السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بمناسة استفتاء الأفضل فى 2022: «بصيرة» يحصل على المركز الأول فى ضرب الاستفتاءات!

بمناسة استفتاء الأفضل فى 2022: «بصيرة» يحصل على المركز الأول فى ضرب الاستفتاءات!

شىء مضحك والله، تلك الاستفتاءات السنوية التى تقام فى مصر. شىء مضحك، ومبكٍ،على مستوى الاستسهال والفساد العلمى والقيمى الذى تدار به هذه الاستفتاءات. ولو كان أبو الطيب المتنبى حيا لعدل من بيت شعره الشهير «وكم ذا بمصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكا» ليصبح: وكم ذا بمصر من الاستفتاءات، ولكنه استفتاء كالهواء!



نتائج بلا سيقان

محطة «إم بى سى مصر» هى أكثر فضائية يشاهدها المصريون، وعمرو أديب هو أفضل مذيع، ولميس الحديدى أفضل مذيعة ومحمد رمضان أفضل ممثل ورحمة أحمد أفضل ممثلة. هكذا خرج علينا مركز «بصيرة»، الذى يعتبر نفسه متخصصا فى إجراء الاستفتاءات والاستطلاعات، ويعيش أصحابه وباحثوه وموظفوه، على هذه الاستفتاءات ويأكلون عيشهم منها، وفقا لاستطلاعه السنوى عن أفضل نجوم الإعلام والتليفزيون فى العام المنصرم، 2022.

لسنا نتحدث هنا عن استطلاعات واستفتاءات الصحف والمواقع وقنوات التليفزيون التى «تسلق» الاستفتاءات سلقا عن أفضل كل شىء فى نهاية العام والمواسم، فإمكانيات هذه الصحف والمواقع محدودة ومعروفة، وليست مثل مركز «بصيرة» المتخصص بإمكانياته غير المحدودة وغير المعروفة.

معايير الست «منهجية»

ليس المهم فى الاستفتاءات الأسماء التى تسفر عنها، فهى غالبا ما تكون محل خلاف بين الناس، مثل أى شىء فى العالم، خاصة فى تلك الأيام والاستفتاءات التى لا يعلم بها سوى الله. ولكن المهم هو الطريقة التى يدار بها الاستفتاء. 

ومركز «بصيرة»، إيمانا منه بالشفافية والديموقراطية والمصداقية، والذى منه، أعلن «إعمالاً لمبدأ الشفافية والتزاماً بأخلاقيات نشر الاستطلاعات يفصح المركز عن منهجية إجراء الاستطلاع وهى كما يلى:

تم إجراء الاستطلاع باستخدام الهاتف المنزلى والهاتف المحمول على عينة احتمالية حجمها 1528 مصريًا فى الفئة العمرية 18 سنة فأكثر غطت كل محافظات الجمهورية، وقد تمت كل المقابلات فى الفترة من 20 إلى 25 ديسمبر 2022. وبلغت نسبة الاستجابة حوالى 37 %، ويقل هامش الخطأ فى النتائج عن 3 %».       

ولأننا يجب أن نعامل كل شخص على قدر عقله، ومنهجيته، دعونا نعيد قراءة هذه المنهجية لنفهم كيف صنع هذا الاستطلاع.

مبدئيا استخدم الهاتف المنزلى والمحمول وبلغت نسبة الاستجابة 37 %. ما الذى يعنيه ذلك؟ يعنى أن الذين شملهم الاستطلاع كانوا يجيبون على أسئلة إناس لا يعرفونهم عبر الهاتف، وأن ثلث الذين تم الاتصال بهم تقريبا هم الذين استجابوا فقط، وليس واضحا فى الجملة هل العينة التى وصل عددها إلى 1528 شخصا، تشمل كل من تم الاتصال بهم، أم نسبة الثلث الذى استجاب. ولو كان الاحتمال الأول هو الصحيح، فمعنى ذلك أن الذين شاركوا فى الاستطلاع لا يزيدون على 600 شخص على مستوى الجمهورية التى يصل تعداد سكانها 100 مليون بنى آدم! وحتى لو كان الاحتمال الثانى هو الصحيح فيعنى أن المشاركين فى الاستطلاع يمثلون أقل من ستة أشخاص، أو ربما 15 شخصا (بما أننا لا نعلم عدد الذين أجابوا على الأسئلة بالفعل)، من كل مليون مواطن فى مصر.

مجرد أرقام!

المفاجأة الأكبر أن رئيس المركز أعلن على فضائية «إم بى سى» من خلال برنامج عمرو أديب، الذى استضافه ليشيد بنتائج الاستطلاع والمركز الذى أجراه، أن عدد المشاركين فى الاستفتاء عددهم 1100 شخص فقط، وكرر الرقم أكثر من مرة. 

