الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جفاف الأنهار ونقص الطاقة وتغيُّر المناخ أزمات تهدد الحياة على كوكب الأرض

المــنـــاخ الأزمة.. والحل



 

على مدار سنوات ماضية شهدت الدول تغيرات مناخية عدة أثرت بصورة أو بأخرى على العديد من النواحى الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، لكن خلال العامين الماضيين تفاقمت الأزمات وأصبحت تؤثر بصورة قوية على حياة الشعوب.. من حرائق للغابات.. جفاف أنهار.. فيضانات.. سيول.. أرواح الشعوب أصبحت فى خطر يتزايد يومًا تلو الآخر.. مخاطر التغيرات المناخية لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة ملحة تتطلب تكاتف الدول والحكومات لمواجهتها.. ومن هذا المنطلق جاءت اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، ثم توالت بعد ذلك قمم المناخ العالمية لوضع استراتيجيات وخطط للحد من مخاطر التغيرات المناخية خاصة بعد أن دفع ثمنها حياة الآلاف من الضحايا.. ولهذا تبرز أهمية قمة المناخ COP27 المنتظر عقدها فى مدينة السلام شرم الشيخ نوفمبر المقبل لوضع الأسس والاتفاقيات الدولية للحد من هذه التغيرات المدمرة.. ولهذا تقدم «روزاليوسف» على مدار الأسابيع المقبلة هذا الملف لعرض المخاطر الناتجة عن التغير المناخى وآراء الخبراء لحل هذه الأزمة.. لعله يكون السبيل الأخير لامتصاص غضب الطبيعة والعودة مرة أخرى لحياتنا المستقرة.

 

 

اضطراب مناخى يهدد بفناء البشرية.. جفاف الأنهار.. كارثة جديدة تضرب الشرق والغرب

 

شهد العالم مؤخرًا العديد من الأوضاع المضطربة بسبب التداعيات السلبية التى تُخلفها التغيرات المناخية، وكان من بين هذه الاضطرابات ارتفاع غير مسبوق فى درجات الحرارة.. فيضانات.. حرائق الغابات.. وأخيرًا جفاف الأنهار ليس فى منطقة واحدة، ولكن أخذت هذه الظاهرة تضرب العالم من شرقه إلى غربه، الأمر الذى قد يهدد بفناء البشرية.. فالمياه والأنهار العمود الفقرى للدول سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الحضارية.. فعلى ضفاف النهر تكونت الحضارات القديمة ونمت الأمم.. والآن تتصارع الدول للحد من هذه المأساة التى واجهت أكثر الدول تقدمًا.. للحد من هذه الكارثة الإنسانية التى يرى خبراء أنه فى حال استمرارها بهذه الصورة قد يشهد العالم خلال السنوات القليلة القادمة أزمة جفاف لم يكن لها مثيل من قبل.

 

 «جفاف» عالمى

خلال الشهرين الماضيين شهدت الأنهار فى عدد من الدول الأوروبية وأمريكا وأيضًا فى الصين ودول آسيا موجة جفاف للأنهار الرئيسية بصورة غير مسبوقة منذ قرون، حيث جفت تقريبًا الأنهار التى كانت ضرورية للتجارة لعدة قرون، ما يهدد حركة التجارة العالمية للمواد الكيميائية والوقود والغذاء والسلع الأخرى.

وشهد نهر الراين، الذى يعد أحد أعمدة الاقتصادات الألمانية والهولندية والسويسرية  صورة من الجفاف لدرجة ظهور باطنه فى بعض المناطق خلال الأسابيع الأخيرة. أما نهر الدانوب الذى يمتد بطول 1,800 ميل (حوالى 2,900 كيلومتر) عبر وسط أوروبا إلى البحر الأسود وكأنه أرض فارغة تقريبًا، ويمكن الآن فى فرنسا عبور نهر اللوار سيرًا وفى إيطاليا، ينخفض مؤشر نهر «بو» بمقدار مترين عن المحاصيل العادية التى أصيبت بالشلل.

