الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية النساء والتفسير.. والحروف المقطعة: القرآن عربيًا.. ونزل لكل الناس! "26"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



تاريخيًا لا توجد امرأة قامت بتفسير القرآن الكريم كاملًا، وقد تكون الأحق بلقب المفسِّرة هى أمُّ المؤمنين السيدة عائشة زوجة النبى، التى كثرت مواقف لجوء الصحابة إليها لإيضاح بعض المعانى من آيات القرآن.

 

ومن بَعدها جاءت نفيسة بنت الحسن بن زيد، التى عاشت فى مصر بين 145هـ و208هـ، وكانت معروفة بتفسيرها للقرآن، حتى لقبت بـ«نفيسة العلوم».

كما عَرف الإيرانيون الواعظة ياسمينة السيراوندية، التى اشتهرت بتفسير القرآن، وتوفيت عام 502هـ، ورُغْمَ من هذه المحاولات، لم تضع امرأة تفسيرًا كاملًا للقرآن، ولم تصلنا رؤية نسوية شاملة لآيات القرآن حتى اليوم.

واقتصار تفسير القرآن على الرجال وحدهم يؤدى إلى حرمان المجتمع من وجهة النظر النسائية فى التفسير، والتفسير الذكورى للقرآن يؤدى إلى الاعتقاد أن الدين الإسلامى يتضمن مفهوم الحريم والابتعاد بالمرأة عن الحياة العامّة، وحرمانها من التعليم والعمل.

 الكلام والقول:

والقرآن الكريم هو كلام وقول الله تعالى، فهو كلام الله لأن المعنى منه تعالى، وهو قول الله لأن الصياغة اللغوية منه تعالى، والكلام هو المنتظم من الحروف المسموعة والمميزة، واللغات الإنسانية هى أصوات تتكون منها الكلمات، فإذا تكلم إنسان بلغة غير معروفة فإنه يصدر أصواتًا غير مفهومة للسامع، وعندما يكون الكلام بلغة معروفة للسامع يكون الكلام له معنى ويصبح قولًا مفهومًا.

والكلام والقول جاءا فى آية واحدة: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)، الكهف 5، هذه الكلمة التى تخرج من الفم ونفهمها عند قولها، جاءت بتعبير: (يَقُولُونَ)، ولم تأتِ: «يتكلمون».

وعندما أرسل تعالى النبىَّ موسى وأخاه هارون إلى فرعون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) طه 44، ولم يقل: «فكلماه كلامًا لينًا»، فالقول هو كلام له معنى يفهمه السامع، ولذلك تأتى البلاغة فى القول: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)، النساء 63. 

 الحروف المقطعة:

والأصوات الإنسانية الأساسية فى نطق اللغات موجودة فى فواتح بعض السور القرآنية، على هيئة بعض الحروف التى تكتب متصلة وتنطق مقطعة، بمعنى يتم نطق كل حرف منفردًا، ولا يتم نطق الحروف متصلة ككلمة واحدة.

جاءت هذه الفواتح فى أوائل بعض السور كالتالى، «الم» فى سور البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة، و«المص» فى سورة الأعراف، و«الر» فى سور يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر، و«المر» فى سورة الرعد، و«كهيعص» فى مريم، و«طه» فى طه، و«طسم» فى سورتى الشعراء والقصص، و«طس» فى سورة النمل.

و«يس» فى سورة يس، و«ص» فى سورة ص، و«حم» فى سور غافر وفصلت والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف، و«حم عسق» فى سورة الشورى، و«ق» فى سورة ق، و«ن» فى سورة القلم، وتم جمع الحروف فى جملة «نص حكيم له سر قاطع».

لقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن بصيغته الصوتية وسمّاه الذكر: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، الحجر 9، لذلك نقول تلاوة آيات من الذكر الحكيم، وهذه هى الصيغة التعبدية لقراءة القرآن، ويمكن لغير العرب فهم القرآن بترجمة معانيه للغات أخرى، أمّا قراءة القرآن فتكون كما قرأه النبى عليه الصلاة والسلام. 

ولو نزل القرآن بلغتين عربية وأجنبية لقام الكفار بالاعتراض على ذلك: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)، فصلت 44، أمّا الآية (الم)، فتتكون من ثلاثة أحرف أو مقاطع صوتية، وهذه المقاطع الصوتية موجودة فى كل اللغات.

قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)، الحجر 87، وهذه الآيات سبع فواتح، ولأنها متشابهة فهى مثانى، وكل واحدة آية منفصلة، ولأنها سبع فواتح فهى سبع آيات، وهى «الم»، «المص»، «كهيعص»، «طه»، «طسم»، «يس»، «حم»، وكل منها جاءت منفصلة كأول آية ورقمها (1)، فى تسعة عشر سورة، وهذه الفواتح السبعة تتضمن أحد عشر مقطعًا صوتيًا تم جمعها فى جملة «المص كهيع طسح»، تتكون منها الحد الأدنى من الحروف أو المقاطع الصوتية لوجود لغة إنسانية.

أمّا «الر»، «المر»، «طس»، «ص»، « ق»، «ن»، فكل منها جزء من آية وليست آية منفصلة، مثل (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)، ق 1.

