الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بجولات لكسب تأييد مواقفهم فى الصراعات الدولية: حرب باردة بين القوى الكبرى فى إفريقيا

خلال الأيام القليلة الماضية، كان القادة الروس، والأوروبيون، والأمريكيون يجوبون دول «أفريقيا»، من أجل كسب التأييد لمواقفهم بشأن عدد من القضايا، وفى مقدمتها العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، بينما شنوا على بعضهم البعض - ما سمى- بأشد منافسة على النفوذ فى القارة منذ الحرب الباردة.



 

فقد زار كل من وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف»، والرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» عدة دول أفريقية منذ نحو أسبوعين، بينما سافرت رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «سامانثا باور»، إلى «كينيا، والصومال» الأسبوع الماضى، فيما قام وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن»، بزيارة إلى مدينة «جوهانسبرج» يوم الأحد الماضى فى مستهل جولته الإفريقية التى تمتد لتشمل «الكونغو، ورواندا»، فى الوقت الذى تتوجه السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة «ليندا توماس جرينفيلد»، إلى دولتى «غانا، وأوغندا».

وقد علق مدير «مؤسسة الأعمال الديمقراطية» الجنوب أفريقية «ويليام جوميد» على هذه الزيارات، بأنها: «مثل حرب باردة جديدة، تدور رحاها فى «أفريقيا»، حيث تحاول الأطراف المتنافسة كسب النفوذ»؛ مضيفًا أن الجانب الروسى يسعى إلى تصوير الغرب على أنه الشرير، ويلقى اللوم عليه فى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فى حين يتهم القادة الغربيون (الكرملين) باستخدام الطعام كسلاح!!

 زيارات رفيعة المستوى

زار وزير الخارجية الروسى «لافروف» أربع دول أفريقية، حيث جاءت جولته فى أعقاب إعلان الرئيس الأمريكى «جو بايدن» أن قمة قادة «الولايات المتحدة»، و«أفريقيا» - المخطط لها منذ فترة طويلة- ستنعقد فى شهر ديسمبر المقبل فى «واشنطن». 

وخلال زيارته تناول «لافروف» أجندة واسعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتعزيز الديمقراطية، ودفع السلام والأمن، ومعالجة القضايا العالمية، وعلى رأسها تهديدات: الصحة، والمناخ، والأمن الغذائى.

 وعلى جانب آخر، اتهم وزير الخارجية الروسى «الولايات المتحدة»، والدول الأوروبية برفع أسعار المواد الغذائية من خلال اتباع سياسات وصفها بالمتهورة؛ كما اتهمهم -أيضًا- بتخزين الطعام أثناء جائحة كوفيد - 19. وقال «لافروف» فى إحدى زياراته لدول وسط «أفريقيا»، إن: «الوضع فى «أوكرانيا» أثر سلبًا بشكل إضافى على أسواق المواد الغذائية»؛ معتبرًا أن السبب لا يعود للعملية العسكرية الروسية، بل لرد الفعل غير الملائم من الغرب، الذى أعلن فرض عقوبات ضد «موسكو». كما أعرب «لافروف» عن دعمه لإصلاح مجلس الأمن الدولى، من أجل منح الدول الإفريقية مقاعد دائمة ونفوذ أكبر.

على صعيد آخر، اتهم الرئيس الفرنسى «ماكرون» - فى جولته الإفريقية التى شملت «الكاميرون، وبنين، وغينيا بيساو»- (الكرملين) باستخدام قنوات تليفزيونية، من أجل نشر الدعاية الداعمة للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ معتبرًا أن (الكرملين) يقوم بابتزاز العالم، عبر إحباط تصدير الحبوب من «أوكرانيا». كما ناشد «ماكرون» الأفارقة بالوقوف فى صف ضد «روسيا». 

وركزت زيارة الرئيس الفرنسى -أيضًا- على قضايا الإنتاج الزراعى، والقضايا الأمنية، والتأكيد على استمرارية وثبات التزامه بعملية تجديد العلاقة مع القارة الإفريقية. 

أما رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «سامانثا باور» فقد تعهدت –خلال جولتها الإفريقية- بتقديم مساعدات، من أجل مكافحة الجوع فى المنطقة، وسط جفاف مدمر. 

وفى الوقت ذاته، لم تنس انتقاد «روسيا»، إذ قالت: «من خلال حظر صادرات الحبوب الأوكرانية، وتقييد تجارة الأسمدة الروسية، كان لتصرفات (الكرملين) عواقب إلحاق الأذى بشعب «كينيا»، ودول أخرى فى جميع أنحاء العالم».

وفى سياق مشابه، قام وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» بمراجعة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة خلال زيارته لإفريقيا، والتى تشمل «جنوب إفريقيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ورواندا». 

