الحقيقة مبدأ.. فواتير غير مدفوعة

فاتورة هى كلمة غير عربية أصلها إسبانى اعتدنا استخدامها فى مصريتنا الزاخرة بمخزون هائل من الكلمات التى تليق على جميع أنواع الوصف وتنطبق مع شتى التعابير؛ إلا أن أهم ما فى كلمة فاتورة هو وقعها على آذان وقلوب المصريين.. فما أن تُسْمَع حتى نستشعر ضغطًا نفسيًا هائلًا، فهى دَين النهار وهمّ الليل، وهذا هو شأنها فى اللغة، أما فى السياسة فهى الملف الثقيل الذى تخشى الشعوب والأنظمة حمله وتتهرب - عادة - من تحمله.. ثلاث فواتير غير عادية لم تدفع حتى لحظة كتابة المقال إلا أنها ستظل مصحوبة بالتساؤل المشروع حول من سيقوم بالدفع!!

 

1 - الحرب الروسية على أوكرانيا

24 من فبراير/2022، أطلق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين العنان للحرب على أوكرانيا المجاورة التى تسعى إلى الانضمام إلى حلف الناتو، حيث يرى أن خطط الأخيرة تشكل تهديدًا مستمرًا على أمن روسيا التى «لا تستطيع أن تشعر بالأمان والتطور والوجود» حسب قول الزعيم الروسى فلاديمير بوتين.

كان الهدف الأول للزعيم الروسى هو اجتياح أوكرانيا لتأمين حدوده ورؤيته السياسية للمستقبل الروسى وبالقطع القضاء على أى احتمال لانضمامها إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو».

تكبد الطرفان خسائر مالية وبشرية باهظة خلال 10 أشهر من الحرب وتعرضت العديد من المدن الأوكرانية لدمار واسع ونزح ملايين الأوكرانيين إلى أوروبا، ولا تلوح فى الأفق أى بوادر عن قرب نهاية هذه الحرب.

لكن هذه الحرب ليست مجرد شأن إقليمى يدور بين بلدين مجاورين، بل امتد تأثيرها إلى معظم دول أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لما لها من تداعيات اقتصادية كبيرة على هذه البلدان، مسببة أزمة اقتصادية كبيرة بسبب توقف صادرات البلدين من الغاز والوقود والمواد الغذائية اللتين كانتا تزودان العالم بها، ولمن لا يعلم فإن الدولتين تحتلان مركزًا مهمًا فى سوق المنتجات الزراعية فى العالم، وتمثل صادراتهما من القمح 23 فى المئة من السوق العالمية، فى حين توردان ربع إنتاج الحبوب فى العالم. وتُصدر الغالبية العظمى من صادرات أوكرانيا من الحبوب عبر البحر الأسود.

و بطبيعة الحال ارتفعت أسعار الطاقة فى الدول التى كانت تعتمد على صادرات هاتين الدولتين، وتراجع مستوى معيشة سكان هذه الدول التى لا تزال تعانى من نقص فى المنتجات وغلاء فى الأسعار وارتفاع فى أسعار الوقود.

ولا شك أن الدول الفقيرة هى الأكثر تضررًا من نقص الإمدادات من المواد الغذائية من غيرها، إذ تراجعت إمدادات القمح والذرة بشدة نتيجة الحرب بعد أن فرضت روسيا حصارًا بحريًا على أوكرانيا وأغلقت موانئها.

وقد تم التوصل فى شهر يوليو إلى اتفاق برعاية الأمم المتحدة لتصدير الحبوب الأكرانية عبر ميناء أوديسا الأوكرانى. إلا أن 35 بلدًا إفريقيًا تأثرت بشدة من أصل 55، بسبب اعتمادها على صادرات القمح والحبوب الأخرى من روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى أن 22 دولة تستورد الأسمدة من البلدين.

وبلا شك أن الأزمة الإنسانية وتفاقمها فى أوروبا بسبب نزوح ملايين الأوكرانيين هى الأكبر على الإطلاق فى تاريخ أوروبا الحديث. 

الكل خاسر فى هذه الحرب إلا رابح وحيد هو الولايات المتحدة الأمريكية وكما سبقت الإشارة فى مقالات سابقة.. لكن من سيدفع هذه الفاتورة ؟!

2 - احتجاجات إيران/مهسا أمينى

مر الصيف برتابة غير معتادة حتى وصل لمنتهاه ولم تتوقع السلطات الإيرانية أن يؤدى مقتل الشابة الكردية «مهسا أمينى» فى سبتمبر من هذا العام، أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق - لاحظ المسمى - فى طهران، إلى غضب الإيرانيين ونشوب احتجاجات فى جميع مدن البلاد خلال أيام فقط من انتشار خبر وفاة أمينى.

