الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد أزمات الطاقة والتضخم الناجمة عن الأزمة «الروسية-الأوكرانية»: للعقوبات الغربية وجوه كثيرة

منذ اللحظات الأولى للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، قرّر الغربُ اتخاذ تدابير صارمة- تمثلت فى العقوبات الاقتصادية- ضد «موسكو»، من أجل ثنيها عن عمليتها، حتى وصل الأمْرُ لفرض ست حزم من العقوبات المتتالية، وتهديدات بقطع إمدادات الطاقة. 



ورُغْمَ الاحتفاء الغربى من قِبَل المسئولين والإعلاميين بهذه العقوبات، نتيجة لما ستؤديه من تداعيات سلبية على الاقتصاد الروسى؛ فإن النبرة تغيرت فى بعض وسائل الإعلام، وعند عدد ملحوظ من المسئولين الغربيين خلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدًا فى «أوروبا»، التى تكاد تشهد أسوأ أيامها الاقتصادية فى العصر الحديث.

فصارت وسائل الإعلام الغربية لا تتحدث سوى عن الارتفاع المستمر فى تكلفة المعيشة فى «أوروبا»، وشبح نقص الغاز فى الشتاء المقبل، وعدم الاستقرار الاقتصادى الذى يترجم الآن إلى عواقب سياسية. فعلى سبيل المثال، أوضح تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن الأزمة الاقتصادية الإيطالية كشفت هشاشة «أوروبا» فى مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.

 تداعيات العقوبات الغربية ضد «روسيا»

اعتقد الأوروبيون أن قَطع إمدادات الطاقة عن «روسيا» سيضرها، إلا أن قرار قطع النفط والغاز دفع أسعار الطاقة إلى الارتفاع بما يكفى لدرجة حققت لروسيا كسب إيرادات أكثر مما كانت عليه فى العام السابق، بينما تسبب ذلك فى تأرجح «أوروبا» نفسها بين أزمتى ارتفاع تكاليف المعيشة، وأزمة غاز حادة.

فالدول الأوروبية، التى استوردت نحو 40 % من غازها الطبيعى، وأكثر من ربع نفطها من «روسيا» فى عام 2021، تخلفت عن «الولايات المتحدة» - الأكثر تنوعًًا - فيما يخص خفض واردات الطاقة الروسية، فى وقت تعتمد فيه العديد من الاقتصادات الأوروبية- خصوصًا «ألمانيا» - على إمدادات الطاقة من «روسيا»، وهو ما دفع صندوق النقد الدولى لأن يتوقع حدوث اضطراب اقتصادى فى جميع أنحاء «أوروبا».

من جانبه، أكد الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» فى منتدى (سانت بطرسبرج الاقتصادى الدولى) لعام 2022، أنه صار من الملحوظ كيف ساءت القضايا الاقتصادية والاجتماعية فى «أوروبا»؛ حيث أصبحت أسعار السلع، والمنتجات الغذائية، والطاقة الكهربائية، ووقود السيارات آخذة فى الازدياد، بينما تدهورت نوعية حياة الأوروبيين، فى وقت تفقد فيه الشركات قدرتها التنافسية. 

وبحسب تقديرات الخبراء؛ فإن الخسائر المباشرة التى تكبدها «الاتحاد الأوروبى» نتيجة العقوبات قد تتجاوز 400 مليار دولار فى العام المقبل، وسيتحمل سكان وشركات «الاتحاد الأوروبى» هذه التكاليف مباشرة، فى ظل تجاوز التضخم فى بعض دول منطقة اليورو حاجز الـ20 ٪، مدفوعًا بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.

فقد ارتفع التضخم فى منطقة اليورو لأعـلى مستـوى له عـلى الإطـلاق إلى 8.9 ٪ فى يوليو الماضى من 8.6 ٪ فى مايو السابق له؛ بينما انخفض اليورو أمام الدولار الأمريكى خلال الشهر الماضى للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين؛ فيما قام البنك المركزى الأوروبى بأول رفع لأسعار الفائدة منذ 2011.

دفعت هذه التطورات أسابيع من النقاش المحتدم بالنسبة للاتحاد الأوروبى، فيما يخص الموافقة على التخلص التدريجى من واردات النفط الروسى. ومن أجل التوصل إلى اتفاق، اضطرت الكتلة إلى منح تمديدات لعدة دول، مما أدى إلى تخفيف الأثر قصير المدى.

