
محمود بسيونى
حقك.. أزمات «التجنيس».. تمييع مقصود للهوية الوطنية (2 - 4) كيف ينتقص التلاعب بحقوق الإنسان من مزايا المواطنة؟
فى ظل المتغيرات السياسية العالمية وعملية التحديث المستمرة فى التعامل مع حقوق الإنسان وتحولها إلى جزء رئيسى من سياسة الحكومات الغربية فى أوروبا والولايات المتحدة، حيث تقوم بعمليات رصد وتتبع لأوضاع حقوق الإنسان فى الدول الأخرى واتخاذ مواقف تجاه ما تراه من وجه نظرها انتهاكًا لحقوق الإنسان من بينها ربط المساعدات الاقتصادية والعسكرية بما تحرزه هذه الدول من تقدم فى مجال حقوق الإنسان، ولا تمانع من الضغط السياسى الصريح من أجل حماية نشطاء خلال محاكمتهم أمام القضاء الوطنى والتدخل للإفراج عنهم فى حاله احتجازهم.
قفزت الدول الغربية على مبدأ السيادة واستقلالية الدول فيما يتعلق بتطبيق وجة نظرها فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحماية من اعتبرتهم نشطاء أو مدافعين عن حقوق الإنسان وهى مسألة ستلزم تدقيق النظر لأن سياسات تلك الدول لنشر ثقافة حقوق الإنسان أصبح ينطوى على انتهاك لمبدأ مهم من مبادئ الأمم المتحدة وهو احترام السيادة وحق تقرير المصير والتأثير على استقلالية القضاء.
هذا القفز من جانب الدول الغربية يبنى بالأساس على وصم الدولة المقابله بأنها دولة ديكتاتورية بها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتبنى تلك الرؤية عبر الهجوم على نظامها السياسى باعتباره نظاما غير ديمقراطى، ثم الهجوم على أجهزة الأمن وتوجيه الاتهامات لها عبر التقارير الصادرة من منظمات غير حكومية من بينها منظمتا هيومان رايتس ووتش الأمريكية والعفو الدولية وهما مؤسستان عليهما علامات استفهام عديدة داخل الولايات المتحده نفسها حاليا.
يكفى أن نطلع على ما كتبه الباحث الأمريكى مايكل روبين فى مقال له نشرته جريدة واشنطن بوست يوم 23 يونيو الماضى قال فيه أن مؤسستى هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية قد ضلا طريقهما وفقدا الثقة فى كثير من تقاريرهما حول أوضاع حقوق الإنسان حول العالم.
وذكر الباحث بمعهد «أمريكا إنتربرايز» أن كينيث روث المدير التنفيذى لهيومن رايتس ووتش لأكثر من 30 عاما سيترك منصبه فى نهاية أغسطس القادم وسط نزيف من تأكل سمعتها الدولية وتحويلها من منظمة تهتم بالبحث الدقيق إلى منظمة «مسيسة» تضع الاعتبارات السياسية قبل البحث عن الحقيقة لافتا إلى تعاونها مع منظمة أخرى تم تمويل تأسيسها من القاعدة وأنه مع خروجه من المؤسسة الدولية العريقة ينتهى فصلا مدمرا من تاريخ منظمات حقوق الإنسان.
روبين نوه فى مقاله إلى أن الوضع فى منظمة العفو الدولية لم يكن أفضل بكثير مشيرا إلى تورطها فى فضيحة سياسية تتعلق بنشاطها مع مؤسسة «سيفيتاس ماكسيما» المعنية بتوثيق جرائم الحرب الأهلية التى شهدتها سيراليون ومساعدة ضحاياها ومقرها جنيف حيث دربت الشهود على الإدلاء بشهادة زور فى مخطط لمحاكمة جرائم الحرب من أجل الربح، حيث انهارت إحدى المحاكمات التاريخية للمجموعة قبل شهرين عندما تمكن الدفاع من تقديم إثبات أن المتهم بجرائم اغتصاب على أنه لم يكن موجودا فى ليبيريا فى الوقت بينما قال الشهود إنهم رأوه يمارس عمليات اغتصاب وقتل وجرائم شنيعة أخرى.
و كانت أدلة «سيفيتاس ماكسيما» المزيفة وراء اعتقال الإنتربول لمواطن أمريكى متهم بالرق وأقدم على الانتحار فى السجن بسبب إحساسه بالظلم.
ودعا روبين إلى ضرورة قيام رعاه تلك المؤسسات والمتعاونين معها بما فيهم الخارجية الأمريكية إلى مراجعة علاقتها بهاتين المنظمتين.
وأوضح روبين فى مقاله أنه لا يزال هناك ناشطون جيدون وجادون يتعاملون مع عملهم بموضوعية وبدون غمامات سياسية، لكن الفساد المتزايد يخنقهم ويحد من تأثيرهم محذرا من أن مجال حقوق الإنسان أصبح موطنًا للنشطاء ذوى الأجندة السياسية الذين يحددون ويصلحون النتائج لتكون متناسبة مع تحيزاتهم الشخصية أو أرباحهم ثم دعا روبين تلك المؤسسات إلى إجراء إصلاحات جوهرية وأنه حان الوقت لمجموعات حقوق الإنسان من أجل العودة وإعادة بناء الثقة التى فقدتها.
ما قاله روبين حول تلك المؤسسات يتطابق مع ما عبرت عنه دول عديده لديها ملاحظات وشكوك مهنية على ما تقوم به هاتان المؤسستان ودفاعهما المستمر عن شخصيات ونشطاء يثار الجدل بشكل دائم حول أحقيتهم بذلك.