المعنى فى تفاصيل القصة بما تحمله من مأساة اجتماعية هائلة وتطرف دينى وصل إلى أقصى حدوده، كانت مهسا أمينى التى تنحدر من مدينة سنندج، فى زيارة إلى طهران مع شقيقها، عندما صادفتها «شرطة الأخلاق» وطلبت منها تغطية شعرها بالكامل دون إظهار أى خصلة. حدثت مشادة كلامية قصيرة لتنتهى بسحبها من قبل الشرطة وضربها فى الشارع واعتقالها، وتوفيت الشابة بعد ثلاثة أيام فى مركز الاحتجاز.

أثار موتها الذى بدأ بسبب خصلة شعر، غضب السكان فى سنندج، الذين خرجوا فى مظاهرات للاحتجاج على ما تعرضت له الشابة الكردية وعلى السياسات القمعية والمتطرفة للحكومة لتصل شرارة غضبهم إلى باقى مدن إيران.

أشعل موت «مهسا» ظاهرة خروج النساء والشابات فى مقدمة المظاهرات، وبعضهن بدأن بقص شعرهن تعبيرًا عن الغضب والتضامن مع مهسا أمينى. ولأنهم فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية اعتقلت السلطات مئات المشاركين فى المظاهرات، قتلت العشرات بالرصاص الحى وأعدمت البعض.

سيظل الكثيرون خلف القضبان يعذبون وينكل بهم حتى يلحقوا بقطار الموت الذى يتوقف فى إيران منتظرًا بصبر لا يعرف النفاذ. 

إلا أن أهمية هذه الاحتجاجات تأتى من كونها كسرت حاجز الخوف لدى الناس من السلطات ونشرت شعار (المرأة، حياة، حرية) التى تختصر أهداف المحتجين وهى أنهم لن يستسلموا وسيواصلون مطالبتهم بالحرية على الرغم من اتباع إيران لسياسة التخويف والترهيب وخاصة بعد أن أعدمت اثنين من المتظاهرين بسبب مشاركتهما فى الاحتجاجات.

قامت ثورة 1979 لأجل الإيرانيين لا من أجل الخومينى ومن يتبعه ويسير على طريقه، والسؤال من صنع الخومينى ومن استضافه لسنوات ومن أعاده لطهران؟ والآن من يريد أن يرث إيران فى حال تزايدت الاحتجاجات أو حتى اشتعلت الثورات وسقطت الأنظمة.. هل سنذهب لنفس المآلات العراقية؟.

وكما جرت العادة.. الكل خاسر ولا يوجد سوى رابح وحيد هو الولايات المتحدة ولكن من سيدفع الفاتورة؟!

3 - عروبتنا فى خيبتنا!! 

لعل هذا هو شعارنا الجديد الذى يجب أن نواجه به أنفسنا طالما أن العالم لن يواجهنا به فهو المستفيد من الخيبات العربية. 

اقتحم الجيش الإسرائيلى، فى أبريل الماضى، المسجد الأقصى، وبعدها بأربعة أشهر دارت جولة عنف جديدة بين الفصائل فى غزة والجيش الإسرائيلى.. مساء الخير يا عرب!!

القمة العربية التى سميت قمة لم الشمل فى الجزائر ماذا حققت؟ فى الحقيقة السؤال الأكبر والأشمل هو حول مرور أكثر من سبعة عقود، منذ تأسست جامعة الدول العربية وما تبعها من توقيع معاهدة الدفاع العربى المشترك، والأمن القومى العربى الجماعى، مساء الخير يا عرب!!

عاد بنيامين نتنياهو إلى الحياة السياسية بواحدة من أكثر الحكومات يمينية وتطرفًا فى تاريخ إسرائيل، هى عبارة عن تآلف بين أحزاب يمينية وأخرى دينية صهيونية، تتفق على عدم التعايش مع العربي/ الفلسطينى، وتنادى بتوسيع الاستيطان اليهودى فى الضفة الغربية المحتلة.

الفلسطينيون فى الضفة والقطاع يخشون أن تنهى حكومة بهذا التشدد أى احتمال باق لحل الدولتين، فضلًا عن خشية مراقبين متشائمين من أن تكون هذه الحكومة مجرد تعبير عن انحراف المجتمع الإسرائيلى لجهة تبنيه أفكارًا يمينية متطرفة تقوم على إثارة النعرة القومية والعرق السامى.. مساء الخير يا عرب!!

أو كما قال المواطن المصرى: الفاتورة عند مين؟!