وفى جميع أنحاء القارة العجوز، يعمل الجفاف على تقليل الأنهار محولًا إياها إلى «قطرات صغيرة»، وهو من شأنه أن يغير ملامح القارة ليس على مستوى المسطحات فقط، بل بما يصطحب معه عواقب وخيمة محتملة على الصناعة والشحن والطاقة وإنتاج الغذاء، حيث تشهد قارة أوروبا أسوأ موجة جفاف قال العلماء إنها لم تحدث فى القارة العجوز منذ نحو 500 عام.

أما فى الصين فقد أدى الصيف القاسى إلى خسائر فادحة فى نهر يانجتسى أطول أنهار آسيا. وأدى انخفاض مستويات المياه إلى إعاقة توليد الكهرباء فى عدد من محطات الطاقة الكهرومائية الرئيسية، حيث تعمل المدن الضخمة ومنها شنجهاى بإطفاء الأنوار للحد من استخدام الطاقة، وحذرت شركة «تسلا» من حدوث اضطرابات فى سلسلة التوريد فى مصنعها المحلى.

وعلى الجانب الآخر من العالم أصاب الجفاف الشديد نهر كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية والذى يشكّل مصدر المياه لـ40 مليون شخص بين ولايات دنفر ولوس أنجلوس، لدرجة أن جولة ثانية من الانقطاعات الشديدة فى المياه ضربت أريزونا ونيفادا والمكسيك.

ويروى النهر وروافده حوالى 4.5 مليون فدان من الأراضى، ويولّد نحو 1.4 تريليون دولار سنوياً من الفوائد الزراعية والاقتصادية.

 العواقب

ما تشهده الأنهار من حالة الجفاف الشديد جاءت بسبب «الانهيار» المناخى، إذا صح القول، حيث أدى فصل الشتاء والربيع الجافان بشكل غير عادى، متبوعَين بدرجات حرارة قياسية فى الصيف وموجات حر متكررة، إلى نقص تجديد الممرات المائية الأساسية وزيادة سخونتها بشكل متزايد.

وقد حذر مركز الاتحاد الأوروبى للبحوث المشتركة فى تنبؤات نشرها مؤخرًا أن ارتفاع درجة الحرارة والجفاف ربما يؤديان إلى انخفاض إنتاج الحبوب فى أوروبا بنسبة تتراوح ما بين 8 و9 %.

الجفاف الذى يصيب الأنهار فى أوروبا يسبب اضطرابات قوية فى حركة التجارة عبر الأنهار، والتى تعد عنصرًا مهمًا للنقل بين الدول الأوروبية، وهذا يحدث، بعد أربع سنوات فقط من توقف مشابه لحركة النقل التاريخية عبر نهر الراين الشهير، لتراجع منسوب المياه فيه خلال 2018، مما يزيد الضغوط على الاتحاد الأوروبى لدعم قطاعات النقل، فى وقت يواجه فيه الاتحاد العديد من التحديات بسبب أزمة أوكرانيا ونقص الغاز وغيرها.

للأنهار والقنوات المائية أهمية كبيرة للاقتصاد الأوروبى، إذ تساهم حركة النقل النهرى بنحو 80 مليار دولار فى اقتصاد منطقة اليورو، بحسب بيانات هيئة «يوروستات»، وهو مبلغ قد تفقده ميزانية دول الاتحاد الأوروبى إذا ما توقفت حركة النقل عبر الأنهار والقنوات المائية بالمنطقة.

وتشير التوقعات، والتى تفترض استمرار الظروف السيئة، إلى أن اقتصاد منطقة اليورو قد يفقد نحو 5 مليارات دولار بسبب الأضرار التى تمنع حركة التجارة عبر نهر الراين حاليًا.

وتأتى المفارقة، أن أوروبا كانت تنوى الاعتماد بشكل كبير على الممرات المائية كجزء من جهودها لمكافحة التغير المناخى وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ كانت تستهدف المفوضية الأوروبية زيادة النقل عبر الممرات المائية بنحو 25 % بحلول 2030.

