الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. ما هو المتوقع من زيارة السيد العجوز؟

الحقيقة مبدأ.. ما هو المتوقع من زيارة السيد العجوز؟

اقتباس لا شية فيه من عنوان مسرحية فريدريش دورنمات الشهيرة «الزيارة»، فزيارة بايدن للمنطقة خلال الشهر الجارى ومقابلته مع القادة الخليجيين ومصر والعراق والأردن قد تحمل الكثير.. ما هو متوقع وما هو بعيد عن الخيال السياسى العربى، تمامًا كما كانت الحال فى رائعة دورنمات التى حملت غموض زيارة السيدة العجوز التى علق عليها الجميع آمالًا طالت عنان السماء وامتدت حتى خط الأفق! فالرؤية العامة هى مباركة تحالف إقليمى قد ينشأ بين مجموع الدول العربية سالفة الذكر وبين إسرائيل فى مواجهة أخطار التمدد الخارجى الطامع فى الإقليم أو فى أجزاء منه وبالأخص فى مواجهة «إيران» التى تمد أذرعها فى الداخل العربى بشكل يطوق شبه الجزيرة ويخلق تهديدًا حقيقيًا.



 

وجود ميليشيات إيرانية بالعراق وسوريا ولبنان شمالاً وباليمن جنوبًا، إضافة إلى ضربات صاروخية موجهة للداخل السعودى والإماراتى يجب ألا يمر دون تحرك استراتيچى من جانب دول مجلس التعاون وبمشاركة مصرية لخَلق ضمانة رادعة، وفى الوقت نفسه لإعادة ترتيب الأوراق فى العراق كبوابة شرقية للمنطقة مع تواجُد أردنى كعامل مؤثر مهم ما دامت إسرائيل تريد أن تكون جزءًا ذائبًا داخل الإقليم.

تظل زيارة السيد العجوز فاتحة لشهية التحليل السياسى؛ حيث تبقى هناك حلقتان؛ الأولى هل أتى لمباركة التحالف المرتقب أمْ للوصول إلى تفاهمات بشأن حل نهائى وجاد وعادل لقضية الصراع «العربى- الصهيونى» حتى بعد هرولة تطبيع هشة؟ أمْ فقط لأجل إقناع العرب بضخ المزيد من براميل الزيت الأسود؟!

 

 

وأمّا الحلقة الثانية فهى الحلقة الغائبة دائمًا عن الخيال السياسى العربى وهى كيفية عمل العقل السياسى الأمريكى والتعلم من دروس الماضى، ولعل البعض يتذكر المصالحة «الأمريكية- الصينية» فى فبراير 1972 التى عُرفت باسم إعلان «شانجاهاى»؛ حيث زار كيسنجر الصين بشكل سرّى ثم يزورها نيكسون بعد انتخابه رئيسًا ليعلن أن ذلك الأسبوع من شهر فبراير هو الأسبوع الذى سيغير العالم.. ولم يكن الأمْرُ ليحدث بهذا الشكل لولا أن واشنطن كانت ترى أنه لا توجد مصلحة؛ بل أن توجد فى ظل تعدد واسع للأعداء فى العالم؛ خصوصًا من أصحاب النفوذ حتى وإن اختلفت الأيديولوچيات، ففى ظل الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتى كان لا بُدّ من وجود تقارُب بين واشنطن وبكين ليس لاستمالتها؛ ولكن لإبعادها قدر الإمكان عن موسكو، وهو ما سيدفع موسكو بالقطع لاتخاذ سياسات أكثر مرونة مع واشنطن فى المستقبل، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل امتد الأمر لتوقيع اتفاقات التبادل الدبلوماسى بين بكين وواشنطن التى لم ترَ فيه أى غضاضة مع إعلانها الدائم أن لديها التزامًا أخلاقيًا تجاه «تايوان»، فيظل هذا الملف أداة ضغط أمريكية تجاه الصين والتى لم تتصور أمريكا أنها ستصبح هذا العملاق الحالى.

واشنطن لا تزال تفكر بالأسلوب السابق نفسه، وهو تقليل أعداد الأعداء المحتملين (من أصحاب النفوذ)؛ خصوصًا فى ظل مواجهة حالية مع موسكو وتوتر دائم مع بكين، وفى ظل معطيات حالية ومستقبلية تصبح فيها المنطقة العربية مركزًا دائمًا للطاقة وبقدرات تمكنها من أن تكون الأكثرَ تأثيرًا على الاقتصاد العالمى، يصبح حَريًا بواشنطن أن تضمن عدمَ العداء العربى ومحاولة استمالة القادة الجُدُد الذين سبق أن قامت بشن حروب التصريحات تجاههم؛ بل التلويح بإزاحتهم عن كرسى الحُكم!

واشنطن ترى أن لها ثلاثة أعداء (ثلاث حضارات تشكل تهديدًا للحضارة الأنجلو أمريكية)، الروس والصينيون والعرب، فإذا كان من غير الحكمة، عندما يكون لديك عدوّان، أن تعاملهما على قدم المساواة تمامًا فماذا ستفعل واشنطن مع الثلاثة؟؛ بل إن عليها أن تدفع بشكل مختلف من العلاقات مع كل عدو على حدة، وعليها أن تلعب باستراتيچيات أكثر اختلافًا وتعقيدًا، وعلى العرب أن يدركوا تمام الإدراك أن واشنطن لا تلعب إلا لصالحها فقط، وأنه لا توجد اتفاقات طويلة أو دائمة معها؛ بل إنها لا تتردد فى قلب أنظمة الحُكم الحالية متى رأت الفرصة مواتية.

رقعة الشطرنج لا تزال بها قطعٌ لم تتحرك بَعد، ومن كانوا فى الماضى بيادق صاروا الآن قلاعًا حصينة أسوارها منيعة على الغزو.. الكل يمتلك خيولاً وأفيالاً والأذكياء وحدهم قادرون على العودة بأكاليل الغار شريطة عدم استعجال النصر أو الهرولة لجمع غنائم زائفة، كل النعمة لأولئك الذين ينتظرون ومن دروس الماضى يعتبرون واشنطن لا تحب أحدًا إلا واشنطن.

تل أبيب ستظل تل أبيب إلى أن تعود حيفا ويافا وكل الأرض العربية، وستبقى القاهرة ساحرة وقائدة الشرق.