وأفادت وزارة الخارجية الأمريكية بأن «بلينكن» سيركز فى زياراته على مكافحة الفساد، ودعم التجارة والاستثمار، ومعالجة أزمة المناخ، ودعم الجهود الإقليمية الإفريقية لتعزيز السلام؛ بينما قال مسئولون حاليون وسابقون فى الإدارة الأمريكية لمجلة «فورين بوليسى» إن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تشمل عدة أهداف، منها: تعزيز الديمقراطية والحكم والأمن؛ التركيز على التعافى من الجائحة؛ معالجة أزمة المناخ والانتقال العادل للطاقة فى القارة؛ وغيرها.

كما أكد المسئولون داخل الإدارة الأمريكية للمجلة أن أحد أهم أهداف الاستراتيجية الجديدة، هو تعزيز التركيز والتمويل على الدبلوماسية والتنمية، فى محاولة للابتعاد عن المشاركة العسكرية أولًا فى أجزاء من «أفريقيا»، ولا سيما منطقة الساحل، التى هيمنت فيها السياسة الأمريكية على مدى العقدين الماضيين، عندما كان التركيز الأساسى فى السياسة الخارجية لواشنطن على مكافحة الإرهاب.

وعلق رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى السيناتور «بوب مينينديز» فى جلسة استماع حول السياسة الأمريكية الإفريقية الشهر الماضى، إنه: «بينما استثمرنا المليارات فى قطاع الأمن، فإن جهودنا الدبلوماسية والإنمائية قد تقوضت، بسبب نقص الموارد والوجود». 

جدير بالذكر، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تأتى - أيضًا - فى الوقت الذى تكافح فيه «واشنطن» لمواجهة الجهود الروسية والصينية، من أجل تعزيز نفوذهما الجيوسياسى عبر القارة الإفريقية.

 لماذا يقلق الغرب؟

تسعى القوى الكبرى إلى التأثير على «أفريقيا» كمكان للمنافسة، فضلًا عن اكتشافهم أنها قوة تساهم فى تشكيل المستقبل العالمى فى حد ذاتها..هذا ما فسره كبير باحثى كلية الدراسات المهنية للشئون العالمية بجامعة «نيويورك»، «إبينيزر أوبادار»، الذى أكد أنه لن يكون هناك نظام دولى مرن قائم على القواعد فى المستقبل لا يشمل القيادة الإفريقية، ويراعى المصالح الإفريقية.

ومن هذا المنطلق، يبدو أن الغرب تأكد أن دول «أفريقيا» ليست تحت مجال سيطرته أو نفوذه، بعد أن كان هذا الاعتقاد مجرد ملاحظات خلال السنوات القليلة الماضية، فعلى سبيل المثال: ظهر نفوذ «موسكو» فى «أفريقيا» فى مارس الماضى، أثناء تصويت الأمم المتحدة لإدانة العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، إذ امتنعت عدة دول أفريقية عن التصويت لإدانة «روسيا». ولكن، أكثر ما أثار القلق الغربى، هو امتناع المزيد من الدول الإفريقية عن التصويت فى 7 أبريل الماضى على قرار الأمم المتحدة بتعليق عضوية «روسيا» فى مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة.

جديرًا بالذكر، أن «موسكو» رفعت بشكل كبير من الصورة العامة لوجودها فى «أفريقيا» فى السنوات الأخيرة، وظهر ذلك تحديدًا فى قمة «روسيا، وأفريقيا» لعام 2019 فى «سوتشى». 

ورغم أن حجم التجارة الروسية مع «أفريقيا» لا تنافس «الولايات المتحدة»، و«الصين»، إلا أن الاستثمار الروسى فى المجال الأمنى لأفريقيا ترك علامة فارقة، إذ تمثل «روسيا» أكثر من ثلث جميع واردات الأ سلحة فى أفريقيا جنوب الصحراء؛ كما تعد أكبر مورد للأسلحة لإفريقيا السنوات الاخيرة، حيث تمثل 35 % من صادرات الأسلحة إلى المنطقة، تليها «الصين» بنسبة 17 %، و«الولايات المتحدة» بنسبة  9.6 %، و«فرنسا» بنسبة  6.9 %؛ ناهيك عن توقيع «موسكو» اتفاقيات أمنية وعسكرية غير مسبوقة مع دول إفريقية مع أكثر من 20 دولة أفريقية.

 ومع ذلك، إن التواجد الروسى داخل القارة الإفريقية ليس كل ما يؤرق الاهتمام الغربى – بقيادة «الولايات المتحدة» - بل ذلك المنافس الذى يتعمق فى قلب «أفريقيا» دون زيارات رسمية كالمذكورة سابقًا، وهى «الصين». فيبدو أن «الصين» قد درست الموقف الأمريكى داخل القارة كاملًا، إذ أعلنت عدم ارتباط العلاقات الصينية الإفريقية بالظروف السياسية، ورفضها التدخل فى الشئون الداخلية للدول الإفريقية؛ وبدلًا من ذلك اعتمدت على تقديم سياسات وممارسات فى مشاريع التنمية..أى سعت «بكين» إلى تقديم نموذج تنموى بديل عن نموذج «واشنطن» السياسى العسكرى.

