الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

معركة «الوعى» لا تزال تحتاج مواجهة عادات مجتمعية ومفاهيم دينية ملتبسة تنحصر فى الريف والصعيد الزيادة السكانية كيف يحل «الحوار الوطنى» المعادلة الصعبة؟!

أجمَع مختصون على صلة مباشرة بملف «السكان» أن وضع المعادلة الصعبة الأزلية فى مصر المتعلقة بالزيادة السكانية على قائمة أولويات «الحوار الوطنى» قد يضعها على طريق حلول عملية حقيقية وإيجاد وعى مجتمعى، فشل فى التعامل معه خلال عقود ماضية منذ أن انتبهت حكومات سابقة، ولكن لم تكن الحلول وتنفيذها على قدر تلك المشكلة التى تفاقمت إلى ما نحن عليه الآن.



 

وأوضح مختصون، فى وقت تدخل فيه المجتمع الأهلى فى ساحة «الحوار» حول أزمة الزيادة السكانية، عدم صحة إيجاد مقارنة بين المعضلة السكانية فى بلد مثل مصر مع الزيادة السكانية فى بلدان أخرى مثل الصين، الهند، البرازيل. لافتين إلى أن أوجُه المقارنة تجد اختلافات كثيرة أهمها موارد تلك الدول وتعاظمها بالتوازى مع زيادة سكانها.

وأقيم مؤخرًا تحت مظلة «الحوار الوطنى» مؤتمرٌ حول القضية السكانية وطرُق التعامل معها فى ظل وضع القيادة السياسية هذه المشكلة ضمْن أولويات الملفات المطلوب التعامل معها بشكل جاد وعملى؛ ليتزامن مع ذلك المؤتمر، إعلان الساعة السكانية التابعة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وصول عدد سكان مصر بالداخل إلى 104 ملايين نسمة؛ حيث تشير البيانات الصادرة عن الجهاز إلى تطوُّر الزيادة السكانية فى مصر فى الفترة الأخيرة؛ حيث كان عدد السكان قد بلغ 103 ملايين فى نهاية فبراير الماضى، وفقًا للساعة السكانية بالجهاز المرتبطة بقاعدة بيانات تسجيل المواليد والوفيات بوزارة الصحة والسكان، ومع بلوغ عدد السكان 104 ملايين، يكون قد تحققت زيادة سكانية ناتجة عن الفرق بين أعداد المواليد والوفيات، قدرها مليون نسمة خلال 221 يومًا أى 7 شهور و11 يومًا بما يعادل 4525 شخصًا فى اليوم أى 188.5 مولود كل ساعة أى 3.1 نسمة كل دقيقة، بما يعنى زيادة سكانية بمعدل فرد كل 19 ثانية تقريبًا، ويلاحظ انخفاض الفترة الزمنية التى تحقق فيها هذا المليون لتصبح 221 يومًا مقابل 232 يومًا خلال المليون السابق، ويرجع ذلك إلى الانخفاض الملحوظ فى عدد الوفيات ليصل إلى 1566 حالة فى اليوم مقابل 1858 فى اليوم خلال الفترة التى تحقق فيها المليون السابق.

وفقًا للدراسة التى قام بها مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بجامعة القاهرة (د.هبة نصار ود. ياسمين فؤاد) والتى تقوم بقياس العائد الاقتصادى للإنفاق على تنظيم الأسرة بناء على بيانات 2012 /2013 فإن كل جنيه ينفق على تنظيم الأسرة يحقق وفرًا إجماليًا 56.1 جنيه، وذلك لأن الدولة بفضل خدمات تنظيم الأسرة ستتجنب إنجاب نحو 43.3 مليون مواطن خلال الفترة (2014 - 2050) ومن ثم ستتجنب تكاليف تقديم الخدمات الحكومية لهم وتحديدًا التعليم والصحة ودعم الغذاء والإسكان والمرافق الاجتماعية.

ولقد قام المركز، بتحديث هذه التقديرات باستخدام بيانات 2020 /2021 وذلك للأخذ فى الاعتبار التطورات الاقتصادية التى شهدتها مصر منذ 2013 وأهمها تعويم الجنيه المصرى، ليرتفع صافى العائد لكل جنيه ينفق على تنظيم الأسرة إلى 151.7 جنيه، وبالتالى فإن أكبر مشروع استثمارى، إذا تبنته مصر سيحقق لها أعظم الفوائد، هو مشروع تنظيم الأسرة، فكل جنيه تنفقه الدولة على تنظيم الأسرة يوفر لها 151.7 جنيه.

وفى هذا السياق؛ أكد د.أحمد إسماعيل السيسى، استشارى طب الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمى، أن الزيادة السكانية مشكلة عالمية وليست محلية، ولكن فى الدول محدودة الاقتصاد والموارد تكون أعمق، ومن الخطأ أن نقارن وضعنا بدول مثل الهند والصين واليابان لديها زيادة سكانية ولكن هناك تعاظم للموارد والإمكانيات، مما يجعلها تستغل تلك المشكلة بشكل إيجابى على قدر الإمكان.

