الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. أوهام أوسلو الثلاثة

الحقيقة مبدأ.. أوهام أوسلو الثلاثة

29 سنة قاسية مرت منذ توقيع اتفاق أوسلو فى الثالث عشر من سبتمبر 1993؛ هل بات حلم الغربة قاب قوسين أو أدنى؟! كان سؤالاً يلح على خواطر الأنقياء فى ذلك الحين أو ربما كان تعجبًا من المتشككين فى مسار انتهجه عرفات ومن خلفه منظمة التحرير الفلسطينية وهى توقع على اتفاق أشبه بالمقولة المصرية «ودنك منين يا جحا».



كلا الطرفين ما بين حالمين أنقياء وما بين حالمين متشككين لا يقلون عنهم نقاء والآن لا نطرح صوابية الطرفين ولكن وجب علينا جميعا أن نضع «أوسلو» فى الميزان!!

دولة فلسطينية.. سلام دائم.. عرفات أول الرؤساء وآخر الزعماء

الواقع القائم يصرخ بتواصل الاستيطان والتهويد وضياع القدس والحقائق تؤكد على فشل هذا الاتفاق فى تحقيق السلام وفشل السلطة الفلسطينية المنبثقة عن الاتفاق فى تحقيق ما كانت تراهن عليه القيادة الفلسطينية فى أن يكون الاتفاق والسلطة بداية للتأسيس لدولة مستقلة ولم يصبح عرفات رئيسًا لجمهورية فلسطين العربية.

الآن وبعد حوالى 3 عقود يعلن أبو مازن - وكأن الأمر مفاجأة - فشل تسوية أوسلو ويُحمل إسرائيل كامل المسئولية عن فشل المشروع والحلم، الكل على يقين أن  مسئولية إسرائيل أمر مؤكد إلا أنه يجب علينا من باب أمانة التحليل أن نعترف بأن أطرافًا أخرى تتحمل المسئولية عما آلت إليه الأمور ومنها القيادة الفلسطينية نفسها وبابتعاد كاتبة المقال عن المناكفات السياسية وتوجيه الاتهامات المطلقة حول المسئولية عما آلت إليه الأمور فسنكتفى معا بتحديد نقاط بعيدة عن الشكوك والظنون؛ والغاية هى  استعادة حضور القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطنى.

 خيبات قديمة

من منا يستطيع أن ينكر واقعًا قبيل توقيع الاتفاق مفاده أن المنظمة كانت تحت الحصار ليس فقط من قِبَل إسرائيل والغرب، بل حتى من طرف غالبية الدول العربية لاتهامها بدعم صدام حسين، وآنذاك كان الحصار سياسيًا وماليًا وتم وقف جميع أشكال التمويل حتى أصبحت المنظمة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها ومقاتليها، وفى المقابل وجهت دول عربية وخصوصًا الخليجية الدعم المالى والسياسى لحركة حماس ظنًا منها بأنها البديل والمستقبل!!

 مقدمات بائسة قادت لواقع تعيس

مؤتمر مدريد للسلام 1991 أتى بعد انهيار النظام الإقليمى العربى الذى تلى غزو العراق للكويت وبعد انهيار المعسكر الاشتراكى الذى كان يُعتبر حليفا للفلسطينيين كان بدعوة من الرئيس الأمريكى جورج بوش تحت عنوان البحث عن تسوية سياسية وسلام دائم بين العرب والإسرائيليين، بينما كان المستهدف الفعلى جمع العرب والإسرائيليين على طاولة المفاوضات وهذا ما حدث لأول مرة والبحث عن اتفاقات سلام منفردة بين إسرائيل وكل دولة عربية على حدة وتجاوز منظمة التحرير كعنوان للشعب الفلسطينى، وحضر المؤتمر كل الدول العربية ما عدا من لم يتم توجيه الدعوة لهم – عراق صدام حسين وليبيا القذافى- ولم يتم توجيه الدعوة لمنظمة التحرير وتم القبول بحضور فلسطينى رمزى ضمن الوفد الأردنى.

مع رفض الكاتبة لمعاهدة كامب ديڤيد واتفاق السلام والتطبيع مع الكيان الصهيونى إلا أنها لا تنسى مرارة الدعوة بالمقاطعة العربية وسحب مقر الجامعة من القاهرة وزادت المرارة مع الهرولة العربية نحو تطبيع بلا مكاسب وإبراهيميات دون تنازل خلقت واقعا بالقطع تعيسًا!

 دولة اللا دولة

هذا ما قدمته «أوسلو» وهذا ما ارتضاه العرب وهو بقاء الاحتلال الإسرائيلى والسيادة الإسرائيلية على فلسطين كلها، بما فى ذلك قطاع غزة وأريحا، أمّا الانسحاب من القطاع وأريحا وإقامة نوع من الحكم الذاتى الانتقالى فهو يقتصر على انسحاب الجيش من المناطق الآهلة بالسكان حيث الانتفاضة والمقاومة، وتسليم الأمن فيها للشرطة الفلسطينية. وبهذا يتم إعفاء الاحتلال من الاصطدام بالفلسطينيين مع بقائه مُسيطرًا على الوضع عمومًا، ومُمسكًا بكل النقاط الإستراتيجية على كل الحدود وكل النقاط المشرفة وفى الطرقات الواصلة بين المدن والقرى.