 كيف ساءت الأمور فى «أوروبا»؟

فى مقابل العقوبات الغربية على «روسيا»، اتخذت الأخيرة خطوات لحماية مصالحها، وردت على التهديد الأوروبى بتهديد آخر، وهو قطع الغاز عن الدول الأوروبية - التى وصفتها بـ«غير الصديقة» فيما يخص موقفهم من الأزمة «الروسية - الأوكرانية» - التى ترفض دفع ثمَن الغاز بالروبل.

وبالفعل، أعلنت شركة «غازبروم» الروسية أنها أوقفت شحنات الغاز إلى «لاتفيا» الأسبوع الماضى، بحجة انتهاك شروط تسلم الغاز التى تقر الدفع بالروبل. وقد جاء قرار الشركة الروسية بعد يوم من إعلان شركة «لاتفيا غاز» للطاقة أنها ستشترى الغاز من «روسيا» باليورو، لتصبح سادس دولة أوروبية تحرمها «موسكو» من الغاز. 

وقد سبق «لاتيفا» كل من دول «بلغاريا» التى أوقفت «غازبروم» إمدادات الغاز عنها فى أبريل الماضى، ثم عن «بولندا، وهولندا، وفنلندا، والدنمارك» فى مايو الماضى. وبالموازاة مع إجراءات القطع تلك خفضت «غازبروم» بشكل كبير شحنات الغاز إلى «أوروبا» عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» إلى نحو 20 % من طاقته، ما أدى لارتفاع أسعار الغاز فى «أوروبا» بنحو 5 أضعاف مقارنة بالسنة الماضية.

أدى القرار الروسى إلى تدافع الدول الأوروبية للحصول على إمدادات بديلة، وتستعد لفصل شتاء صعب، إذ طلبت المفوضية الأوروبية من دول «الاتحاد الأوروبى» أن يكون لها حد أدنى للتخزين يصل إلى 80 ٪ بحلول نوفمبر المقبل.

وأوضحت المفوضية أن الإغلاق الكامل لإمدادات الغاز من «روسيا»، قد يؤدى إلى ركود فى وقت لاحق من العام الجارى. مضيفة إن أسعار الغاز المرتفعة، أدت إلى زيادة تكاليف الشركات، وتقليص ميزانيات المستهلكين، مما يجعلهم أقل إنفاقًا على السلع والخدمات الأخرى. ونتيجة لذلك، توقعت المفوضية أن تقع منطقة اليورو فى حالة ركود هذا الخريف فى ظل ارتفاع معدلات التضخم.

هذا بالإضافة إلى اكتشاف الكتلة الأوروبية احتمالية حدوث أزمة اسوأ، اشار إليها موقع (CNBC) الإخبارى الأمريكى، إذ أوضح أن «الاتحاد الأوروبى» يستخدم فى العام نحو 4.3 مليار ميجاوات فى الساعة من الغاز الطبيعى. وبالتالى، إذا ارتفعت الأسعار بمقدار 100 يورو لكل ميجاوات فى الساعة لمدة عام واحد، واضطر «الاتحاد الأوروبى» إلى دفع هذه الأسعار، بدلًا من الاستفادة من بعض العقود طويلة الأجل ذات السعر الثابت؛ فستزيد التكاليف بنحو 430 مليار يورو، أى ما يعادل 3 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى للاتحاد الأوروبى لعام 2021.

 الوجه الآخر للعقوبات

على صعيد آخر، يعوّض الدفع الأوروبى بالروبل بشكل مباشر العقوبات الغربية، مما سمح للروبل الروسى بالوصول إلى أعلى مستوى له فى 7 سنوات أمام الدولار.

وقدر مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف فى العاصمة الفنلندية «هلسنكى»، أن «موسكو» جنت ما يقرب من 100 مليار دولار من واردات الطاقة فى الأيام المائة الأولى من العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، وأن نحو 60 % من هذه الأموال جاءت من «الاتحاد الأوروبى».

من جانبها، أوضحت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أنه رُغْمَ الجولات المتعاقبة من العقوبات؛ فلا يزال الاقتصاد الروسى قائمًا، إذ تواصل «موسكو» جنى المليارات من العائدات من صادرات الطاقة. وفى الوقت نفسه، ألقت الأزمة «الروسية - الأوكرانية» بظلالها على الاقتصادات الأوروبية؛ حيث يواجه قادة دول «الاتحاد الأوروبى» نموًا منخفضًا وتضخمًا قياسيًا.