وبالفعل، أصبحت «بكين» الشريك التجارى الأول للدول الإفريقية، بعد التوسع السريع فى الاستثمار الأجنبى المباشر عبر القارة..حيث نمت التجارة بين «الصين» و«أفريقيا» بنسبة 16.6% لتصل إلى 137 مليار و400 مليون دولار أمريكى فى النصف الأول من هذا العام، مدعومة بانتعاش أسعار السلع الأساسية، وخاصة النفط، وفقًا لموقع «ساوث تشاينا مورنينج بوست» الصينى الإخبارى.

كما استوردت «بكين» بضائع بقيمة 60 مليار و600 مليون دولار أمريكى من «أفريقيا»، بزيادة قدرها 19.1 % مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021؛ بينما زادت الصادرات إلى القارة بنسبة 14.7 % لتصل إلى 76.8 مليار دولار أمريكى، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك فى «الصين». 

اختصارًا، يكمن القول إن «بكين»، و«موسكو» عرفتا كيف تعززان علاقاتهما الاقتصادية مع «إفريقيا»، واستغلال الفراغ الأمريكى خلال السنوات القليلة الماضية.

أسباب تنافس القوى العظمى على «أفريقيا»

لخصت المساعدة الخاصة للرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما»، وكبير مديرى قسم أفريقيا فى مجلس الأمن القومى سابقًا «ميشيل جافين» بعض أسباب التنافس فى عدة نقاط، يمكن الإشارة إليها اختصارًا بأنه: 

فى حلول عام 2050، سيكون ربع سكان العالم من الأفارقة وتكون القوى العاملة شابة ومتنامية فى القارة فى تناقض صارخ لشيوخة سكان المناطق الأخرى. وسيصبح رأس المال البشرى أهم ميزة فى الصورة العالمية لإفريقيا؛

كما يمكن للكتل الانتخابية الكبيرة فى «إفريقيا» فى المنظمات الدولية أن تؤثر بشكل حاسم على بعض النتائج؛ وعلى الجانب الاقتصادى، فتتمتع القارة الإفريقية بالعديد من الموارد الطبيعية، المعادن الأرضية النادرة الضرورية لمستقبل البشرية الذى تحركه التكنولوجيا، إذ يتطلب الاقتصاد التكنولوجى معادن، مثل: الكوبالت، واليورانيوم المستخدم فى إنتاج الطاقة النووية، البلاتين المستخدم فى المجوهرات والصناعية التطبيقات، النيكل المستخدم فى الفولاذ المقاوم للصدأ والمغناطيس والعملات المعدنية والبطاريات القابلة لإعادة الشحن، إلى جانب النحاس، والحديد، والفوسفات، والمنجنيز، بالإضافة إلى الموارد المعدنية الربحية مثلك الذهب والماس؛ أما العنصر الأهم فى قارة «أفريقيا»، فهى كونها موطنًا لرواسب مختارة من النفط والغاز الطبيعى، والتى يتم حفرها من أجل الطاقة والوقود؛

على صعيد آخر، يمثل المناخ والزراعة النشاط الاقتصادى الأكثر أهمية فى القارة، حيث توظف الزراعة ثلثى السكان العاملين فى القارة، وتساهم بنسبة 20 % إلى 60 % من الناتج المحلى الإجمالى لكل بلد، إلى جانب زراعة الأشجار، التى تعتبر نشاطًا اقتصاديًا مهمًا فى القارة أيضًا، حيث تمثل منتجات الغابات - فى المتوسط - 6 % من الناتج المحلى الإجمالى لأفريقيا؛

أضف إلى ذلك، امتلاك «أفريقيا» مصايد الأسماك فى جميع سواحلها البحرية، وكذلك الداخلية، مثل: البحيرات العظمى والأنهار التى تحتوى على أكثر من 3 آلاف نوع من الأسماك، وتشكل ثلثى الإنتاج العالمى للأسماك الداخلية.

ويمكن القول، إن العلاقات حول الموارد الطبيعية تحدد -أيضًا- نمط العلاقات السياسية بين البلدان الإفريقية وبقية العالم..ففى هذا المجال، من الصعب إحداث فرق بين السياسة والاقتصاد.

  فى النهاية، يذكر أن المنافسة الدائرة بين القوة العظمى لكسب تأييد «إفريقيا» لا تتوقف عليهم فحسب، بل يوجد عدد آخر من الدول الكبرى، التى تتطلع لمزيد من المكاسب المتبادلة بينهم وبين القارة.