 كيف تم اختيار هؤلاء؟ المعيار الوحيد الذى وضعه صناع الاستفتاء هو أن يكون الشخص الذى يجيب على الهاتف عمره أكثر من 18 سنة! يعنى خليطًا من أعمار ومستوى تعليم ونوع جنسى مختلفين، والأكثر من ذلك لا نعلم هل تم التأكد من أن الشخص الذى يجيب شاهد وسمع فعلا ما يتحدث عنه، أم يجيب والسلام على عادة المواطنين الذين تسألهم عن عنوان لا يعرفونه، فيخجلون من الاعتراف بأنهم لا يعرفونه!

طيب كيف تم اختيار الأرقام التى تم الاتصال بها؟ «منهجية» لا تذكر شيئا عن ذلك؟ ولكن غالبا كان الاختيار عشوائيا، بما أن المقصود أن تكون العينة «عشوائية» أى تمثل كل جموع الشعب المصرى. 

دعونا نتأمل ما حدث فى الاستطلاع: تم الاتصال ببعض المواطنين فى محافظات مصر المختلفة، ورفض 63 % من الذين تم الاتصال بهم الإجابة على الأسئلة، بينما أجاب 37 % على بعض، أو كل، الأسئلة. وهناك ملاحظات أساسية على ما حدث:

أولا طريقة الاستفتاء العشوائى عن طريق الهاتف غير مألوفة للمصريين الذين يتشككون فى أى مكالمة تليفون يتلقونها من مجهول، بدليل نسبة رفض المشاركة الكبيرة، وهى نسبة تثير الشك فى أى نتيجة.

ثانيا عدد المستجيبين قليل جدا ليعبر عن «كل المصريين»، وحتى نستطيع أن نعلن بكل هذا الفخر أن الاستفتاء يعبر عن المصريين، فقد كان من اللازم أن يشارك فيه مليون أو نصف مليون شخص، وليس 600 أو 1100، أو 1500 شخص فقط.

الطريف أن رئيس المركز فى حديثه مع عمرو أديب يبرر قلة هذا العدد بأن مراكز استطلاعات الرأى الكبيرة فى أمريكا تفعل ذلك، وكثيرا ما تعتمد على 1500 شخص فقط، مع أن تعداد سكانها 300 مليون. وللأسف هذا كلام مغلوط، لأن العدد الصغير للمشاركين يمكن أن يصلح فى الاستفتاءات حول اسمين أو ثلاثة كما فى حالة الانتخابات الرئاسية، ولكنه لا يصلح للاستفتاءات حول عشرات الأسماء كما فى حالة «بصيرة».

التمويل..والتمويل الذاتي

ملحوظة ثالثة تتعلق بمعيار الـ18 سنة كشرط وحيد للمشاركة فى الاستفتاء. وهو شرط لا يكفى لإفراز أى نتيجة يعتد بها. لسنا نتحدث هنا عن مذيعة تنزل الشارع بالكاميرا لتسأل من تجده فى طريقها عن أفضل مسلسل ونجم ومذيع. نحن نتحدث عن مركز أبحاث يعلن، حسب موقعه، عن التزامه «بتزويد الباحثين، وواضعى السياسات، وقادة الأعمال، والجمهور العام بمعلومات موثوق بها عن ردود الفعل واتجاهات الرأى العام بخصوص الموضوعات والسياسات التى تحظى بالاهتمام العام، بالإضافة إلى إعداد وإتاحة الدراسات والاستراتيجيات المتعلقة بالمجالات التنموية المختلفة»، كما يعلن عن التزامه «بالمعايير المهنية والأخلاقية فى إجراء ونشر استطلاعات الرأى العام».

ومن منطلق هذه التعهدات العظيمة أحب أن أسأل القائمين على هذا الاستطلاع: هل حجم وطريقة هذا الاستطلاع تكفى لإصدار نتائج لها معنى؟ والأهم هل المحادثات التليفونية التى قاموا باجرائها (الذين استجابوا والذين لم يستجبوا) متاحة بالفعل للدارسين والباحثين وهل يمكن الاستماع إليها لنتأكد من صحة هذه النتائج؟!

وأخيرا فإن أجمل شىء يصر عليه بيان مركز «بصيرة»، ورئيس المركز فى حواره مع المذيع الأفضل على القناة الأكثر مشاهدة هو أنه «تم تمويل الاستطلاع من الموارد الذاتية لبصيرة ولم يتلق المركز تمويل من أى جهة مقابل إجراء الاستطلاع».

ولست أشكك فى بيان المركز أو رئيسه، ولكننى أسألهم لماذا يصرون على التأكيد أنهم لم يتلقوا تمويلا من أى جهة، كما لو أنهم يتحسسون من تهمة، أو بطحة ما. وما هو المقصود بالموارد الذاتية لـ«بصيرة»؟ هل هى تبرعات العاملين بالمركز، أم التمويلات الأجنبية (أو المحلية) المعروفة التى تعتمد عليها الجمعيات الأهلية؟ أم أن المقصود بهذه الجملة التى يكررونها هو أنهم لم يتلقوا تمويلا من الفائزين فى الاستطلاع؟