أمّا نائب الرئيس التنفيذى فى «معهد التمويل الدولى»، «كلاى لورى» فقال إنه قد لا يكون تأثير العقوبات صارخًا كما كان يُعتقد فى الأصل؛ لأن المخرج بالنسبة لروسيا كان صادرات الطاقة.

 التحركات الغربية لمواجهة أزمة الطاقة

تحركات مختلفة اتخذتها الدول الأوروبية منفردة، أو بالاتفاق، لتفادى الأزمات الناجمة عن الأزمة «الروسية- الأوكرانية» وتداعياتها.

فبالنسبة لاستيراد الغاز الروسى، قرر بعض القادة الأوروبيين الدفع بالروبل، رُغْمَ تحذير المفوضية الأوروبية دول «الاتحاد الأوروبى» من أن تسديد الدفعات بالروبل سيشكل انتهاكًا للعقوبات الدولية المفروضة على «موسكو».

على صعيد آخر، قررت «كندا»- بعد تلقى طلب من «ألمانيا»، والحصول على إعفاء من العقوبات من «واشنطن» - إعادة توربين «نورد ستريم 1» إلى «غازبروم»، من أجل مساعدة فى إعادة بدء توريد الغاز من «روسيا». لكن، إصلاح الأعطال الفنية فى هذا التوربين يستغرق وقتًا، وهذا هو السبب فى أن استئناف إمدادات الغاز عبر «نورد ستريم1» لن يحدث بسرعة، وهو ما دفع بعض مسئولى «الاتحاد الأوروبى» بإلقاء اللوم على «موسكو»، بل واتهامها فى بعض الأحيان، أنها تستغل الخط استغلالًا سياسيًا، بينما توضح الأخيرة أن هذه الصيانة السنوية تستغرق وقتًا.

أمّا على المستوى الجماعى؛ فقد قرر «الاتحاد الأوروبى» تخفيف حدة العقوبات حتى لا تضرر مصالحهم الشخصية، وقد وصل الأمر إلى أن تعلق صحيفة «فايناننشيال تايمز» البريطانية فى تقرير نشر منذ أيام، أن الغرب قرر الامتناع عن اتخاذ تدابير صارمة للحد من بيع النفط الروسى، بسبب مخاوف من ارتفاع أسعار الوقود، وانخفاض إمدادات الطاقة العالمية.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن السياسيين الأوروبيين، قرروا تأجيل خطة تمنع «موسكو» من الوصول إلى سوق التأمين «لويدز لندن»، وتم السماح ببعض الشحنات الدولية.

وذكرت «فايناننشيال تايمز» أن «بريطانيا» لم تنضم إلى الحظر الذى فرضه «الاتحاد الأوروبى» على التأمين البحرى للسفن، التى تحمل النفط الروسى، الذى تم الإعلان عنه فى يونيو الماضى، وتنطبق إجراءاتها فقط على السفن التى تحمل موارد الطاقة من «روسيا» إلى «المملكة المتحدة».

ومن جانبها، علقت صحيفة «واشنطن بوست» أن الشىء الأكثر إثارة للاهتمام فى اقتراح عقوبات «الاتحاد الأوروبى» الأخيرة هو ما لم تفعله، أى أن الاقتراح لا يحظر واردات الغاز الطبيعى من «روسيا»، كما أنها لا تشمل تدابير إضافية بشأن النفط؛ وبدلًا من استهداف هذه المصادر الرئيسية للإيرادات الروسية، اقترحت المفوضية الأوروبية يوم الجمعة الأسبق، حظرًا على واردات الذهب وبعض التعديلات لتحسين تنفيذ وإنفاذ العقوبات الحالية.

وعلى جانب «الولايات المتحدة»، فهى تضغط على الكتلة الأوروبية، من أجل تحديد سقف عالمى لأسعار النفط الروسى. لكنْ، دبلوماسيون من «الاتحاد الأوروبى» قالوا إن القضية من غير المرجح أن تحظى بجلسة استماع جادة خلال هذه الفترة، إن وجدت من الأساس؛ بينما أفاد المفوض الأوروبى للاقتصاد «باولو چينتيلونى» بأن المفوضية تراجع الاقتراح بشأن تحديد سقف للأسعار. مضيفًا إن مثل هذه الإجراءات لن يتم النظر فيها إلا فى سيناريوهات مستقبلية غير عادية.

على كلّ؛ لا يزال المشهد الاقتصادى ضبابيًا فى القارة الأوروبية، إذ يتأرجح قادتها ومسئولوها بين مأزقين يحمل كل منهما عواقب وخيمة.