الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. فتح المندل وفك الأعمال..  أفضل طريقة لطهى «لحم العفريت» الطازج وأكله!

مصر أولا.. فتح المندل وفك الأعمال.. أفضل طريقة لطهى «لحم العفريت» الطازج وأكله!

لم أكن أتوقع أن يتصل بى صديقى الذى يحمل درجة الدكتوراه فى الآداب.. ليسألنى عن مدى معرفتى بأحد موثوق فيه يقوم بـ«فك الأعمال».. بعد أن فشل العديد ممن لجأوا إليهم فى هذه المهمة التى جعلته يذهب إلى العديد من المحافظات أملًا فى الوصول لهذا الشخص الموثوق فيه. وتزامن مع ذلك أن قرأت عن مدى جواز أكل لحم «العفريت».. ولم يحدد طريقة الطهى أو أسلوب التناول..



هذا حدث سنة 2007 ويحدث الآن فى عام 2022. يحدث مع غير المتعلمين ومع من يحمل منهم درجة الدكتوراه.. ومن الواضح أن القادم بهذا الشكل أسوأ للعقل الجمعى لمجتمع يؤمن بـ«بلاعة البركة».

 

تعجبت عندما طلب منّى صديقى صاحب الدكتوراه فى الآداب هذا الطلب الغريب، ولم يكن استغرابى لهذا الطلب الذى أصبح محط اهتمام الكثيرين هذه الأيام.. بقدر أن يسألنى صديقى الذى يصنف باعتباره تنويريًا وعقلانيًا، بل ويحارب فى كل ما يكتبه ما من شأنه أن يحجم الفكر أو يصادر العقل. إنها ظاهرة بدأت فى التفشى بشكل عجيب بين كل أطياف المجتمع المصرى.. فى اقتناع تام بأهمية من يقوم بفتح المندل وفك الأعمال.. لدرجة أن وصفهم لى البعض من أقاربى إن من يساعد الناس على حل تلك الكوارث.. هو رجل طاهر يسمع له الله.

قرأت مؤخرًا دراسة تؤكد أن ما يقرب من 20 % من المصريين يؤمنون بالزّار، ويلجأون إليه. وأن 63 % من المصريين يعتقدون فى الخرافة والسحر؛ حيث يمثل المثقفون والسياسيون والفنانون 11 % من تلك النسبة، كما أكدت الدراسة المذكورة أن 55 % من المترددات على المشعوذين من المتعلمات. 

الطريف فى الأمر، أن غالبية من يقوم بحل تلك المشكلات السحرية السفلية هم من مشاهير رجال الدين.. سواء باعتبارهم من أولياء الله الصالحين وأصحاب الآراء الصائبة، ويجب الالتزام بتعليماتهم وتنفيذها حَرفيًا.. لدرجة أن مخالفة رأى رجال الدين عند البعض هى بمثابة «المَعصية الكبرَى».

أذكر هنا، أنه أثناء مشاركتى فى أحد التدريبات عن المشاركة السياسية للمرأة فى إحدى المحافظات.. أن صديقًا نبّهنى إلى أن كل الجهود قد باءت بالفشل لأسباب لم يستطع تحديدها.. إلا بعد وقت طويل.. وهى أن المدخل لعدة قرى فى تلك المحافظة هو أحد رجال الدين الذى يتم التعامل معه باعتباره «المبروك» فى اعتقادهم لكونه يقوم بفك الأعمال.. مما أعطى له مصداقية بين أهل تلك القرى.

الغريب والعجيب والمريب هو أن تجد أحد المحسوبين زورًا وبهتانًا على رجال الدين يفتى بجواز أكل لحم «الجن» منذ عدة سنوات، بل ويزيد أن الجِمال تعيش بداخلها الشياطين والعفاريت، ودلل على ذلك بعدم جواز الصلاة فى أماكن تواجُد الإبل لأنها موطن للعفاريت. وقال «إن الجن يأخذ وقتًا غير معروف بالنسبة للإنس فى التشكل، ولا يراه أغلب الناس.. لذا فمن الجائز أكلها دون أن يقع ضرر على آكلها». 

وأذكر أنه فى شهر مارس 2007 نشرت إحدى جرائدنا القومية فى عددها الأسبوعى.. خبرًا طريفًا يقول بالحرف الواحد «فوجئ أحد أعضاء لجنة الإفتاء بالأزهر بشخص يدخل عليه، ويسأله: يا مولانا، هل أكل لحم العفريت حلال ولاَّ حرام؟!. ولم يدر عضو اللجنة كيف يرد على هذا السؤال الغريب.. ولكنه استدرك بسرعة، وقال للسائل: يا بُنَى، اذهب أولًا واصطاد عفريتًا ثم اذبحه، ولا تأتى إلاّ عندما تفعل ذلك.. وساعتها سوف أقول لك إن كان أكل لحم العفريت حلال ولاَّ حرام؟!».

