الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
حقك.. المعلومة الصحيحة.. حق من حقوق الإنسان  عصفور النار فى حادث كنيسة المنيرة

حقك.. المعلومة الصحيحة.. حق من حقوق الإنسان عصفور النار فى حادث كنيسة المنيرة

تتحدث الأساطير الروسية عن طائر النار الذى يطير من مكان إلى مكان وهو يحمل النعمة واللعنة، ومنها استلهمت فرق الباليه الروسية الشهيرة باليه عصفور النار الشهير، وكذلك القصة الخيالية المتداولة عن ظهور طائر يتسبب فى اتساع حرائق الغابات وهو يحمل فى ذيله شرر النيران من مكان إلى آخر وهو ما يتطابق حاليا مع الدور الذى تقوم به وسائل التواصل الاجتماعى من خطر حمل المعلومات المغلوطة والشائعات من مكان إلى مكان فتزيد الحرائق الاجتماعية اشتعالا ويتسع معها نطاق الشك والحيرة فى النفس وتزيد من معدلات الاحتقان والتوتر.



 

مع بدايات الإعلان عن حادث كنيسة المنيرة ظهر دور عصفور النار عبر تقنية البث المباشر وتصوير الحريق من أكثر من زاوية واتجاه مع روايات متضاربة لأناس ربما لديهم هوى أو الغضب مما يحدث، وهو ما أثار الهلع وشحن الأجواء بالترقب والخوف، ثم زادت حدة المشكلة مع ظهور حوادث مشابهة لكنائس أخرى لكنها من دون ضحايا، ثم تطوع البعض واستخدم وسائل التواصل الاجتماعى أو عصفور النار فى بث رسائل التشكيك والتخويف دون أن يتوقف أحد ليتأكد من صحة المعلومة أو ينتبه لخطورة ما يتحدث عنه أو يلمح إليه.

خطورة ما انتشر من أكاذيب وشائعات تحدث عنها قداسة البابا تواضروس الثانى خلال مداخلة هاتفية فى برنامج «مساء دى إم سى»، مع الإعلامية إنجى القاضى، وقال نصا إن الحقيقة من الأمور المؤلمة والتى تزيد الأمر ألمًا الأكاذيب التى تطرح «تطلق من اللى بيعرف واللى مش بيعرف، واللى بيفهم واللى مش بيفهم، متأسف فى التعبير، لكن على صفحات السوشيال وبعض القنوات التليفزيونية، أمور لا تليق حتى بحرمة الموت وحرمة الحادث والألم اللى فى القلوب عند الكل».

وأضاف «إن المفترض كلنا كبشر، نضمد الجراح بالكلمات الطيبة والأفعال الطيبة، هى دى اللى نملكه، لكن فيه ناس أثارت الشر للأسف الشديد، وبتتكلم على أكاذيب، وشائعات، وضالات وكلها غير حقيقة مشيرا إلى أن الشائعات فيها شكل من أشكال الشماتة، وتوجيه التقصير وتوجيه الاتهام للناس، أمور شخصية الكنيسة لا تقبلها على الإطلاق، فى حالة الأزمات كل إنسان بيبقى فى فكرة أنه يؤدى عمل يفك الأزمة، لو إنسان فى أزمة أو فى خطر،  نشوف إزاى نساعده، أو أسعفه، ناس كتير بتتكلم كلام مش فى الواقع خالص، ده بيعمل أزمة ثقة، وده مش موجود على الواقع مؤكدا أن الدولة تحركت سريعا وأنه بعد ساعات قليلة من حادث حريق كنيسة أبو سيفين  توجهت قيادات الهيئة الهندسة للقوات المسلحة، بتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسى لمكان الكنيسة من أجل إعادة ترميمه وإعادة إصلاحه، دى مشاعر طيبة للغاية وسرعة استجابة، أمور محمودة جدا».