وكان المرصد الأوروبى لمراقبة الجفاف قد أعلن أن قرابة ثلثى القارة الأوروبية عرضة لتهديد الجفاف، لافتًا إلى أن أحدث البيانات التى تم جمعها أظهرت أن 60% من أوروبا عرضة حاليًا لخطر الجفاف، مشيرًا إلى أن 45 % من أراضى القارة الأوروبية تعرضت للجفاف بحلول منتصف شهر يوليو الماضى، محذرًا من حدوث عجز مائى شديد فى 15 % من القارة، مما يؤثر على إنتاج الغذاء والطاقة ومياه الشرب والحياة البرية.

ويحتل الاتحاد الأوروبى المركز الثالث بنسبة 7.52 % بين أكبر 10 كيانات مسببة للانبعاثات الحرارية فى العالم، بعد الصين المسئولة عن 26.1 % من الانبعاثات العالمية، ثم الولايات المتحدة التى تساهم بنسبة 12.67 % ثم الهند رابعًا بنسبة 7.08 %.

وينذر تراجع المستوى بفتح صراع غريب على تقاسم مياهه بين عدة ولايات فى الغرب الأمريكى، إذ أعلن مكتب الاستصلاح الأمريكى أن ممثلى ولايات «آريزونا، وكاليفورنيا، وكولورادو، ونيفادا، ونيو مكسيكو، ويوتا، ووايومنغ»، فشلوا فى التوصل إلى اتفاق حول كيفية خفض استخدامهم للمياه بنسبة 15 بالمائة على الأقل.

 أزمات متتالية

مع انحسار مياه الأنهار بدأت معها أزمات اقتصادية أخرى، حيث من المتوقع أن تتراجع نسبة الزراعة فى ولاية أريزونا الأمريكية إلى نحو 21% بسبب انخفاض منسوب المياه فى نهر كولورادو.

وفى الصين التى يزيد عدد سكانها على مليار و400 مليون نسمة، يثير الجفاف الذى ضرب 66 نهرًا فى 34 مقاطعة بمنطقة تشونغتشينغ (جنوب غرب)، مخاوف إمدادات السلع بين المقاطعات، حسب التليفزيون الرسمى.

ووفقًا لبيانات أصدرتها وزارة الطوارئ الصينية خلال الأسبوع الثالث من أغسطس الجارى، فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة، فى شهر يوليو وحده، إلى خسائر اقتصادية مباشرة بلغت قيمتها 400 مليون دولار.

ومن مظاهر هذا الجفاف، تقلص بحيرة بويانغ إلى ربع حجمها لهذا الوقت، وأهميتها تكمن فى أنها أحد أحواض الفيضان المهمة لنهر اليانغتسى، وهو أطول أنهار الصين وثالث أطول نهر فى العالم.

هذا النهر العظيم يقطع الصين عرضًا ليصب فى بحر الصين الشرقى، ونضوبه يعنى أن أكبر بلد من حيث السكان مهدد بالجوع، ما سيخلق طلبًا غير مسبوق على إمدادات الغذاء فى العالم.

لقد تسبب الجفاف فى أضرار خطيرة بأطول أنهار آسيا، الذى يتدفق على طول 6300 كيلومتر عبر الصين ويغذى مزارع تنتج كثيرًا من غذاء البلاد ويشغل محطات كهرومائية ضخمة، بما فيها «سد الممرات الثلاث»، أكبر محطة كهرباء فى العالم.

ومع احتمال استمرار موجات ارتفاع دراجات الحرارة والجفاف، فإن الاقتصاد الصينى، أكبر اقتصاد فى العالم، قد يتأثر بصورة كبيرة، وذلك لأن البلاد تعتمد على الطاقة الكهرومائية، وهى أكبر مصدر للطاقة النظيفة فى البلاد، حيث مثلت نحو 18 % من مصادر توليد الكهرباء فى 2020، وفقاً لـ«بلومبرج لأبحاث تمويل الطاقة المتجددة».