الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
حقك.. ترانيم الميلاد تصدح فى الكنائس الجديدة المواطنة.. كنز المصريين

حقك.. ترانيم الميلاد تصدح فى الكنائس الجديدة المواطنة.. كنز المصريين

على امتداد الزمن كان لمصر تجربة رائدة وربما غير مسبوقة فى التعايش بين الأديان المختلفة، وعرفت قبل دول كثيرة قيم التسامح وقبول الآخر وطبقتها بشكل طبيعى قبل ظهور مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان، ويرجع ذلك إلى طبيعة الشعب المصرى المتسامحة ونسيج شعبها المترابط الذى لم يعرف تاريخه حروبًا أهلية أو صراعات ذات صبغة دينية، وعاشت الكنيسة بجوار المسجد لقرون من الزمان حتى أن المستشرقين تحدثوا عن صعوبة التفرقة بين المسلم والمسيحى فى مصر سوى أن الأول يذهب إلى المسجد والآخر إلى الكنيسة.



 

تستكمل مصر كتابة التاريخ بتأكيد تجربتها بعد صدور قانون بناء الكنائس لتشهد بعدها الكنائس المصرية حالة من الانتعاش الكبير فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ناسجة علاقة تكامل بين الكنيسة والمجتمع ويستعيد المجتمع المصرى كنزه الحقيقى وهى حالة المواطنة والوحدة المتجذرة بامتداد التاريخ.

وبحسب تصريح مهم للقمص موسى إبراهيم، المتحدث الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فقد وصل عدد الكنائس التى تم تقنين أوضاعها خلال عام 2022 إلى 581 كنيسة ومبنى تابعًا لها. 

ودعت مصر بهذه التحركات الخلل فى تركيبة تعامل الدولة مع مواطنيها وجعلت المساواة والخضوع لدولة القانون هى الحاكم الرئيسى للعلاقة بين المواطن والدولة.

بكل الوسائل تعمل الدولة المصرية على ملاحقة واحتواء الافكار المتشددة التى زرعتها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى المجتمع المصرى، والذى اتخذ أكثر من شكل مثل التحرش العقائدى بالأقباط والهجوم على الكنائس والذى ظهر بشكل سافر خلال عام حكمهم لمصر والذى شهد لأول مرة فى التاريخ هجومًا واقتحامًا للمقر الباباوى فى العباسية، ثم شهد إسقاط حكمهم عقب ثورة 30 يونيو عمليات إرهابية تستهدف قتل المسيحيين وتفجير الكنائس، وقد أعطت الجماعة الأوامر إلى ميليشياتها المتواجدة فى المحافظات لتمارس ما تدربت عليه من إجرام وإرهاب لحرق أكثر من 80 كنيسة فى ‏محافظات ‏مصر، ‏خصوصًا فى الصعيد، وخلق بؤر توتر بين المواطنين، كما شجعت عناصرها المتطرفة ‏على تنفيذ ‏عمليات ‏مسلحة ضد الأقباط، وقد ظلت المنظمات الحقوقية الدولية لسنوات تنتقد أوضاع الأقباط فى مصر فى ظل الانتهاكات والهجمات الإرهابية التى استهدفت الكنائس وكانت هناك إشارات لمسألة التمييز ضد الأقباط فى تولى المناصب العامة.

إلا أن تلك الحالة اختلفت وتغيرت تمامًا مع بداية عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى حيث قرر أن يكون أول حاكم مصرى يذهب بنفسه إلى قداس عيد الميلاد لتهنئة الأقباط بالعيد من داخل الكاتدرائية، وثانى رئيس جمهورية يتبرع من ماله الخاص لبناء أول كاتدرائية فى العاصمة الإدارية الجديدة بعد الرئيس جمال عبدالناصر الذى تبرع لبناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وفى المقابل ضرب البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية المثل فى الانتماء للوطن وتقدير حجم المخاطر، التى تحيق به بقوله (وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن) لافتًا إلى أن حال الوطن لا يمكن أن يستقيم إلا بمشاركة كل أبنائه فى البناء، وأن عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى يشهد تمكينًا وتأسيسًا حقيقيًّا لدولة المواطنة.