لم يكتف البابا تواضروس بهذه الإشارة ولكنه ألمح إلى الأسباب الحقيقية للحادث المؤلم أنه قبل عشر سنوات كانت عملية إنشاء كنيسة أمرا صعبا ومرهقا للغاية على حد قوله وكانت هناك جهات كثيرة يتوقف عليها الموافقة على هذا الأمر، موضحًا أنه عندما وصل الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى سدة الحكم، وأصدر مشروع قانون بناء الكنائس عام 2016، بدأت الأمور تمشى فى نصابها الصحيح، لافتا إلى أن حجم كنيسة أبو سيفين لا يتناسب مع كثافة السكان من المسيحيين.

وأضاف إن المكان الذى تتواجد فيه كنيسة أبو سيفين التى شهدت حادث حريق أمس، ضيق للغاية، والوصول لهذا المكان أمر صعب، موضحا «المكان مزدحم، مكان سكنى كثيف»، ثم وجه قداسته الشكر والتقدير لكل الجيران سواء من المسلمين والمسيحيين الذين قاموا بواجبهم تجاه الكنيسة أثناء تعرضها للحرق.

ربما كان حديث البابا تواضروس هو أبلغ رد على حملات التشكيك والتعبئة التى انطلقت فور الإعلان عن الحادث، بل إن جماعة الإخوان الإرهابية عبر أذرعها الإعلامية خارج مصر حاولت بكل الطرق تشويه كل الجهود التى بذلتها الدولة سواء فى عمليات الإنقاذ أو إسعاف المصابين رغم أنهم عبروا عن شماتتهم فى الضحايا وهو تصرف لا إنسانى غير مستغرب على تلك الجماعة الإرهابية.

إن الأداء الإعلامى فى تلك الحوادث يتطلب أقصى درجات الأمانة فى نقل المعلومات ولا أبالغ إذا قلت إن الحق فى المعلومة الصحيحة خلال الأزمات والكوارث البشرية هى حق أصيل من حقوق الإنسان، وأن عمليات التلاعب الممنهجة بألم الضحايا والمصابين هو حق آخر يتم انتهاكه على وسائل التواصل الاجتماعى لأسر الضحايا والمصابين. 

لا شك أن ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعى يسير عكس ما اتفق عليه العالم فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان كمبادئ عامة تناسب جميع شعوب الأرض، لم يدر بخلد المجتمعين عام 1948 أن حرية الرأى والتعبير ستستخدم يوما لتدمير وعى الشعوب، وأن الفوضى القاتلة تبدأ بمعلومة مزيفة أو مفبركة تستغل فضاء إلكترونيا يبحث عن الربح المادى دونما النظر إلى اعتبارات حق الناس فى المعرفة أو المعلومة الصحيحة.

مثلما كان للسوشيال ميديا وجه مضيء لقدرتها على زيادة التواصل الاجتماعى بين الناس بتوفيرها لمساحات غير مسبوقة لممارسة حرية الرأى والتعبير عما يدور بداخلهم دون حواجز أو حدود، حتى لامست عنان السماء، تراجعت قدرة المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام عن تصحيح التشوهات الناجمة عن تكرار الأخبار المزيفة واستغلال مواقع التواصل فى نشر المعلومات المضللة على أوسع نطاق دون رادع. اتفقت دراسات علمية عدة أجريت لمعرفة أسباب انتشار الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعى، على انتشار التغريدات الزائفة بوتيرة أسرع ووصولها إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بالتغريدات التى تتضمن معلومات صحيحة.

وبحسب دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نشرتها مجلة ساينس قام ثلاثة ملايين شخص بإعادة تغريد القصص الإخبارية غير الصحيحة أكثر من 4.5 مليون مرة، وخلص الباحثون إلى أن المحتويات الزائفة سواء نصا أو فيديو أو صورة لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70 بالمئة مقارنة بالحقيقة. الإثارة هى كلمة السر فى انتشار ذلك النوع وحرص صانعوها على أن تحمل مفاجآت غير متوقعة تثير حواس ومشاعر المتلقى، وتفتح الباب للتشكيك فى كل ما يراه وتتبنى بعض وسائل الإعلام الترويج لها متذرعة بمتابعة الترندات أو الأعلى قراءة وتبرر ذلك بحاجتها إلى المكسب المادى والانتشار دونما اعتبار لقواعد المهنية والالتزام بالنزاهة والمصداقية وضرورة تحرى الدقة قبل ترديد تلك الأخبار.