لكن الجديد هو ظهور عملية تجنيس لهولاء النشطاء بجنسيات أجنبية من أجل تدخل تلك الحكومات بشكل سياسى للدفاع عن أحد رعاياها وهى مسألة تثير تناقضا جوهريا بين الجنسية الأجنبية وحقوق المواطنة وممارسة العمل السياسى.
بحسب التعريفات الدولية فإن المواطنة مكون أساسى فى كل مجتمع، باعتبارها أسمى تعبير يصف طبيعة العلاقة ما بين الفرد والمجتمع الذى ينتمى إليه، و ما تحمله تلك الصفة من حقوق والتزامات لكل طرف تجاه الآخر، يجعل منها أحد المحاور الأساسية التى تركز عليها الدساتير الحديثة. وقد اقترن مفهوم المواطنة إلى حد بعيد بالجنسية، باعتبارها السند القانونى لممارسة المواطنة التى انحصر مجالها لفترة طويلة بممارسة حق الانتخاب من حيث ضمان مشاركة شخصية ومتساوية للجميع فى اختيار الأشخاص الذين يسيرون البلاد.
وخلال الاجتماع التشاورى لبرنامج التربية على المواطنة الديمقراطية لمجلس أوروبا، 1996 أثير مفهوم المواطنة والمواطن القانونى وما تخوله له الجنسية من امتيازات وحقوق وما تفرضه من واجبات معينة تتوقعها الدولة من الأفراد تحت ولايتها وبالتالى يفى المواطنون بالتزامات معينة تجاه الدولة، وفى المقابل يتوقعون من الدولة حماية مصالحهم الحيوية.
وخلصت المشاورات إلى أن لمفهوم المواطنة طبقات من المعنى أكثر من المواطنة القانونية. فى الوقت الحاضر تعنى «المواطنة» أكثر من مجرد البناء القانونى، فهى تتعلق بشعور الشخص بالانتماء؛ على سبيل المثال: الشعور بالانتماء للمجتمع، والذى يمكن أن تشكل وتؤثر فيه بشكل مباشر.
ونوهت إلى وجود أبعاد تحكم المواطنة بينها البعد السياسى للمواطنة فى إشارة إلى الحقوق والمسئوليات السياسية حيال النظام السياسى. ويجب أن يتأتى تطوير هذا البعد من خلال معرفة النظام السياسى وتعزيز التوجهات الديمقراطية والمهارات التشاركية.
والبعد الاجتماعى للمواطنة له علاقة بالسلوك بين الأفراد فى المجتمع ويتطلب قدراً من الولاء والتضامن وإن المهارات الاجتماعية ومعرفة العلاقات الاجتماعية فى المجتمع كلها ضرورية لتطوير هذا البعد.
فيما يشير البعد الثقافى للمواطنة إلى الوعى بالتراث الثقافى المشترك. وينبغى وضع هذا البعد من خلال معرفة التراث الثقافى والتاريخ والمهارات الأساسية مثل الكفاءة اللغوية والقراءة والكتابة.
كما يتعلق البعد الاقتصادى للمواطنة بالعلاقة بين الفرد وسوق العمل والمستهلك. ويتضمن هذا البعد الحق فى العمل والحق فى مستوى من الكفاف. وتلعب المهارات الاقتصادية والتدريب المهنى دوراً رئيسياً فى تحقيق ذلك.
تتحقق هذه الأهداف الأربعة للمواطنة من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية فى المدرسة والأسر والمنظمات المدنية والأحزاب السياسية، وكذلك من خلال الجمعيات ووسائل الإعلام.
تأسيسا على هذا المفهوم تصبح الجنسية هى باب المواطنة وممارسة الحقوق السياسة وبالتالى فإن لجوء الدول الغربية لتجنيس النشطاء السياسيين بجنسيتهم يضع سوابق ربما غير مسبوقة فى العمل الحقوقى وتفرض تدخلا أجنبيا فى شأن داخلى بين المواطن ودولته بشكل يتناقض مع مفهوم النضال السياسى والحقوقى.
كما أن فقدان هؤلاء المناضلين لجنسياتهم يسحب منهم حقوقهم السياسية التى كفلتها المواطنة المرتبطة بالجنسية ووضعيتها القانونية.
صحيح أن الناشط لديه حرية التجنس بأى جنسية أخرى والتخلى عن جنسيته الأصلية، لكن التجنس يسحب عنه صفه المناضل ويسقط حقه فى المطالبة بالإصلاح.
خاصه أن من المتفق عليه أن الإصلاح السياسى عملية مستمرة تتم من الداخل عبر أدوات الحوار واستخدام أدوات الضغط السياسى من خلال العمل الحزبى، أو المساعدة القانونية عبر العمل الحقوقى.
فضلا عن أن التجنيس بجنسية أجنبية يصنع تمييعا للهوية الوطنية فى كل الأحوال كما أن البحث عن دعم خارجى لقضية حقوقية يتجه بالعمل الحقوقى إلى منطقة التسيس والمساس بالسيادة الوطنية ويضع علامات استفهام عديده حول أهداف هؤلاء النشطاء عند مقارنتهم بمناضلين سابقين لم يتخلوا أبدا عن جنسيتهم وتمسكوا بها وبعدالة ما يطلبونه من إصلاحات.
وللحديث بقية