الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

البحيرات ضحية جديدة للتغير المناخى

المــنـــاخ الأزمة.. والحل



على مدار سنوات ماضية شهدت الدول تغيرات مناخية عدة أثرت بصورة أو بأخرى على العديد من النواحى الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، لكن خلال العامين الماضيين تفاقمت الأزمات وأصبحت تؤثر بصورة قوية على حياة الشعوب.. من حرائق للغابات.. جفاف أنهار.. فيضانات.. سيول.. أرواح الشعوب أصبحت فى خطر يتزايد يومًا تلو الآخر.. مخاطر التغيرات المناخية لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة ملحة تتطلب تكاتف الدول والحكومات لمواجهتها.. ومن هذا المنطلق جاءت اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، ثم توالت بعد ذلك قمم المناخ العالمية لوضع استراتيجيات وخطط للحد من مخاطر التغيرات المناخية خاصة بعد أن دفع ثمنها حياة الآلاف من الضحايا.. ولهذا تبرز أهمية قمة المناخ COP27 المنتظر عقدها فى مدينة السلام شرم الشيخ نوفمبر المقبل لوضع الأسس والاتفاقيات الدولية للحد من هذه التغيرات المدمرة.. ولهذا تقدم «روزاليوسف» على مدار الأسابيع المقبلة هذا الملف لعرض المخاطر الناتجة عن التغير المناخى وآراء الخبراء لحل هذه الأزمة.. لعله يكون السبيل الأخير لامتصاص غضب الطبيعة والعودة مرة أخرى لحياتنا المستقرة.

 

يستمر مسلسل الكوارث البيئية للتغيرات المناخية، فبعد جفاف الأنهار، والأعاصير المدمرة، وخطر الجوع العالمى الذى أصبح يهدد شعوبًا كاملة من العالم، ظهرت دراسة جديدة تؤكد أن مياه البحيرات وما تحتويه من كائنات حية قد تواجه خطرا متزايدا مع استمرار الاحتباس الحرارى، وقد شهدت الفترة الماضية جفاف عدد كبير من البحيرات العذبة، منها جفاف بحيرة بويانغ للمياه العذبة بوسط الصين.. لتواجه البلاد أقوى موجة جفاف أخرى بعد أزمة جفاف الأنهار بعد جفاف نهر اليانغتسى، أطول أنهار الصين وتعرضه لموجة جفاف حادة منذ يونيو الماضى.. لتضرب أزمة جديدة ناقوس الخطر العالمى الذى تواجهه البشرية فى وقت ما زالت الدول تدرس استمرار استخدامها لمشتقات الغاز والبترول لحل أزماتها الاقتصادية.

 

 الخطر يهدد المياه العذبة

فى دراسة بحثية نشرت فى مجلة «جلوبل تشانج إنيرجى» فى مارس الماضى، حذر باحثون من تداعيات التغيرات المناخية على البحيرات والتى قد تكون وخيمة فى المستقبل، وتؤدى إلى أضرار فادحة بها.

وأشار الباحثون إلى أنه رغم أهمية البحيرات كمصدر للمياه العذبة، وبيئة فريدة للعديد من الكائنات الحية؛ فإنه لم يتم إجراء سوى القليل من الأبحاث حول مقدار تأثير التغيرات المناخية عليها.

ودرس فريق العلماء بقيادة باحثين من جامعة فيرمونت الأمريكية العوالق النباتية (النباتات المجهرية المعروفة باسم الطحالب) فى البحيرات؛ لفهم كيفية استجابتها للمناخ المتغير، وخلصوا إلى أنه لا يمكن التنبؤ بكيفية استجابة البحيرات للعواصف الأكثر تواترا وشدة، والتى يتوقع حدوثها فى عالم يشهد احترارا مطردا.

وقال الدكتور جاسون ستوكويل، عالم البيئة المائية بجامعة فيرمونت، إنه «إذا كانت التقلبات المناخية الحادة ستغير دورة الكربون أو تؤثر فى المغذيات أو الطاقة فى البحيرات بشكل كبير؛ فإننا بحاجة إلى معرفة التداعيات التى سيسببها هذا الأمر بشكل دقيق».

وأضاف المشرف على الدراسة «أن البحيرات يمكن أن تتحول من حالة صحية إلى حالة غير صحية، وقد يكون من الصعب أو المستحيل إعادتها إلى ما كانت عليه مرة أخرى».

 العوامل والتأثير

يعتقد العلماء أن البحيرات حساسة بشكل خاص للعواصف، لأنها تتعرض لها مباشرة، وتتلقى مياه السيول الناتجة عنها، إضافة إلى الرواسب واللدائن الدقيقة. وتشكل العوالق النباتية مصدر قلق بالنسبة للباحثين؛ لأنها قاعدة سلسلة الغذاء والمحرك الأساسى لجودة المياه.

وإن كانت كيفية استجابة البحيرات فيزيائيا للعواصف معروفة جيدا لدى العلماء، فإن ذلك لا يمثل سوى جانب من الحقيقة، إذ لا يعرف سوى القليل جدا عن تأثيرها البيولوجى.

وعندما تتأثر البحيرة بعاصفة، يمتزج ماؤها بالمياه التى تحملها الأودية والأنهار إليها محملة بالرواسب التى تستقر فى قاعها وتجعل البحيرة أكثر تعكرا، لذلك فإن التأثير البيولوجى للعواصف على العوالق النباتية وغيرها من النباتات والحيوانات التى تعيش فى البحيرات أمر أساسى لمعرفة كيفية استجابتها لهذه التغيرات، «لكن ولسوء الحظ فإن هذا التأثير غير مفهوم جيدا»، كما يقول ستوكويل.