العالم يتحدث عن خطورة الأخبار الملفقة على حالة السلم الاجتماعى وفى ذلك تتساوى الدول المتقدمة مع الدول النامية فى المعاناة، وخاصة الشائعات المتعلقة بالأوضاع السياسية، وما تشهده فترة الانتخابات من ضربات تحت الحزام بين المرشحين، وانطلقت التحذيرات من استخدام الجماعات المتطرفة والإرهابية للسوشيال ميديا فى الترويج لأفكارهم الإقصائية وتشويه من قرر أن يواجه مخططاتهم المبنية على الفبركة والتلفيق من أجل إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار وإيقاف نجاح الدول التى لفظتهم.

تستغل تلك الجماعات جهل مستخدمى ورواد مواقع التواصل الاجتماعى بآليات التحقق من الأخبار، واستفادت شركات مثل «فيس بوك وتويتر وجوجل» وغيرها من إقبال الناس على الفبركات المثيرة وتذرعهم بعدم قدرتهم فى السيطرة على مليارات المستخدمين ورفضهم لأشكال الرقابة باعتبارها قيدًا لا يجب الخضوع له وهو قياس فاسد لأن حرية الرأى والتعبير لا يمكن أن تمارس على نحو ينتهك حقوق الإنسان، وهو ما نصت عليه المادة 19 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، التى ربطت الحق بواجب وهو جواز حرية الرأى والتعبير لبعض القيود الضرورية وهى احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.وللتمييز بين الأخبار الصادقة والمفبركة اتفقت معاهد الإعلام على قواعد عامة ومفيدة فى مواجهة سيل الأخبار الكاذبة والمفبركة التى لا تتوقف أولها مراجعة مصدر الخبر والتأكد دائما من صحة الخبر من أكثر من مصدر والاطلاع على المواقع الرسمية ووسائل الإعلام الموثوق فيها والصفحات ذات الشارة الزرقاء للجهات والمؤسسات الرسمية دون غيرها.عدم الاعتماد على الأخبار الصادرة من أشخاص لديهم انحيازات واضحة والتأكد من مصادر المعلومات بالإضافة إلى التريث فى الأحكام إلى أن تظهر الحقائق وردود الأجهزة الرسمية على الشائعات، لقد أصبح من الصعب على الحكومات إخفاء الحقائق فى وجود الهواتف المحمولة وقدرتها على النقل اللحظى للأحداث.

الأكواد المهنية فى التعامل الإعلامى مع الكوارث الإنسانية أصبحت ضرورة ملحة من أجل الحفاظ على الاستقرار والسلام الاجتماعى، فظاهرة عصفور النار تهدد المجتمعات المستقرة كما أن خطورة الأخبار المزيفة والمفبركة تتضاعف مع زيادة التطور فى وسائل التواصل الاجتماعى واعتماد الأجيال الجديدة عليها فى تلقى المعرفة وتراجع قدرة الإعلام التقليدى الخاضع للقوانين والضوابط المهنية على المنافسة مع الوسائل الجديدة غير الخاضعة لتلك الضوابط، فالحق فى المعلومة الصحيحة أصبح ضرورة ملحة وسط هذا الكم من الأكاذيب التى لا تنتهى، أولاً من أجل الحفاظ على الاستقرار والسلام الاجتماعى وثانيا كبح قدرة المتطرفين على تجنيد عناصر جديدة لصفوفها تحت تأثير مزاعم خاطئة وأخبار مفبركة ومضللة، وهى مهمة أصيلة من مهام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية من أجل مستقبل أكثر إنسانية وأبعد عن الصراع والفوضى.