وأشار أن وجود المشكلة السكانية فى الحوار الوطنى من الأمور الإيجابية المطلوبة للبحث بشكل تدريجى وحقيقى عن حلول فى ظل ما يشهده العالم من أزمة اقتصادية ناتجة عن أوضاع خارجية ما بين صراعات وحروب آخرها الأزمة «الروسية- الأوكرانية»- وقبل ذلك حالة وباء تنحسر ثم تتجدد فى موجات، الأمر الذى يعكس من حيث وضع هذه القضية على أچندة الحوار الوطنى ومدى أهميتها على طاولة وذهن القيادة السياسية. مشيرًا إلى أن اهتمام الدولة بهذه القضية فى تزايُد مستمر، ولكن هناك بعض المَحاور التى من الممكن أن تحسّن فاعلية الحلول الموضوعة للمشكلة السكانية، منها تفعيل تنظيم الأسرة وتعدد أشكال انتشارها للتوعية فى عدة نقاط جغرافية والوصول إلى أماكن كانت محرومة من تلك الخدمة التوعوية، وتقديم وسائل آمنة تطمئن السيدة على صحتها وإقناعها بالأدلة عدم حرمانية تنظيم الأسرة دينيًا وما يترتب عن كثرة الإنجاب من آثار سلبية على صحتها وانعكاس ذلك على اهتمامها بأسرتها، زيادة عدد الأطباء؛ لا سيما المتخصّصين فى النساء والتوليد فى المناطق البعيدة، وزيادة جرعات التدريب للأطباء تحت هذه المظلة؛ خصوصًا الخريجين الجدُد، تغطية جميع المناطق الجغرافية بجميع وسائل وأدوات تنظيم الأسرة على مدار العام؛ لا سيما المناطق النائية والعشوائية، تفعيل جميع وسائل المتابعة وتحفيز السيدات المستهدفات، تفعيل أسُس الشراكة مع القطاع الأهلى فى استهداف هذه المشكلة.

ولفت إلى أن وعى الريف والصعيد يختلف عن الحضر؛ لأن نظرة المواطنين البسطاء للإنجاب على أنه «عزوة وسَند» لذلك يتمسك الصعيد والريف بذلك فى ظل عادات وتقاليد تزكى معدلات النمو السكانى السريع، بجانب الزواج المبكر الذى يعتبر أحد أسباب الزيادة السكانية لأن فرص تكرار الإنجاب هنا تكون طويلة المدى وسريعة؛ حيث تتزوج الفتاة وعمرها 16 سنة تحت عنوان أن الزواج «ستر للبنت» فى وقت تنتشر فيه مفاهيم دينية تحمل الالتباس فيما يتعلق بالزواج المبكر، بجانب التسرب من التعليم، وهى أمور تتسبب فى ضغط على جهود الوعى بمدى خطورة القضية السكانية، بجانب ذلك نجد فى الريف والصعيد عدم الانتشار لمكاتب تنظيم الأسرة بالعدد الكافى الذى يتناسب مع هذه القضية. وتابع: «وعى المجتمع بصفة عامة فى الفترة الاخيرة يحمل تحركًا إلى حد ما فى ظل المبادرات التى تقودها الدولة ومن ورائها منظمات العمل الأهلى والدور الذى تسير فيه وسائل الإعلام فى هذا الصدد، وأيضًا وضع رئيس الجمهورية هذه القضية كمحور أساسى فى كلماته وأحاديثه التى يحاول فيها تسهيل لغة الخطاب مع جميع الفئات فى هذا الأطار؛ لا سيما مع تأثير تلك القضية على إمكانيات الدولة المحدودة اقتصاديًا».

فيما قال أستاذ مساعد أمراض النساء والتوليد بالقصر العينى د.عمرو حسن، إن د.جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر» ركز كثيرًا على هذه القضية، عن ما تعانيه مصر بالقول: «فتش عن السكان»؛ حيث وجد أن الزيادة السكانية هى المشكلة الأم المرتبطة بالعشوائيات وعدم جودة التعليم وتردى الأوضاع الصحية، لذلك فإن حل معظم مشاكل مصر يبدأ من التحكم فى الزيادة السكانية، والمشكلة ليست فى العدد ولكن فى الخصائص السكانية المتعلقة بالشكل والتعليم والصحة فى ظل المساحة الضيقة التى نعيش عليها، ومع زيادة العدد تتسع الفجوة بين الطبقات أى بين الغنى والفقير مما يهدد السلامة الاجتماعية».

واستكمل: «الزيادة السكانية هى أزمة رباعية الأبعاد فى ظل مشكلة العدد، زيادة سكانية غير منضبطة أكبر من قدرات الدولة، ترتبط بتدنى الخصائص السكانية فيما يخص شكل المواطن من ما يحصل عليه من صحة وتعليم ومهارات حياتية، وتستمر تلك الزيادة على مساحة جغرافية محددة صغيرة، لنصل إلى تهديد السلام الاجتماعى بما يأتى بتفاوت طبقى».

واستطرد: «الأرض وما عليها أحد عناصر القوة الشاملة للدولة، بمعنى أن السكان قوة، ولكن هذا المبدأ مشروط، بمعنى أن الزيادة السكانية لا تتعدى قدرات الدولة فى توفير الخدمات بطريقة مناسبة، وعلى أن الزيادة السكانية لا تؤثر على نصيب الفرد من الموارد الطبيعية مثل المياه، الطاقة، الأرض الزراعية».