الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. سقوط المَعبد

الحقيقة مبدأ.. سقوط المَعبد

لفترة ليست بالقصيرة استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحتل موقعًا مُهمًا فى صناعة القرار العالمى؛ بل إنه فى كثير من الأحوال كانت واشنطن هى عاصمة صُنع القرار الدولى وصار البيت الأبيض وكأنه قمة جبل الأوليمپ وساكنه هو المتحكم مُطلق القوة فى تغيير خارطة السياسة لهذا الكوكب، امتدت تلك الفترة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حين ضرب الاقتصاد العالمى (أوروبا) بسبب الحرب والأنفلونزا الإسبانية والذى تواكب مع نمو اقتصادى مفرط لدى الولايات المتحدة، حتى مع الأزمة الكبرى 1929 كانت أمريكا أقل الخاسرين ثم جاءت الحرب العالمية الثانية لتصبح أكبر الرابحين.



 

لا يخفى على أحد أن قدرة أمريكا على الدخول فى حروب ونزاعات عسكرية بعيدة عن أراضيها بل لا تقترب حتى من حدودها.. هى قدرة غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى وهو ما أعطى زخمًا للاقتصاد الأمريكى وذراعه المسلحة ومن ثم قدرات سياسية مؤثرة من حيث اتساع الدوائر وعمقها.. فهى الدولة الوحيدة التى لم تخسر حربًا أو ينشق عنها حليفٌ؛ بل تسابق الكثيرون لكسب الصداقة أو التطوع بالانبطاح أحيانًا، وبقى المَعبد قُدس أقداس وزاد السّدنة واحدًا تلو الآخر. 

السؤال: وهل بقى المَعبد على حاله؟! لا تؤمن الكاتبة بالحتميات التاريخية أمام الإيمان؛ وإنما تعتقد أنه فى حال توافر نفس الظروف فإنها مقدمات تذهب بنا لنتائج فيها من التشابه أكثره ومن التطابق بعضه، ولعل انهيار أو سقوط الإمبراطورية الرومانية هو أكبر دروس السياسة تاريخيًا وهو ما أخذت بها بريطانيا بعد استيعاب للدرس، أمّا واشنطن فليست على نفس مستوى الاستيعاب وإلا لتعلمت درس الأزمة الكوبية ثم ڤيتنام مرورًا بالعراق وأفغانستان وهذا على الصعيد العسكرى.. أمّا فى السياسة فكان لا بُدّ لها أن تستوعب جيدًا درس (5 + 1)؛ حيث استطاعت إيران أن تأخذ ما تريد وألا تعطى واشنطن ما هو مأمول فخَلقت طهران تحديًا جديدًا سارت على نهجه بيونج يانج، ولكن بصوت أعلى وتهديد واضح.. فى السابق ظنت واشنطن أنها ستستطيع أن تكمل مسيرتها واضعة تل أبيب فى وضع إشهار دائم فى وجه العرب بشكل عام وفى وضع إطلاق لا يتوقف فى وجه الفلسطينيين بشكل أكثر خصوصية، إلا أن القادة التاريخيين للكيان الصهيونى لم يعودوا على قيد الحياة وحلت محلهم وجوه جديدة تبحث عن حلول أكثر جذرية للصراع، وفى الوقت نفسه لم يعد الكيان فى احتياج ماسّ لحماية واشنطن له؛ بل إن حجم تطور التكنولوچيات الصناعية العسكرية الإسرائيلية تفوق على أغلب المُصنعين العالميين؛ وبخاصة فى المجالات النووية؛ بل إن تل أبيب تعلم جيدًا أن اتفاق (5 + 1) لم يكن لتأمين مصالح  أمريكا فى المنطقة ولا لحماية الشرق الأوسط من التوسع الإيرانى وإنما لخَلق توازن نووى بها فى مواجهة إسرائيل التى طورت برامجها بشكل أزعج واشنطن، ولم ينسَ حُرّاسُ البيت الأبيض تهديدات تل أبيب فى 1973 باستخدام السلاح النووى أثناء الحرب ما لم تتدخل أمريكا بجسر جوى لإنقاذها! علمًا بأن هذا السلاح ليس للاستخدام وإنما للردع السياسى فقط.. وهنا قامت تل أبيب بردع واشنطن لا القاهرة.

هُزمت إسرائيل وانتصرت مصر وبقيت الولايات المتحدة فى حالة تفكير مضنية لإيجاد الحلول.. فلا صوت يعلو على صوت المَعبد، ولهذا كان (5 + 1)، ولهذا أفشله دونالد ترامب أثناء ولايته الوحيدة حتى الآن نظرًا لعلاقاته الوثيقة بالقادة الجُدد فى تل أبيب الذين يرون أن العلاقة مع العرب ليست مستحيلة؛ خصوصًا أنه تم تقديم لهم وضع بديل عن حماية ليست حقيقية من مَعبد تتساقط أحجارُه، فالانسحاب الأمريكى من منطقة الخليج وعدم قدرته على وقف ضربات صاروخية من حلفاء إيران تجاه مواقع حيوية واقتصادية مهمة فى الإمارات والسعودية كان أحد أهم العوامل التى عَجّلت بطرح شراكات جديدة وتعهدات أكثر نجاعة؛ خصوصًا مع القاهرة التى عادت لاعتلاء موقعها العسكرى والسياسى والاقتصادى فى المنطقة كصانعة القرار العربى، وطرحت تل أبيب مشروعها للتوافق ووضع الحلول النهائية مع عرض المشاركة فى الأمن والدفاع المشترك، فهى الأخرى لم تنسَ لواشنطن دعمَها لطهران!

هل يأتى بايدن كآخر حُراس المَعبد وإنقاذ ما يمكنه إنقاذه! وتقديم عرضه على الطاولة العربية التى تغيرت عليها الوجوه والعقول، فالقادة الجُدد يعلون مبدأ السيادة والاستقلال العربى ويعرفون قدراتهم التى لم تعد بحاجة للرضا السامى؛ بل تعمل إقليميًا لوضع نفسها على خارطة صناعة القرار الدولى دون إملاءات كالسابقين أمْ يأتى لأجل النفط وحل أزماته الاقتصادية، أمْ لإنقاذ ماء الوجه قبل اتفاق يبدو محتومًا ومذيلًا بابتسامات من موسكو وتحيات من بكين؟.