوش يكدبوا، إلا خمسة عام 1943، حسن ومرقص وكوهين عام 1945، تعاليلى يا بطة، بكرة فى المشمش، كشكش بك فى باريس، وصية كشكش بك، خللى بالك من إبليس عام 1916، ريا وسكينة عام 1921، كشكش بيه وشيخ الغفر زعرب، آه من النسوان».

اعتزال المسرح

قرر نجيب الريحانى عام 1946 أن يعتزل المسرح ليتفرغ للسينما ليبدأ مرحلة جديدة من الانتشار الواسع جماهيريا، وبرغم أن رصيده فى السينما لم يتجاوزعدد أصابع اليد إلا قليلًا، إلا أنه استطاع من خلال الادوار التى قدمها أن يترك بصمة خالدة فى ذاكرة السينما المصرية.

قدم نجيب الريحانى خلال مسيرته الفنية 7 أفلام سينمائية فقط، من بينها ثلاثة اندرجوا فى قائمة أفضل 100 فيلم تاريخ السينما المصرية، منها آخر أفلامه «غزل البنات»، من إخراج أنور وجدى، والذى جسد فى أحدثه دور معلم اللغة العربية «الأستاذ حمام»، وابتكر الريحانى ما يُعرف باسم الكوميديا «الفرانكوعربيَّة» أو «الفرانكو-آراب»، وشارك الريحانى فى بطولة العديد من الأدوار السينمائية من أبرزها «سلامة فى خير» و«أبو حلموس» و«لعبة الست» و«سى عمر» و«أحمر شفايف» و«غزل البنات».

 زوجات الريحانى

تزوج من الفنانة السورية بديعة مصابنى التى هجرته، لأنها آثرت الاهتمام بفنها، عاودا الارتباط لفترة لتنتهى بهما الحال إلى الطلاق إذ كانت بديعة تعتبر الزواج عائقا بوجه طموحاتها، وأن غيرة نجيب الريحانى تزيد الطين بلة، لم يرزق منها بأطفال، لكن بديعة قامت بتبنى فتاة يتيمة بعد طلاقها منه.

تزوج أيضا من «لوسى دى فرناى» الألمانية بين عامى 1919 - 1937 وأنجب منها «جينا» ولكنها نسبت فى الوثائق إلى شخص آخر كان يعمل ضابطا فى الجيش الألمانى بسبب قوانين هتلر التى تمنع زواج أى ألمانية من شخص غير ألمانى، وقد ظهرت ابنته جينا أخيرًأ، خلال تكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 2008، والتى شكك البعض فى نسبها إليه، لكنها أشهرت ما يثبت أنها فعلا ابنته. آلت على نفسها أن تسخر حياتها لإعادة البريق إلى تراث والدها، فأعلنت عن إصدار كتاب موسوعى عنه بعنوان «شارلى شابلن العرب»، وإقامة متحف ومركز فنون باسمه، وإطلاق جائزة سنوية لفنانى المسرح تحمل اسمه، وأخيرا إنتاج أول فيلم سينمائى عن حياته.

 أسلوب خاص فى التمثيل

أثر أسلوب «الريحانى» فى التمثيل على العديد من الممثلين اللاحقين من بعده ومنهم «فؤاد المهندس» الذى اعترف بتأثير أُسلوب الريحانى عليه وعلى منهجه التمثيلى.

كان له الفضل فى تطوير المسرح والفن الكوميدى فى مصر، وربطه بالواقع والحياة اليوميَّة، آخر فيلم شارك فى بطولته هو «غزل البنات» الذى لم يشاهده فقد رحل قبل عرضه، فقد أصيب «الريحانى» بمرض التيفود الذى أثر على صحة رئتيه وقلبه، وتوفى الفنان نجيب الريحانى يوم 7 من شهر يونيو عام 1949 بالمستشفى اليونانى بحى العباسية بالقاهرة.

 تكريمات الريحانى

نال الفنان نجيب الريحانى خلال مشواره الفنى وحتى بعد وفاته الكثير من التكريمات آخرها المعرض الذى أقامته له دار الأوبرا المصرية فى 2011 لعرض لأهم المقتنيات واللوحات التى ترصد مراحل حياة شارلى شابلن العرب، من بينها 40 لوحة بريشة الفنان السكندرى حمدى الكيال تروى لحظات نادرة فى تاريخ الريحانى، منها لوحة تعبر عن حزن الملك فاروق عليه ولوحة أخرى، تضم الريحانى مع أحد الكتاب الفرنسيين، وهذه اللوحات منها خمس لوحات تم عرضها منذ 49 عامًا بمسرح الريحانى ولوحات عرضت فى يونيو 2010 بمكتبة الإسكندرية، بالإضافة إلى لوحات لم تعرض من قبل.

الريحانى يرثى نفسه

قبيل رحيله بأيام كتب نجيب الريحانى خلاصة حياته فى بضعة كلمات وأعطاها لصديقه «بديع خيرى»، لنشرها فى الصحف بعد وفاته،  ولم يمض أسبوعان إلا وقد فارق نجيب الريحانى الحياة.

كان قد كتب: «بعد أن تذوقت من الحياة حلوها ومرها، وبعد أن جرعتنى كأسها حتى الثمالة، بعد ذلك كله أقر وأعترف أنا الموقع اسمى بخطى أدناه، أننى خرجت من جميع التجارب التى مرت بى، بصديق واحد، هو كل شىء، وهو المحب المغرم الذى أتبادل وإياه الوفاء الشديد والإخلاص الأكيد، ذلك الصديق هو عملى».

ومن المفارقات الطريفة فى حياة الريحانى، أنه رثى نفسه فى إحدى الصحف، قبل 15 يوما فقط من وفاته، فكتب قائلا: «مات الرجل الذى اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء، إذا كان للسماء طوب مات نجيب الذى لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب، مات الرجل الذى لا يعرف إلا الصراحة فى زمن النفاق، ولم يعرف إلا البحبحة فى زمن البخل والشح، مات الريحانى فى ستين ألف سلامة».

لم يكن نجيب الريحانى الذى نعاه الملك «فاروق»، ورثاه « طه حسين» -عميد الأدب العربى- مجرد فنان كوميدى فقط، لكنه كان علامة فارقة ومحطة مهمة فى تاريخ الفن المصرى، وترك بصمة واضحة فى الكوميديا، حيث كان يضحك ويبكى من دون افتعال أو تكلف، وهو ما جعل الكاتب المسرحى الفرنسى «أندريه جيد» يطلق عليه لقب «موليير العرب».