قطعًا.. بعد ما سبق، علينا أن نبحث عمّن قدر له حظه أن يتذوق طعم «لحم العفريت».

لن أتوقف هنا عند سؤال صديقى أو عند تلك الفتوَى الغريبة؛ لأنهما فى نهاية المطاف يُعبّران عمّا يدور فى العقل الجمعى لقطاع عريض من الشعب المصرى الذى يعتمد على منطق الخرافة والحسد فى حياته اليومية. بداية من أى حديث عابر وما يتضمنه من مفردات المنطق المذكور، ومرورًا بالملصقات الموجودة على الغالبية العُظمَى من السيارات فى الشوارع؛ خصوصًا الميكروباصات، وصولًا إلى العديد من البرامج على بعض القنوات الفضائية، والتى تقوم بالترويج لقراءة الكف وقراءة الفنجان.

ولا أعتب هنا على من ذهب بنفسه ليسأل لجنة الإفتاء بالأزهر ليعرف الإجابة عن سؤاله العجيب، ولكن أعيب على التربية والتعليم والثقافة والإعلام.. ومن قبلهم على المؤسسة الدينية.. تلك المنظومة التى نقلت له تلك المعلومة الخطيرة التى تدل على مدى ثقافة من نقلها له.

كما كتبت قبل ذلك كثيرًا فى «روزاليوسف».. ما سبق هو إفراز طبيعى لما حدث فى المجتمع سواء فى المناهج التعليمية التى أصبحت لا تميل إلى البحث والتدقيق والتحليل، وبالتالى النقد البَنّاء.. بقدر ما تميل إلى التلقين الكمى لمعلومات يجب حفظها كما هى.. دون أى نقاش أو جدال، وفى أحيانٍ كثيرة دون أى فهم أيضًا.

من يسأل عن مدى جواز أكل «لحم العفريت»، ويريد أن يأخذ فتوَى شرعية لكى يستريح ضميره تجاه أكل «لحم العفريت» أو لا.. لا يمكن أن يبحث ويهتم بالشأن العام لهذا البلد.. على غرار النقاش حول الحوار الوطنى وغيره!  

هناك أهمية قصوى للتنسيق بين كل من: وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام.. وذلك تحت مظلة التعاون المشترك بين المجلس القومى لحقوق الإنسان والأزهر والكنيسة المصرية ووزارة الأوقاف للارتقاء بالفكر الدينى؛ ليترجم لخطاب دينى عقلانى منضبط تدريجيًا للوصول إلى حالة من الوعى الحقيقى للمجتمع بدلًا من هذا الوعى المزيف الذى يعتمد الخرافة منهجًا للتفكير.

تراجُع حالة الوعى الحقيقى فى المجتمع من شأنها أن ترتد بنا لعصور ظلامية فى الوقت الذى يشهد فيه العالم كله طفرة فكرية ملحوظة. وهو ما يجعلنى أركز هنا على دور الإعلام «المقروء والمسموع» فى الحذر من الوقوع فى الترويج للخرافات والخزعبلات من خلال نشرها بمنطق «الخبطات» الصحفية؛ لأن فى نشر تلك الأخبار أو المواد الصحفية ما يمكن أن يؤثر ويوجّه عقول الناس فى اتجاه مغاير للوصول للطريق الصحيح الذى تعتمد عليه الصحافة الرشيدة.. وقصة «بلاعة البركة» نموذج دال على ذلك.

نقطة ومن أول السطر..

هناك فئة ليست بقليلة فى المجتمع المصرى بكل فئاته تخلط ما بين صحيح الدين، وبين ما هو مزج بين الدين والخرافة فى محاولة لتبرير الأعمال السحرية بمنطلقات ومرجعيات دينية. وبمعنى آخر أن يجد من يقوم باتباع مثل هذه الأعمال تبريرًا دينيًا؛ لكى يمارسه دون الشعور بالذنب.

زيارة بسيطة لمكتبات الشوارع بالقاهرة ولمكتبات محطات القطار بالمحافظات.. تؤكد على مدى انتشار ثقافة الخرافة والجهل. كما أن كل من يقوم بزيارة معرض الكتاب السنوى.. يستطيع أن يشاهد مئات الكتب من تلك النوعية من التى تعمل على «تغييب» العقل وتقييد حريته فى مقابل إطلاق العنان للخرافات والخزعبلات.

الأميّة التى نعانى منها الآن فى المجتمع المصرى هى «الأميّة الفكرية». وهى فى تقديرى أخطر بكثير من الأميّة الأبجدية؛ لأن فى اعتقاد الشخص المتعلم بالخرافة نتائج أسوأ على المجتمع فى تأثيره على غيره بأفكاره الغيبية.