من جهة أخرى، ففى حين يرتفع منسوب مياه المحيطات نتيجة التغير المناخى، فإن البحيرات والبحار الموجودة داخل القارات تتأثر عكس ذلك تمامًا. لا ريب فى أن ذوبان الكتل الجليدية الموجودة فى القطبين يزيد من نسبة مياه المحيطات، لكن زيادة معدل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة تؤدى إلى تجفيف مياه البحار الداخلية المغلقة والبحيرات الصغيرة.

ويحذر العلماء من أن مياه البحر المالحة ستنخفض بين 9 إلى 18 مترًا بحلول القرن الحالى فى حال استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة. قد يؤدى انخفاض كهذا إلى تبخر الجرف الشمالى للبحر بالكامل تقريبًا وجزء من الجرف التركمانى من الناحية الجنوبية الشرقية، و«سيجف الشاطئ الشرقى تمامًا» وفق ما قاله الباحثون.

 تهديد البحار

وفق السيناريو الأسوأ للأحداث المتمثل فى انخفاض مستوى سطح البحر بمقدار 18 مترًا، تشير النماذج التى وضعها العلماء أن 34 % من سطح هذا البحر سينكمش. ما يعد كارثة بيئية ضخمة لا يزال معظم الناس غافلين عنها، بما فيهم المجتمع العلمى.

وحتى هذه اللحظة، لم تعلن كل من اللجنة الدولية للتغيرات المناخية والأمم المتحدة إدراج بحر قزوين ضمن البحيرات والأنهار التى تواجه خطر التبخر بسبب التغير المناخى.

ويرى باحثون أنه على غرار الارتفاع المتزايد لمنسوب مياه البحر وما يشكله من خطر بيئى وكارثى، فإن انخفاض مستوى سطح البحار والبحيرات داخل القارات وارتفاع نسب جفافها لها تأثيرات مدمرة مشابهة، إضافة إلى أنها تهدد حياة ملايين البشر.

تبلغ مساحة بحر قزوين نحو 371 ألف كيلومتر مربع وتبلغ نسبة الملوحة فيه نحو 1.2 %. فى حال لم تكن هناك إجراءات فورية ومنظمة، سيمثل بحر قزوين أول نموذج لجفاف باقى البحيرات الآخذة بالانخفاض فى عالم يزداد احترارًا بهذه السرعة. يقول المؤلفون إن هناك حاجة ملحة إلى وحدة عمل عالمية.

ولا تنحصر مشكلة التغير المناخى على بحر قزوين فقط، فبعض الدراسات والأبحاث المنشورة حديثًا أكدت أن هناك بحيرات وبحارًا مماثلة تقع داخل القارات تعانى أيضًا خطر الجفاف، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الجفاف القارى الناجم عن تغير المناخ.

نظرًا إلى عدم وجود تدفق خارجى للبحيرات، فإنها تتأثر بصورة خاصة من ارتفاع درجات الحرارة. إذ يعتمد مستوى سطح مياهها تقريبًا فقط على معدل هطول الأمطار وتدفق الأنهار والتبخر. ينطبق الأمر على بحر قزوين أيضًا، فهو يعتمد على تدفق مياه نهر الفولغا منبعًا رئيسيًا لتجدد مياهه.

إن لم يتم عمل أى شىء لاحتواء الموقف، ستكون العواقب وخيمة على البيئة. سيؤدى الانخفاض المتسارع فى مستويات البحار إلى التأثير سلبيًا على هذا النظام البيئى الفريد. وسيؤدى فقدان المياه الضحلة فى الجنوب إلى فقدان الأسماك المحلية والطيور وأفيال البحر إذ إنها ستعانى من فقدان بيئة معيشتها الأصلية وأماكن تكاثرها ومصادر غذائها.

يذكر فى دراسة نشرها موقع «ساينس سياندفك» العلمى أوضحت أنه على الأرجح يصبح التأثير الضخم الذى يسببه فقدان مياه بحر قزوين سيؤدى إلى تهديد الكائنات الحية الفريدة وإعادة تشكيل شاملة للنظم البيئية التى تطورت على مدى ملايين السنين.

وقد يمتد هذا التأثير حتى إلى المناطق المحمية من بحر قزوين حين تتجاوز المغذيات البحرية تلك المناطق لتتجه مباشرة نحو مركز حوضه. ستبرز فى الغالب مناطق ميتة بفعل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسب الأكسجين الممتدة إلى البحر من الأنهار، ما يؤثر على مياه البحر الضحلة والعميقة على حد سواء. وهو ما يحدث فعلًا فى بعض أجزاء محيطات العالم.

ومن المؤسف أن الكثير من العلماء قد أغفلوا عن مخاطر تبخر مياه البحيرات والبحار الموجودة داخل القارات. وسيكون من الجيد البدء برفع الوعى الشعبى والعالمى حول المخاطر البيئية للتغير المناخى.

وقد اقترح أحد تقارير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية ارتفاع منسوب المياه فى بحر قزوين منذ بداية عام 2010، لكن لم تكن هناك أية تقارير أخرى للبحث فى هذه الأزمة بعد ذلك العام.

هناك نقص كبير فى الأبحاث المبذولة حول هذا الشأن، ما يشير إلى ضرورة زيادة الأبحاث المستقبلية الخاصة بدراسة انخفاض منسوب المياه فى البحار والبحيرات وتأثيرها على التوازن البيئى لحياة الإنسان والكائنات الحية، وهو ما دعا إليه العديد من المراكز البحثية مؤخرًا لضرورة قيادة حملة شعبية لزيادة الوعى بهذه المشكلة ولقيادة الأبحاث المستقبلية التى تختص بدراسة البحيرات والبحار الموجودة داخل القارات والبحث فى أسباب انكماشها.