 فهم القرآن: 

معرفة ترتيب السور حسب النزول لتتبع الأحداث فى زمن الرسالة، ومعرفة المخاطب ونوع الخطاب لنعرف الأمر الإلهى إن كان تشريعًا أو توجيهًا، وبالتالى نعرف الأحكام المطلوبة، وكل كلمة فى القرآن يتم فهم معناها من السياق.

قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)، الفرقان 32، و(وَرَتَّلْنَاهُ) بمعنى تم ترتيبه بشكل مرتب ومنظم وواضح: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا)، المزمل 4، والترتيل هو صف وترتيب الأشياء على استقامة واحدة، ونسق منتظم بتقسيم المجموعات إلى أرتال أو مصفوفات.

وللترتيل أنواع، منها ترتيل المفردات المراد فهم معناها أو مقارنتها مع لفظ آخر، مثل ترتيل فعل هبط فى كل الآيات لمقارنته مع فعل نزل فى كل الآيات.

وترتيل الموضوعات المتفرقة بين السور القرآنية، مثل ترتيل قصة النبى موسى، وكذلك تحديد الموضوع المراد دراسته ثم نرتل الآيات المتعلقة بالموضوع.

 القرآن عربى:

وعن نزول القرآن باللغة العربية: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِى آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى)، فصلت 44، فى الآية (لِلَّذِينَ آَمَنُوا)، و(وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)، لم يتم تحديد جنسهم ولا لغتهم ولذلك هو لكل الناس.

وعن أصل اللغة العربية جاء فى الروايات أن تسميتها بالعربية نسبة للنبى إسماعيل عليه السلام «أبو العرب»، أو أنها نسبة إلى يعرب بن قحطان أول من تكلم بها، أو أنها نسبة إلى العرب العاربة.

وقد تم العثور على أقدم مخطوط مكتوب فى أحد مناجم سيناء باللغة العربية وعمره 4000 سنة تقريبًا، واللغة العربية أغنى اللغات بالمفردات والجذور اللغوية بها 16000 جذر لغوى، واللغة العبرية بها 2500 جذر لغوى، واللغة اللاتينية بها 700 جذر لغوى.

ولا توجد كلمة لغة فى القرآن: (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون)َ، الزمر 28، وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)، يوسف 2، وفى الآيتين (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، و(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)، لم تحدد العرب وحدهم، و«لعل» فى الآيتين تعود على كل الناس وليس العرب فقط.

ولم ترتبط كلمة «عربى» فى القرآن لا بلغة ولا بقوم، ولم تأتِ كلمة «عربى» فى القرآن للتعبير عن العرب؛ وإنما جاءت كلمة «الأعراب» من الأصل «أعرب»، وقد دخلت همزة التعدى على عرب فانقلب المعنى من الدلالة على الحق إلى الضد فى الدلالة على الكفر والنفاق: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا)، التوبة 97.

ومثل كلمتى «عرب وأعراب»، تأتى كلمتا «قسط وأقسط»، قسط بمعنى ظلم ودخلت همزة التعدى عليها لتصبح أقسط، وينقلب المعنى إلى الضد وهو أزال الظلم، فكلمة «القاسطون» بمعنى الجائرون عن الحق من الأصل قسط أى ظلم: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا)، الجن 15، وكلمة «المقسطين» بمعنى العادلين من الأصل أقسط: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، الممتحنة 8، ومثلها كلمتا «صرخ وأصرخ»، صرخ يعنى استغاث، وأصرخ يعنى أغاثه: (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ)، إبراهيم 22.

وكلمة «عربى» تعنى أن القرآن واضح ويحمل صفات التمام والخلو من النقص، ولسان عربى بمعنى لسان واضح وكامل ومفصل، وأعجمى معناه غير واضح وناقص: (لِسانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌّ وهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، النحل 103.

وتم فهم كلمة «تلاوة» بمعنى القراءة، ولذلك يقرأ الكثير من الناس القرآن وهم يحركون به ألسنتهم فقط، مع أن معنى يقرأ فى القرآن يشمل الفهم والوعى، وهذا ليس معنى القراءة فى اللغة العربية.

ولذلك نهى تعالى عن قراءة القرآن من دون فهم، وسمّاها تحريك اللسان: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ. ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، القيامة 16-19، والخطاب للنبى عليه الصلاة والسلام وتعليم لنا بعدم القراءة بتعجل.

فالقرآن يعرب عن نفسه ويظهر معانيه لمن يتدبره، من خلال معرفة جذور الكلمات وأصلها، والفرق بين الفعل الماضى والمضارع، والفاعل والمفعول به، والمبنى للمجهول وغيرها من المعلومات الأساسية للغة، فالله هو الذى أمر الجميع بالتدبر وليس فئة معينة من الناس. 

لقد أمر تعالى بتدبر القرآن، ولذلك علينا التدبر وصولًا للحق ولفهم اللسان العربى بشكل أوضح، والتفاسير التى قدمتها الباحثات المسلمات قدمت شكلًا من أشكال المنهج الاستقرائى القائم على تفسير القرآن بالقرآن بفهم الآية من خلال سياقها العام، وهى الجهود التى تحاول استكمالها باحثات قرآنيات، مثل الباكستانية أسماء برلس، والأمريكيتين ميسم الفاروقى، وآمنة ودود، وغيرهن بتأويل جديد للآيات الخاصة بالنساء.