وجاء الدستور المصرى الصادر فى عام 2014 ليؤكد على منع التمييز بين المواطنين وضمان مساواة الجميع أمام القانون حيث نصت المادة (53) من الدستور على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى أسباب أخرى، وأقر الدستور أيضًا أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، فضلًا عن النص دستوريًا على التزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وهو ما يتفق مع المواثيق والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر والخاصة بالحقوق المدنية والسياسية.

وانتهى الجدل حول مسألة بناء الكنائس بصدور قانون ينظم بناءها بشكل صريح وواضح لأول مرة فى التاريخ، حيث صدر القانون رقم 80 لسنة 2016 والذى أسقط للأبد الخط الهمايونى وأصبحت هناك قواعد محددة لبناء الكنائس، وقد رحبت الكنيسة المصرية الأرثوذكسية وكل الطوائف المسيحية بالقانون الجديد، كما أنشأت الحكومة لجنة لتقنين أوضاع الكنائس برئاسة رئيس الوزراء وتوالت قوائم تقنين الأوضاع وتكتسب الكنائس وضعها القانونى.

ما شهده ذلك الملف من إنجازات عالج الخلل ورسخ مفهوم المواطنة المتكافئة، وحولها إلى واقع وثقافة مجتمعية راسخة، تؤكد على احترام الآخر المختلف عقائديًا، أو فكريًا، وعملت الجمهورية الجديدة على ترسيخ أسس العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد.

لم يتوقف مسار دولة المواطنة على مسألة بناء الكنائس وامتدت لتولى الأقباط المناصب العليا واختيار العديد منهم لشغل المناصب القيادية وكذلك انتخابهم فى المجالس النيابية ، فضلًا عن تولى شخصيات قبطية لمنصب المحافظ بأكثر من محافظة وتولى عدد منهم مناصب قيادية أخرى فى الدولة.

ولأول مرة فى تاريخ مصر، قضت المحكمة الدستورية العليا بالسماح للموظفين المسيحيين بإجازة شهر لزيارة بيت المقدس فى القدس وبراتب كامل أسوة بالقرار المتبع مع الموظفين المسلمين أثناء تأديتهم فريضة الحج وقضت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 71 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والبند رقم 1 منها والذى يتضمن قصر نطاق تطبيق أحكامهما على أداء فريضة الحج للمسلمين دون زيارة بيت المقدس بالنسبة للموظفين المسيحيين.

وأصدرت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن التنظيم الذى تضمنه النص المطعون فيه لم يتضمن تقرير الحق فى إجازة وجوبية للعاملين المسيحيين المخاطبين بأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، لمدة شهر بأجر كامل ولمرة واحدة طوال حياتهم الوظيفية، لزيارة بيت المقدس، مع عدم احتسابها ضمن الإجازات الاعتيادية المقررة بذلك القانون وقصر منحها على أداء فريضة الحج.

كما استند للنص الدستورى الداعم لعدم التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو النوع، إلا أنه من الناحية العملية يصعب تطبيقه التزامًا بقرار سابق اتخذته الكنيسة فى عهد البابا شنودة الثالث بابا الأقباط الراحل والذى يقضى بحظر سفر الأقباط إلى القدس إلا بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى، دون ذلك يمكن لأصحاب الطوائف المسيحية الأخرى مثل الكاثوليك الاستفادة من الحكم والسفر للقدس فى إجازة مدفوعة ولمدة شهر كامل ولمرة واحدة.

مسار دولة المواطنة يتكامل مع تحركات الدولة المصرية لبناء كنيسة فى كل مجمع سكنى جديد، لتتخلص كنائس مصر من أى عقبة قد تعترض طريقها وتصبح عنوانًا لجمهورية جديدة تحترم مواطنيها وتعطيهم حقوقهم بالتساوى وتطبق القانون على الجميع.