وقد منح الاتفاق - التاريخى - جيش الاحتلال الإسرائيلى حق العودة إلى احتلال كل منطقة سكانية تحت الحكم الذاتى إذا فشل الأخير فى المحافظة على أمن الاحتلال فيها ومنها. أمّا بخصوص تسليم إدارة الحكم الذاتى شئون التعليم والصحة والبلديات والسياحة، فهو لا يعدو كونه إعفاءً للاحتلال من الإنفاق على تلك المجالات التى هى الجانب الثقيل بالنسبة لكل احتلال بل إن التنصل منها هو غاية المراد.

ولتكن الدولة اللا دولة الفلسطينية التى نتجت عن الاتفاق تقوم بواجباتها الأمنية تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلى، واقتصاديًا فهى ملحقة تابعة بالمشاريع المشتركة مع الاحتلال، وسياسيًا فهى لا تنال شيئًا إلا بالتفاوض الثنائى - مختل القوة - لأنه لا يحدث إلا بموافقة القيادة الإسرائيلية.

لهذا وجبت النظرة إلى الاتفاق من زاوية الديناميكا السياسية لا من زاوية ثابتة، فنجد أن الرغبات الإسرائيلية تتعدى حتى ما تضمنه «أوسلو» من تنازلات فى الحقوق والأراضى، أو فى الاعتراف بحق الوجود للعدو، أو التخلى عن الكفاح المسلح والانتفاضة، بل هو رغبة حقيقية فى إلحاق فلسطين بالكيان «الإسرائيلى»، فيكون فى البداية إلحاقًا أمنيًا-اقتصاديًا، ثم يأتى الإلحاق السياسى-الثقافى لا محالة.

ورغم أن هذا يمثل خطرًا على الأمن القومى العربى فى ذلك الوقت (التسعينيات)، إلا أن التجربة بشىء من التصرف عممت على أكثر من دولة عربية فيما بعد، والخوف كل الخوف أن تتشجّع الأجنحة صاحبة الطموح فى السلطة فى بعض النظم العربية على إنزال السقف فى العلاقة بالعدو إلى حدّ التعاون ثم التواطؤ.

 هل كان مصير القضية الفلسطينية سيكون أفضل لو لم يتم توقيع اتفاق أوسلو؟

حقيقة الأمر لم تكن هناك فرصة للخروج باتفاق فلسطيني-إسرائيلى حول الحكم الذاتى أقل سوءًا من الاتفاق الذى جرى عبر مفاوضات أوسلو. وهذا أمر أكّدته مسارات الأحداث فى مرحلة ما بعد الاتفاق. وقد كان هناك ثمة عاملين متكاملين أخرجا اتفاق أوسلو:

الأول: إصرار إسرائيلى ودولى على صياغة اتفاق حول الحكم الذاتى وفقًا للشروط الإسرائيلية بالكامل. الثانى: القبول الفلسطينى التدريجى بتلك الشروط. قبول امتزج بالوهن والعجز، حتى لو كان ذلك يعنى التفريط فى أعز الحقوق وأقدس القضايا والمصالح العليا الفلسطينية.

ومن هنا أصبح اتفاق أوسلو نقطة مفصلية، تسعى بعدها إسرائيل والدول العربية إلى التطبيع، ما دامت أوسلو قد وفرت الغطاء اللازم لذلك، لتتحول إسرائيل إلى مركز استقطاب سياسى ونقطة يُستقوى بها فى الصراعات العربية-العربية، والصراعات الإقليمية، وكذلك الصراعات الداخلية. ويساعد على ذلك الإستراتيجية الأمريكية (التى بدأت فى التسعينيات) والتى جعلت من الاعتراف بإسرائيل واسترضائها مدخلًا للوصول إلى ما يُراد من أمريكا، أى صارت إسرائيل بمثابة مدير التشريفات الذى لا بد من المرور به للوصول إلى البيت الأبيض.

هل لا يزال يستغرب القارئ الكريم لهذه السطور لماذا توقفت حتى تصريحات الشجب والإدانة، هل ما زال مندهشا من التراجع العربى عن دعم القضية المركزية وبالمقابل يتبادل التهانى ويستقبل العدو بالأحضان الدافئة؟! لا تندهش وتوقف عن رسم علامات التعجب، فلتستبدلها بفخر أنك مصرى ترفض دولته الاستيطان وتعلن دعمها وعملها الجاد لإعلان دولة فلسطينية مستقلة وتضرب بصفقات القرن عرض الحائط.

تحيا مصر